مالو هالاسا و«ثقافة التحدي» في سوريا

التعبير الإبداعي السوري بمقاومة أعمال العنف في معرض بأمستردام

«الأبله الأكبر» لفرقة مصاصة متي
TT

ظلت الكاتبة مالو هالاسا تبحث عن عناصر التصميم في سوريا وانعكاساتها على المجتمع هناك على مدار سنوات طويلة. وفي عام 2008، ألفت هالاسا وأحد المصممين اللبنانيين كتابا بعنوان «الحياة السرية للملابس الداخلية السورية». ولكن ما يبدو أنه كتاب سطحي حول منتج محرج أو حتى سخيف هو في حقيقة الأمر دراسة جادة لعلاقة الرجل بالمرأة والحياة الخاصة للمرأة. وفي العام الماضي، عادت هالاسا مجددا بدراسة جديدة حول التعبير الإبداعي السوري، ولكنها كانت في هذه المرة خاصة بمقاومة أعمال العنف التي يمارسها النظام السوري في منذ عام ونصف العام.

وحتى الوقت الراهن، تجلى عمل هالاسا مع المقاومة الثقافية السورية في شكل مقالات وعروض تقديمية ومعرض حالي يجري في أمستردام بعنوان «ثقافة التحدي: التقاليد المستمرة الخاصة بالتهكم والفن والنضال من أجل الحرية في سوريا». يتضمن المعرض أعمالا للكثير من الفنانين، مثل رسام الكاريكاتير علي فرزات، الذي تعرض لكسر يده بسبب الرسومات الكاريكاتيرية التي قام برسمها، وخليل يونس، الذي تبرز أعماله الأفراد الذين تم قتلهم بصورة وحشية من قبل القوات الموالية لنظام الأسد، إلى جانب فرقة مجهولة تحمل اسم «مصاصة متة»، التي تقوم بإنتاج سلسلة من الحلقات الساخرة لدمى الإصبع على الإنترنت تحت اسم «الشبيح الأول»، وتسخر من بشار الأسد، وهو الشخصية الرئيسية في الحلقات الذي يعرف باسم «بيشو». كتب هؤلاء الفنانون وغيرهم الكثير، مثل الصحافي عامر مطر، الذي هرب من سوريا بعد قضاء 6 أشهر في سجون النظام السوري، و«جميل»، مخرج حلقات «مصاصة متة»، بكتابة بعض النصوص القيمة التي تم إدراجها في مطبوعة المعرض التي صدرت تحت نفس اسم المعرض، وحررتها هالاسا.

وفي الآونة الأخيرة، ألقت هالاسا محاضرة ضمن فعاليات «مهرجان نور» الذي عقد في لندن، حيث أكدت أن هذه المحاضرة: «تهدف إلى تسليط الضوء على القصص التي تحدث في ما وراء الأخبار». وعرضت هالاسا بعض الأفلام والأعمال الكوميدية والغرافيكس وغيرها الكثير. ومن بين هذه الأفلام، كان هناك فيلم مدته 5 دقائق يحمل اسم «حكاية الربيع» (متوافر على موقع «فيمو»)، الذي تم تصويره في بداية الثورة، عندما كانت لا تزال سلمية. يستخدم الفيلم بعض المقاطع السريعة، التي جرى تصويرها بالهواتف الجوالة، للمظاهرات والطلقات النارية والناس المصنوعين من الورق الذين يثورون ضد القدم التي تدوس عليهم. أنتجت هذا الفيلم مجموعة تدعى «الكرسي المقلوب»، التي تتكون من اثنين من الفنانين غادرا سوريا حرصا على سلامتهما الشخصية. تقول هالاسا: «يرمز الكرسي إلى العرش. كثيرا ما يستخدم علي فرزات هذا الرمز في أعماله».

وفي «متحف ليتون هاوس»، قالت هالاسا للجماهير الموجودة هناك والذين كانوا يشعرون بالصدمة من الصور القوية التي كانت تعرضها عليهم: «يستخدم الفن السوري لغة مشفرة لانتقاد النظام الحاكم، ولكن حتى يتمكنوا من العمل بشكل علني، ينبغي عليهم أن يكونوا على استعداد للدخول في مشكلات مع الدولة». تؤكد هالاسا على وجود ثلاثة أمور يتم فرض الرقابة عليها في سوريا: وسائل الإعلام التابعة للدولة، والمخابرات، والصحافة الرسمية.

