بعد تكريمه في الجزائر.. فاضل خليل: المسؤولون عن الفن العراقي اليوم معوقون لا يستطيعون التفكير في النهوض بالمسرح

آخر عمالقة المسرح العراقي لـ«الشرق الأوسط»: أنا ابن المسرح.. والمسرح هو أب لكل الفنون

المسرحي العراقي فاضل خليل وهو يحمل إحدى جوائزه العربية («الشرق الأوسط»)
TT

هو فنان ومخرج مسرحي كبير.. اشترك في المئات من الأعمال التلفزيونية والإذاعية والمسرحية والسينمائية، ونال العشرات من الجوائز والشهادات المحلية والعربية والدولية، طيلة أكثر من أربعين عاما من عمله، ولا يزال، عاصر عمالقة المسرح ونهل منهم الكثير، أمثال حقي الشبلي وجاسم العبودي وإبراهيم جلال، ويعد اليوم واحدا من أبرز عمالقة المسرح العراقي. استذكره مؤخرا المهرجان الوطني للمسرح المحترف بالجزائر، عبر تكريمه مع نخبة من المسرحيين العرب.

عن تكريمه الأخير، وازدهار المسرح العراقي بالأمس وفتوره والقائمين عليه اليوم، إضافة إلى الحديث عن مساحات الحرية المتاحة للمؤلف والفنان عموما، والكذبة التي أطلقها البعض عن مقارعتهم للسلطة عبر أعمال مسرحية، وأشياء كثيرة، كان لـ«الشرق الأوسط» حوار طويل مع الفنان الدكتور فاضل خليل..

* ما الذي شكله آخر تكريم لك في مهرجان الجزائر؟ وهل أضاف لمسيرتك الزاخرة بالجوائز شيئا؟

- لم أضع في بالي أن أكرم، أو أن أنال الجوائز وأنا في هذا العمر، لأنني وصلت إلى حد لم تعد تعنيني فيه الجوائز، مثلا لو كانت في بداية حياتي الفنية لأضافت لي وحفزتني على الاستمرار والاجتهاد، لكن الآن العمر لم يبق فيه مساحة للتحفيز ما دمت متواصلا في عملي وأعرف ما وصلت إليه، ونلت كل أنواع التكريم، سواء أكان في داخل بلدي أم خارجه، وأشعر بأنني وصلت إلى مرحلة من النضوج الفني والاعتباري بحيث أعرف أين أقف الآن، فأنا آخر ديناصورات المسرح، وأتمنى ترك الجوائز للشباب المبدعين، وحضوري أي مهرجان عربي أو دولي يهمني فيه أولا أن أعرف أين نقف نحن من الآخرين، هل يتقدمون علينا أم نتقدمهم وهكذا. واستدرك ليقول: سمعت أيضا بإصدار طابع يحمل صورتي من قبل منظمة اليونيسكو، باقتراح من عراقي يعمل في المنظمة، وهذا يحصل لأول مرة.

* المسرح العراقي صياد الجوائز دائما في المحافل العربية والدولية معا، هل تغير ذلك الآن؟

- المسرح العراقي متفوق دائما، وهو مسرح مشاكس وذكي، وهذا لم يبدأ بطفرة، وإنما بدأ بولادة طبيعية جدا، وتطور منهجيا وبجهود الرواد المبدعين، وعلى رأسهم الفنان الكبير حقي الشبلي مواليد 1913.

* وكيف تصف الفتور الذي أصاب المسرح اليوم؟

- يحصل الفتور بسبب الاضطرابات الأمنية، وعدم الاستقرار، والأجيال الجديدة ظلمت لأنها لم تر المسرح العراقي على حقيقته، ليس لدينا مسرح ثابت في العراق نعول عليه كعائلة عراقية، نعم، في حين بالأمس كنا نعرض يوميا في فرقة المسرح الفني الحديث بمسرح بغداد طيلة السنة والناس تأتي لتحجز قبل شهر في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، لكن سلسلة الحروب هي التي عطلت المسرح، وجاءت فكرة أن الناس حزانى ومأزومون ويحتاجون إلى الفكاهة، وجاء المسرح التجاري وهو مسرح بلا هدف ولا معنى ولا أهمية، يهدف إلى إضحاك الناس على حساب شرف الكلمة ورفع الحشمة وخدش الآذان بالكلمات البذيئة، في حين المسرح العراقي طوال عمره كان جادا، وكنا نستهجن تشجيع المسرح الفكاهي. فالنكتة لم تكن مفتعلة في مسرحنا.. وكانت هناك نصوص شعبية تحوي النكتة غير المفتعلة، أي النكتة الرصينة، واستطاع المسرح العراقي، تقديم سلسلة من العروض الشعبية ومسك العصا من الوسط، أي أنه لم يرض المثقفين على حساب عامة الشعب.

