التغطية والخدمات الإعلامية.. مفاجأة عاصفة «ساندي»

«نيويورك تايمز» و«وول ستريت جورنال» جمدتا رسوم الدخول إلى موقعيهما

خدمة تبث تلفزيونيا يقدمها المركز القومي للأعاصير وتنقلها القنوات المختلفة (رويترز)
TT

عكس ما في القاموس السياسي الأميركي عن «أكتوبر سيربرايز» (مفاجأة أكتوبر)، بأن الرئيس الذي يعيد ترشيح نفسه، وينافسه مرشح من الحزب الآخر، يقدر على إعلان «مفاجأة» قبيل يوم التصويت لزيادة أسهمه، جاءت «المفاجأة» هذه المرة من الطبيعة.

فجأة، تغيرت التغطية الإعلامية الأميركية المكثفة جدا للانتخابات إلى تغطية العاصفة «ساندي»، خاصة بعد أن اضطر كل من الرئيس باراك أوباما والمرشح الجمهوري ميت رومني إلى تجميد حملتيهما الانتخابيتين حتى تمر العاصفة.

في البداية، عندما كانت «ساندي» في البحر الكاريبي، وكانت تتجه نحو الشمال، لم تهتم كثير من قنوات التلفزيون والصحف والإذاعات ومواقع الإنترنت بها، حتى عندما ضربت جزر البحر الكاريبي. الإعلام الأميركي، عادة، لا يهتم كثيرا بما تفعله الأعاصير بهذه الجزر الفقيرة، حتى عندما ضرب الإعصار كوبا، لم يكن الاهتمام كبيرا، وذلك بسبب المقاطعة الأميركية لكوبا (لنصف قرن تقريبا) التي جعلت كوبا وكأنها في بحر بعيد.

غير أن جهاز مراقبة الأعاصير في ميامي (ولاية فلوريدا) أحرز قصب السبق عندما نشر خريطة توضح الاتجاهات المحتملة للإعصار. وأشارت كثير من الأسهم إلى أن الإعصار بعد أن يتجه شمالا في المحيط الأطلسي (وكأنه لن يقترب من الساحل الأميركي) سيغير اتجاهه فجأة، ويتحول بزاوية تسعين درجة تقريبا، ويتجه نحوه.

ويوم الجمعة الماضي، استعمل تلفزيون «سي إن إن»، مع تلفزيونات أخرى، كلمة «مفاجأة»، لكنه لم يقصد مفاجأة سياسية، قصد تغيير خط «ساندي». في ذلك الوقت، لم يكن معروفا أن الإعصار، بعد يومين، سيجمد الحملات الانتخابية لكل من أوباما ورومني.

ويوم السبت، نشر مركز مراقبة الأعاصير «مفاجأة» ثانية للإعصار، وهي أنه عندما يصل إلى واشنطن العاصمة، حسب أسهم التنبؤات، سيغير اتجاهه مرة ثانية بتسعين درجة تقريبا. وبعد أن كان يتجه إلى الغرب من واشنطن، سيتجه إلى الشمال، نحو نيويورك.

لأن الإعصار عملاق، عم الهلع نيويورك (سكانها عشرة ملايين شخص تقريبا). وعمت الإثارة المكاتب الرئيسية للشبكات التلفزيونية الرئيسية في نيويورك. وسارعت هذه، وأرسلت مراسلين ومراسلات إلى سواحل فلوريدا، ونورث كارولينا وفرجينيا لمتابعة الإعصار قبل أن يصل إلى نيويورك.

صباح الاثنين، أطلق برنامج «غود مورنينغ أميركا» (صباح الخير أميركا) في تلفزيون «إيه بي سي» اسم «هالوين ستورم» على الإعصار. وهذه إشارة إلى مهرجانات واحتفالات عيد «الهالوين» المخيف الذي يحتفل به الأميركيون كل سنة بارتداء ملابس مخيفة. يدق الأولاد والبنات، وهم يرتدون ملابس مخيفة، على الأبواب، مهددين «تريك أور تريت» (نخيفكم أو تعطونا حلوى). ويذهب الكبار إلى حفلات تنكرية مخيفة. هذه السنة، يأتي «الهالوين» يوم الأربعاء. لكن هذه السنة، خاف الأميركيون من أن إعصار «ساندي» سيفسد عليهم عيد الخوف.

