«الشريط الوردي».. فكرة تتحول إلى موضة وتشجع السعوديات على فحوصات سرطان الثدي

بعد أن كان الخجل مسيطرا على معظم الحالات

الشريط الوردي أصبح موضة في السعودية بعد أن اجتاح عالم الملابس والإكسسوارات («الشرق الأوسط»)
TT

حتى وقت قريب، كان كثير من النساء السعوديات يخجلن في التقدم لإجراء فحوصات سرطان الثدي، وقد يكون ذلك بسبب تداخل عدة عوامل في مقدمتها العادات والتقاليد، أو الخجل، وربما الخلط في فهم التعاليم الدينية في بعض الأحيان، وبالتالي يحرمن أنفسهن من فرصة العلاج المبكرة، أو الوقاية أصلا من المرض.

هذه الظاهرة دعت عددا من المهتمين في هذا الجانب لابتكار عدد من الطرق، مستلهمين ذلك من التجارب العالمية التي سبقتهم في هذا المجال، ومن هذه الطرق اقتناء شريط وردي اللون في عدد من المنتجات النسائية، ويشير هذا الشريط إلى حملات التثقيف الصحي حول شرطان الثدي.

وكانت بداية فكرة الشريط الوردي في خريف عام 1991 عندما قامت مؤسسة «سوزان جي كومن» بتوزيع شريط وردي على المتسابقات غير المصابات بسرطان الثدي، في إطار حملة توعية بمدينة نيويورك، وفي عام 1992، اعتمد الشريط الوردي كرمز لشهر التوعية السنوية بخطر سرطان الثدي، وكان من ضمن المتعاونين في ذلك الحدث ايفلين لودر وهي رئيسة تحرير مجلة «صحة النساء الذاتية»، وهي إحدى اللاتي أجرين فحوصات حول الإصابة بالمرض، كما شاركت أيضا رئيسة شركة التجميل «استي لودر»، وكان هدف الجميع التعاون من أجل صناعة شرائط وردية اللون، وبيعها في متاجر شركة مستحضرات التجميل العملاقة في متاجر نيويورك، لتكون بذلك البداية الحقيقة لظهور الشريط الوردي الخاص بالنساء اللاتي تظهر التحاليل والكشوفات عدم تعرضهن لسرطان الثدي.

وفي السعودية، مع بداية شهر أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام وحتى نهايته، نرى اللون الوردي في كل شيء حولنا؛ على شكل شريط صغير، بدءا من صفحات المواقع الإلكترونية وحتى الملابس والإكسسوارات والأكواب، مرورا بأزياء المشاهير ونجوم التلفزيون. وفي ظل هذا الزخم نستطيع وصف الشريط الوردي بأنه «موضة» شهر أكتوبر، لا سيما العام الحالي، الذي شهد نشاطا كبيرا في حملات التثقيف الصحي حول سرطان الثدي، خاصة بعد أن أصبح هذا الشريط بمثابة شعار توعوي للتشجيع على الكشف المبكر عن المرض.

ويحرص كثير من المهتمين على أن يكون الشريط الوردي حاضرا في مختلف المحافل النسوية، مزينا حقائب السيدات وألبسة الفتيات، خاصة مع تنافس كثير من المتاجر في السعودية على استثمار حالة النشاط التوعوي في إنتاج قطع تحمل الشريط الوردي.

ويحرص القائمون على برامج التوعية على التأكد من أن العائد المادي للحملة يعود لبعض المؤسسات الخيرية، التي تعتمد على التبرعات، وتأتي هذه الخطوة بعد أن لوحظ أن بعض الشركات التي تنتج هذا الشريط لا تتبرع إلا بجزء قليل جدا من العائد المادي لبيع الأشرطة.

ليس هذا كل شيء، بل تجاوز الشريط الوردي عالم الألبسة والإكسسوارات ليكون حاضرا كذلك في الملتقيات الاقتصادية المتعلقة بالمرأة، ومنها الحفل السنوي لسيدات الأعمال الذي أقيم في المنطقة الشرقية، مطلع هذا الشهر، إذ جاء الشريط في واجهة العرض الرئيسي للحفل، للمرة الأولى، في حين كان لافتا اتخاذ كثير من سيدات الأعمال الشعار الوردي ليزين حلتهن، وخاصة على الحقائب.

من جهتها، تؤكد الدكتورة فاطمة الملحم، رئيسة حملة «الشرقية وردية» للتوعية بالكشف المبكر عن سرطان الثدي، على سرورها برؤية انتشار الشريط الوردي بصورة كبيرة هذا العام، مضيفة: «نحن نحتاج إلى كثير من التوعية للرعاية الصحية الأولية المتعلقة بالمرأة»، مشيرة إلى أن التوعية بضرورة الكشف المبكر عن سرطان الثدي من المفترض أن تستمر طيلة العام، وليس خلال شهر أكتوبر فقط.

وتؤكد الملحم خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط» أن النظرة الاجتماعية لسرطان الثدي تغيرت في السعودية بشكل كبير، وتبين قائلة: «المرأة في السابق كانت تخجل في الحديث عن سرطان الثدي أو ربما لا تهتم به، ونتج عن ذلك بعض الحالات التي تعاني من المرض وليس لديها علم، وهناك من تخفي هذه المعلومات عن أسرتها، لأسباب متفرقة». وتضيف: «نسبة الوعي تتزايد من عام لآخر، وعلى سبيل المثال كنا نستقبل لإجراءات الكشف المبكرة سيدة واحدة في اليوم تقريبا، أما الوقت الحالي فنحن نستقبل قرابة العشر سيدات باليوم، وطموحنا أكثر من ذلك إلى أن يصل إلى 100 سيدة يوميا».

ويؤدي الشريط الوردي دورا كبيرا في مكافحة سرطان الثدي، كونه يمثل تذكيرا وتنبيها للسيدات ومحفزا لهن على التوجه للكشف المبكر، ويؤيد ذلك بعض الفتيات اللاتي تحدثن لـ«الشرق الأوسط»، مؤكدات أن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل إن الشريط تحوّل إلى موضة، وأصبح الإقبال كبيرا على اقتنائه في بعض لوازم النساء، كرمز للتوعية وبالتالي «ضرب عصفورين بحجر واحد»، كما هو الحاصل في مجتمع طالبات الجامعات، ليجتاح الأقلام والكراسات والأساور والحقائب.

وعلى صعيد المرض يكشف المختصون على الحملة التوعوية «الشرقية وردية» أن سرطان الثدي هو الداء الأكثر انتشارا بين النساء في السعودية، وتأتي المنطقة الشرقية في المرتبة الأولى من حيث نسبة الانتشار. وتفيد الإحصاءات الحديثة بأن سرطان الثدي يصيب امرأة من أصل 8 نساء، وبالتالي فهو يعد من أخطر الأمراض الفتاكة بالنساء.

أمام ذلك، تعود رئيسة حملة التوعية الدكتورة الملحم لتؤكد على ضرورة الكشف الدوري على الثدي، مبينة أن تنظيم الحملات الوطنية التوعوية للكشف المبكر عن سرطان الثدي بات يحقق نتائج إيجابية على مستوى السعودية، بعد أن أسهمت في اكتشاف عدد من الإصابات في مراحل مبكرة، وهو الأمر الذي ساعد المصابات في التخلص من هذا المرض، الذي تصل نسبة الشفاء منه إلى 98 في المائة، وذلك متى ما تم اكتشافه وعلاجه باكرا.