وسأضرب لك مثالا حيا عندما كانت تختار رواية عظيمة مثل «النخلة والجيران» للكاتب غائب طعمة فرمان لتعرض كمسرحية شعبية، يذهب لها المهتم بدراسة الأدب والرواية والمثقف والأستاذ والطالب وكل فئات الشعب، مثلما يذهب لها الإنسان البسيط الشعبي، لماذا؟ لأنها قدمت هموم شعب ومشكلاته وحكاياته، لذلك صارت سلسلة من هذه العروض، وأيضا برزت المسرحيات العراقية التي تعرب من حكايات عالمية صعبة، مثل «البيك والسائق»، عن مسرحية «كوتولو» والتي غيرت قانونا كان يفرض على الأعمال المسرحية بدفع رسوم الملاهي، في حين هي تقدم ثقافة محترمة لا بد للدولة من تبنيها بالدعم والإسناد، وقد رفعت تلك الرسوم بعد مشاهدة المسرحية.

* فاضل خليل والمسرح، اسمان متلازمان، هل تحدثنا عن بعض ما احتفظت به من حياتك الفنية الطويلة؟

- أنا رجل مسرح، وابن مسرح، والمسرح هو أب لكل الفنون، وما زال لدينا مسرح، حتى في أحلك الظروف يظل المسرحيون يعملون، ومن يحمل هم المسرح يبقى عاملا على تطوير حاله، وما يقدمه كي يكون جاهزا عندما تنتهي الأزمات لأنها كما تعرفين تعوق استمرار المسرح، فهو يحتاج إلى الاطمئنان والسلام والاستقرار.

* ولماذا لا تكون لدينا فرق مسرحية مستقرة تديم ضخ المسرح بالمسرحيات الجادة؟

- في العراق كان أكثر من 24 فرقة مسرحية، وجميعها تعمل، وبتفاوت في المستوى والاختيار، منها ما يقدم المسرحية الأجنبية أو الشعبية أو الشبابية أو الطلابية، أو خاصة بالنساء، وغيرها، وأتذكر منها فرقة الخنساء للتمثيل، وفرقة المسرح العمالي والطلابي وغيرهما، ومسرح دمى ومسرح عرائس، أعضاء هذه الفرق انصبت اهتماماتهم على الحروب والخلاص من الموت، منهم من رحل ومنهم من غير طور عمله، وأعود لأقول إن الحروب هي أول أمراض المسرح، مثلا أنا لا أقدر اليوم على إجراء بروفات متواصلة مع كامل الفريق المسرحي بسبب زحام الطريق وارتباك الحياة العامة في العراق.

* وما رأيك في القائمين على العملية الفنية في العراق، هل هم جادون لإعادة الحياة للمسرح العراقي على الأقل؟

- المسؤولون عن العملية الفنية في العراق اليوم لم تزل اختياراتهم ضعيفة، وهم معوقون لا يستطيعون التفكير في النهوض بالمسرح، على الرغم من أن المسرحيين يطالبون ويحاولون، لكنهم يجدون أن المعوق هم القائمون على المسرح والثقافة في العراق، أما الإنسان الفنان - مخرجا أو ممثلا - فهو لا يملك هما سوى النهوض بالعملية المسرحية أو الفنية، لذلك ربما يركن قليلا حتى يتهيأ لمسرحية معينة ريثما تتسنى الموافقة عليها ودعمها من قبل القائمين على المسرح، كما أن معظم فناني المسرح الجاد توجهوا نحو البحث وإعداد النصوص، ومتى ما توفر الظرف الملائم نعمل لإنتاج مسرحيات جديدة ورصينة.

* لا بد أن نسأل عن مشاريعك الجديدة؟ سمعت أن لديك إسهامة في مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية عام 2013؟

- لدي مشروع عمل مسرحي جديد، أقوم بالاشتغال عليه يحمل اسم «سرد نبال»، أي آشور بانيبال الثاني في الزمن السومري كتبها الدكتور خزعل الماجدي، ونسعى لتقديمها في المسرح الوطني ببغداد، إضافة لمسرحية «الثعلب والعنب» وهي نص مترجم لأحد أساتذة قسم المسرح في كلية الفنون الجميلة.