في بلد الشاي.. القهوة الأميركية تبحث لها عن موطئ قدم

مع إطلاق أول محال «ستاربكس» في الهند

TT

تقدم «ستارباكس» أكبر سلسلة مقاه في الولايات المتحدة، الآن القهوة لعشاق الشاي الهنود في إطار مشروع مشترك بين شبكة «ستارباكس» وشركة «تاتا غلوبال بيفاريدجز».

وليست «ستارباكس» هي أول سلسلة مقاه شهيرة تفتتح فرعا لها في الهند. فقد افتتحت مقاه «بيان آند تي ليف» (سي بي تي إل) من الولايات المتحدة، و«كوستا كوفي» من المملكة المتحدة و«دي بيلا» و«غلوريا جينز كوفيز» من أستراليا، إضافة إلى مقهى «برو وورلد كافي» الكائن في الهند، أفرعا لها في الهند.

وبالنظر إلى كونه أحدث مقهى يفتتح فرعا له في الهند، فالسؤال هو: هل بإمكان «ستارباكس» أن يحقق النجاح في الهند؟ وهل يشرب الهنود القهوة بالأساس؟

باستثناء الولايات الجنوبية مثل تاميل نادو، حيث يولع الهنود باحتساء القهوة السادة أو القهوة باللبن أو القهوة المحلاة التي تشرب من كؤوس من الفولاذ المقاوم للصدأ، يعتبر الهنود شعبا عاشقا للشاي.

تعد الهند أحد أكبر منتجي الشاي في العالم وموطن الشاي المحلى والشاي باللبن الذي يشتهر في كل المناطق، ويباع بسعر رخيص يقدر بروبيتين في الأكشاك الموجودة على جانب الطريق.

غير أن دخول «ستارباكس» السوق يمثل تحولا ديموغرافيا وثقافيا واجتماعيا اقتصاديا في المجتمع الهندي. لقد شاهد الكثير من الهنود «ستارباكس» في الأفلام وعلى شاشات التلفزيون، الأمر الذي يعد سببا رئيسيا وراء اصطفاف كثير من الهنود خارج أبواب منافذ «ستارباكس» الثلاثة التي ظهرت منذ الأسابيع الماضية لاحتساء أول فنجان من قهوة «ستارباكس». لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل بإمكان الهنود المحبين للشاي بعد انبهارهم الأول أن يظلوا مستمتعين بمذاق القهوة في «ستارباكس»؟

يقول سهيل جاتانا، الذي يدير ورش عمل عن تخمير القهوة: «بالخارج، وجدت مذاق أنواع كلاسيكية من القهوة مثل الأميريكانو والكابتشينو واللاتيه لا يقاوم. ونظرا لأنهم يستخدمون الحبوب الهندية في أفرعهم هنا، فقد يبدو مذاق القهوة مختلفا».