وتضيف هالاسا: «تحدث علي فرزات عن كسر حاجز الخوف من خلال رسوماته الكاريكاتيرية». عادة ما كان علي فرزات يشير إلى النظام في أعماله بصورة رمزية، ولكن حدث تحول كبير في أعماله مؤخرا، حيث بات يشير إلى الأسد بصورة أكثر وضوحا ويرسمه بدقة أكثر ولا يلجأ إلى استخدام الرمزية في توصيل رسالته. أدى هذا الأمر بدوره إلى تعرضه لهجوم وحشي، مما أجبره على الانتقال إلى الحياة في المنفى في دولة الكويت».

أما الشاب الصغير المسمى جميل، مخرج حلقات «الشبيح الأول»، فقد كان مرعوبا للغاية من أفراد فرق الشبيحة الذين كانوا يحضرون المظاهرات. تقول هالاسا: «لكن على الرغم من كل ما حدث وكل ما يحدث حتى اليوم والأشخاص الذين يلقون مصرعهم، يشعر هؤلاء الأشخاص بالنجاح لأنهم تمكنوا من كسر حاجز الخوف الذي كانوا يشعرون به في الماضي». عندما ظهر مسلسل «الشبيح الأول» للمرة الأولى على موقع «يوتيوب»، تمكن هؤلاء الشباب من اجتذاب مئات الآلاف من المشاهدين بسرعة كبيرة لمتابعة حلقاتهم، فضلا عما يزيد عن مليون صديق على صفحتهم على موقع «فيس بوك». تمزج مقاطع الفيديو الجديدة الخاصة بالموسم الثاني من الحلقات بين عناصر موسيقى الهيب هوب ودمى الأصابع وصور الشجاعة وتقرير المصير والدعابة في آنٍ واحد.

وتوضح هالاسا: «من الأهمية بمكان معرفة أن رسوم الغرافيتي هي ما أشعلت الثورة في سوريا عندما كان الأطفال الصغار في سن العاشرة يقومون بكتابة الشعارات القوية على الجدران». كان هذا الأمر بمثابة الانتهاك الصارخ في بلد كان يضع قيودا على مبيعات رذاذ الطلاء، مضيفة: «تعد كتابة أو رسم الغرافيتي أمرا خطيرا ويعاقب عليه القانون في سوريا. يتنوع فن الغرافيتي بين رسم صور للشهداء وكتابة رسائل للعائلات، مثل رسم صورة كبيرة لميكي ماوس على جدران أحد المتاحف وهو يقول: «سوريا حرة».

تقوم مجموعة مجهولة أخرى تدعى «كوميك لأجل سوريا» بعمل رسومات هزلية، ثم رفعها على الإنترنت. وتضيف هالاسا: «إنهم متأثرون بطريقة المانغا اليابانية أكثر من أعمال علي فرزات». عرضت هالاسا للجمهور إحدى هذه الرسومات التي تقشعر لها الأبدان التي تصور المذيعة التلفزيونية الموالية لنظام الأسد ميشلين عازر وهي تجلس إلى جوار طفلة صغيرة وتسألها: «من فعل هذا بك يا عزيزتي؟»، تؤكد هالاسا أن هذا الرسم مستوحى من مقطع تلفزيوني بشع، حيث كانت عازر تقترب من فتاة صغيرة كانت تجلس إلى جوار جثة والدتها، سألتها عما حدث على شاشة التلفزيون الحكومي. عكس طلاء الأظافر الأحمر الذي كانت تضعه عازر مدى انحطاط وبرود النظام الحاكم في سوريا وأي شخص يعمل لصالحة أو يتكلم باسمه.

تقول هالاسا: «هناك نحو 300 إلى 500 مظاهرة يتم تنظيمها يوميا في شتى أنحاء سوريا، في مختلف الحارات وبين كل الجماعات الصغيرة والكبيرة. يتوجب على الجميع أن يقرأوا وينظروا ويحاولوا فهم ما يجري ويقدموا المساعدة في هذه الظروف الصعبة هناك».

يقام معرض «ثقافة التحدي» في مقر صندوق الأمير كلاوس في أمستردام، ويستمر حتى يوم 23 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي. هناك منشورات ثنائية اللغة متاحة للتحميل المجاني من موقع (www.reelfestivals.org).