وصور برنامج تلفزيون «إيه بي سي» صورا «مخيفة» للإعصار وهو يلطم السواحل، ويكبر الأمواج، ويهز الأشجار (ولم ينس الصوت المخيف للعاصفة). بعد خمس عشرة دقيقة من أخبار وصور الإعصار، تحول البرنامج إلى الحملة الانتخابية، وقال إن الإعصار جمدها.

وقدمت نفس التغطية تقريبا في قنوات تلفزيونية إخبارية رئيسية. حتى تلفزيون «إم إس إن بي سي» المتخصص في التغطية السياسية، نقل فيديوهات من «ويزر تشانيل» (تلفزيون أخبار الطقس). ونقل تلفزيون «سي بي إس» فيديو لموجة ضخمة كادت تجذب واحدا من مراسليها من على الساحل إلى البحر.

وقالت مراسلة تلفزيون «سي إن إن» سوليداد أوبريان في بداية خبرها «أنا قلقة.. عندي أطفال». وقالت مصادر إخبارية أميركية إن الصحافيين والصحافيات وجدوا في «ساندي» ضالتهم، أو «عاصفة الانتقام»، وذلك لأن العاصفة «إيرين»، التي سبقت «ساندي»، لم تكن قوية كما توقعوها. وعادة، عندما يحدث هذا، ينتقد كثير من الأميركيين الصحافيين (بل ينتقد الصحافيون أنفسهم) بأنهم يبالغون في تخويف الناس، ويكثرون من الإثارة الصحافية.

لكن، لم تكن عاصفة «ساندي» مدمرة فقط، بل غيرت اتجاهها مرتين، وكأنها تعمدت ضرب واشنطن العاصمة، ثم نيويورك، أكبر مدن أميركا. واستفادت من التغطية التلفزيونية المكثفة مواقع الإنترنت، التابعة لهذه القنوات، وغيرها. ولأول مرة، نقل تلفزيون «ويزر» (الطقس) تغطيته المستمرة إلى موقعه في الإنترنت مباشرة.

واستفادت الصحف المكتوبة، وزاد توزيع صحف، مثل «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز»، على الرغم من ظاهرة انخفاض توزيع الصحف المكتوبة بشكل عام بسبب مواقع الإنترنت. وسارعت صحيفتا «نيويورك تايمز» و«وول ستريت جورنال»، وجمدتا رسوم الدخول إلى موقعيهما على الإنترنت.

ورغم إعلان بعض الصحف أنها ستزيل القيود المفروضة للدخول على مواقعها، فإن العاصفة أفسدت على القارئ أيضا هذا النوع من الخدمات المجانية بسبب قوتها التي أدت إلى انقطاع التيار الكهربائي عن مناطق واسعة، إذ لم يتمكن موقع «هافينغتون بوست» من تقديم هذه الخدمة بسبب سوء الأحوال الجوية.

وقد أغلقت أسواق الأسهم الأميركية يوم الاثنين بسبب سوء الأحوال الجوية للمرة الأولى في 27 عاما. وأغلقت أسواق السندات مبكرا عند الظهر، إذ اجتاحت الرياح والأمواج التي تصاحب الإعصار «ساندي» السواحل الشرقية للولايات المتحدة.

وكان تلفزيون «سي إن إن»، منذ الأسبوع الماضي، ينشر إعلانات بأنه سيقدم «أكبر أسبوع تغطية تلفزيونية لانتخابات أميركية». وأعد أكثر من عشرين مراسلا ومراسلة ليرسلهم إلى عشر ولايات (خاصة ولايات غير مضمونة، مثل: فرجينيا، وأوهايو، وفلوريدا). ولأسبوع كامل، يبقون في أماكنهم، ويشتركون في ما سمته القناة التلفزيونية «فاينال باتلغراوند» (أرض المعركة الأخيرة). لكن، فاجأتهم عاصفة «ساندي».

وقال بارت فيدار، نائب رئيس البرامج لصحيفة «هافينغتون بوست»: «سنكون قادرين على التغطية الحية للعاصفة 24 ساعة في اليوم، وسوف نحافظ على تقاريرنا السياسية عن (أرض المعركة الكبرى)». وأضاف «لكن، صار واضحا أن العاصفة ستكون لها الأولوية لمدة 36 ساعة على الأقل».