ويقول جاتانا أيضا إن المذاق يعد جانبا ذاتيا جدا غير موضوعي. كل سلسلة مقاه لها سر صناعتها الخاص، الذي يميز أنواع القهوة التي تقدمها عن تلك التي تقدمها المقاهي الأخرى. على سبيل المثال، تعتبر القهوة السوداء في «كافيه كوفي داي» ذات مذاق مر جدا بالنسبة لي بحيث لا يمكنني احتماله، ومن ثم، لم أبدأ شرب القهوة إلى أن تم افتتاح فرع لمقهى «كوستا كوفي». يعتبر مسحوق القهوة الهندي التقليدي عبارة عن مزيج من نوعين مختلفين من حبوب القهوة، يعرفان باسم «أرابيكا» و«روبوستا»، إضافة إلى عشب يعرف باسم الهندبا البرية. تستخدم سلاسل مقاه مثل «ستارباكس» حبوب «الأرابيكا» بنسبة 100 في المائة، التي تعتبر أفضل في المذاق من حبوب الروبوستا. كذلك، تؤثر المنطقة التي تزرع فيها الحبوب على المذاق. ولهذا، من المهم توفير المزيج المثالي من حبوب القهوة من مناطق مختلفة. ويرى مراقبو الصناعة أيضا أن الهند تفتقر بالفعل لثقافة احتساء القهوة، بعكس الحال في الولايات المتحدة، حيث يبدأ المستهلكون يومهم بالذهاب إلى المقاهي. تزعم المنظمة العالمية للقهوة أن المواطن الهندي العادي يشتري ثلاث أوقيات فقط من القهوة سنويا (مقارنة بالمواطن الأميركي الذي يشتري نحو تسع أوقيات سنويا). بدأت ثقافة المقاهي الهندية بشكل متواضع في عام 1996 في مدينة بانغالور الهندية. وعلى الرغم من ذلك، فإن زيادة عدد المقاهي، إضافة إلى استهلاك القهوة في الهند، لم تكن دائما مرتبطة بالقهوة. فعندما افتتحت «كافيه كوفي داي»، أكبر سلسلة مقاه في الهند، أول منافذها، شابهت أفرعها مقاهي الإنترنت. ولاجتذاب الزبائن، قدمت تلك المقاهي الكابتشينو مجانا كإضافة للعملاء الذين اشتروا فترة إنترنت. كان كل هذا جزءا من استراتيجية لا تهدف لإقناع المستهلكين بأنهم يحبون القهوة، بل بأنهم يحبون الحصول على فنجان قهوة.

يقول فينو مادهاف، رئيس العمليات بشركة «كافيه كوفي داي»: «أدركنا أنه ما لم تحقق الرواج، ربما لا يحدث التحول المباشر، ومن ثم، عرفنا أن الوسيلة المثلى لزيادة الاستهلاك هي عبر مسار الخبرة، لا عبر مسار المنتج». وأضاف: «بمجرد أن بدأ الناس في دخول المقاهي بدافع الفضول وبدأوا بتذوق أنواع الكابتشينو واللاتيه، بدأوا في تقبلها والإعجاب بها، وبدأ هذا يصبح عادة تتشكل الآن».

وفي دولة معروفة باحتساء الشاي، حظيت القهوة بشهرة بين الشباب في الهند، كما أن سلسلة مقاهي «كافيه كوفي داي» تحولت من بضع عشرات من المقاهي في أكبر مدن الهند، إلى أكثر من 1380 منفذا.

منذ أواخر التسعينات، حينما بدأت سلاسل المقاهي التي تسير على الطراز الغربي في الانتشار في مدن عبر أنحاء الدولة، كان الهنود يحتسون قدرا أكبر من القهوة - أنواع قهوة مميزة من مختلف أنحاء العالم، إضافة إلى أنواع تزرع محليا.

خلال الأعوام القليلة الماضية، سارعت كثير من سلاسل المقاهي الأجنبية باستغلال إدمان الهنود المكتشف حديثا للكافيين. تشهد سوق المقاهي في الهند ازدهارا، مع قدر كبير من المنافسة، بقيادة سلسلة المقاهي المحلية «كافيه كوفي داي». ما الذي يجعل هذه المقاهي تحقق نجاحا؟

تجلس ريتشا شارما، 21 عاما، مع ثلاثة من أصدقائها في سن العشرينات يحتسون لاتيه الفانيليا المثلج عشية يوم عطلة نهاية الأسبوع بأحد منافذ مقهى «كوفي بين آند تي ليف» بإحدى أسواق نيودلهي. وأسفل طابقين، يوجد مقهى «كافيه كوفي داي»، وعبر الميدان، يوجد مقهى «باريستا». أحيانا ما تذهب هي وصديقاتها لاحتساء القهوة عدة مرات أسبوعيا. تقول: «حينما نرغب فقط في قضاء فترة راحة، نأتي إلى هنا ويحدو آباءنا شعور بالسعادة بأننا لا نقضي وقتنا في أي نشاط آخر».

وفي دولة لا يزال فيها ارتياد الحانات أو المقاهي كمنفذ اجتماعي أمرا غير مستحب بالنسبة للشباب، لا سيما الفتيات، فإن الزيادة في حجم استهلاك القهوة تعتبر تحولا ثقافيا، إضافة إلى كونها تغيرا في المذاق. تزيد الشهية للقهوة وسط تزايد أعداد المقاهي ذات الطراز الغربي التي تخاطب الطبقة المستهلكة من الشباب في الدولة، ممن يوفرون فرصا للاستثمار بدخولهم المتاحة المتزايدة. ومع كون أكثر من نصف الشعب الهندي تحت سن الخامسة والعشرين، يعتبر الإعجاب بالقهوة سريع الانتشار.

يقول العملاء إن زيارة أحد المقاهي تعد تجربة مختلفة عن مجرد تذوق الشاي. يقول ريدهام علي، 28 سنة، وهو موظف بإحدى شركات تكنولوجيا المعلومات في انتظار افتتاح منفذ «ستارباكس» في دلهي: «يمكنك الجلوس بأحد المقاهي في فترة الظهيرة ومعك جهاز كومبيوتر محمول».

«يبدو (ستارباكس) بالفعل رائعا بالنسبة للشباب»، هذا ما قاله راؤول، البالغ من العمر 27 عاما، الذي تعرف على مقهى «ستارباكس» في الولايات المتحدة أثناء عمله هناك. يقول: «أحب الكيك الرخامي، لذلك، أنا في انتظار افتتاح مقهى (ستارباكس) لأستمتع بتناول الكيك الرخامي أكثر من رغبتي في الاستمتاع باحتساء أنواع القهوة التي يفضلونها».

وتقول محبة أخرى للقهوة، وهي سابرينا، 40 عاما، التي تعمل بإحدى شركات الاستيراد والتصدير، إن المقاهي تتفوق على المحال المتخصصة في الشاي في كونها أماكن مناسبة لعقد الاجتماعات. تقول سابرينا: «الخدمة أفضل وتعتبر مريحة جدا لرجال الأعمال أو سيدات الأعمال».

لقد بدأت سلسلة مقاهي «ستارباكس» توطد أقدامها في الهند وقد أعدت قائمتها وصنوف الأطعمة التي تقدمها بحيث تلبي أذواق الهنود، وسوف توظف شريكتها الهندية «تاتا بيفاريدجيز»، في طرح خطة معدة خصيصا حول كيفية تقديم أطعمة تلبي المذاق الهندي، مما يجعل «ستارباكس» في موقع تحقق فيه أرباحا ضخمة مع تقليل تكاليف الأطعمة والمشروبات غير المرغوب فيها.

سيكون عدد وصفات الأطعمة التي تقدمها «ستارباكس» أكبر ميزة تحققها. إنها الأمزجة المتعددة من القهوة والمذاقات مثل البندق أو الفانيليا أو الشوكولاته أو الكريمة، التي أصبحت تعد بإتقان خلال العقود القليلة الماضية، الأمر الذي جعل سلسلة «ستارباكس» تحظى بشعبية كبيرة. وجنبا إلى جنب مع أكوابها التي تحمل شعار جنية البحر المميز، فقد تعهدت سلسلة مقاهي «ستارباكس» بالتعاطي مع المنافسة من خلال مذاقات «تناسب الذوق المحلي»، مع اتجاهها لتغيير قائمتها بحيث تلائم الأذواق المحلية، بعد خطوات مماثلة انتهجتها سلاسل كبرى أخرى في الهند.

لقد طرحت سلسلة مقاهي «ستارباكس» أسعارا تنافسية لمشروباتها خصيصا للسوق الهندية، وهو شيء لم يكن كثيرون يتوقعونه. يتراوح سعر فنجان قهوة في مقهى «ستارباكس» ما بين 95 و155 اعتمادا على الحجم، فيما سيقدر سعر القهوة المثلجة وأمزجة المشروبات ما بين 115 إلى 200.

عادة ما يكون سعر فنجان القهوة في «ستارباكس» هو 3 دولارات في معظم الأسواق، بينما قد يعتبر سعر 1.5 دولار في الهند استثنائيا. وهو يعكس حقيقة أن الشركة على وعي بأن تحقيق النجاح في السوق الهندية لن يكون سهلا، على الرغم من اسمها التجاري الأسطوري.