اتحاد كتاب المغرب يحتفي بالشاعر السوداني محمد الفيتوري

«شاعر أفريقيا» حضر الحفل رغم حالته الصحية الصعبة وانتشى بطريقته عندما سمع أشعاره

محمد الفيتوري في أمسية تكريمه (تصوير: عبد اللطيف الصيباري)
TT

احتفى اتحاد كتاب المغرب بالشاعر السوداني محمد الفيتوري المقيم في الرباط منذ سنوات، ونظم الاتحاد أياما ثقافية في تمارة (جنوب الرباط) تحت شعار «الثقافة والتنوع» بالتعاون مع وزارة الثقافة المغربية، وخصصت أمسية تكريم حضرها الشاعر محمد الفيتوري شخصيا رغم ظروفه الصحية المتردية. تحدث في الأمسية نقاد وأدباء وكتاب مغاربة عن تجربة الفيتوري الإبداعية ومسيرته الشعرية وأبرز محطاته الحياتية ورحلته في «اللامكان». وخلال الأمسية عرض شريط وثائقي قصير عن حياة الشاعر، وألقى خلال الشريط قصيدة من ديوانه «معزوفة لدرويش متجول». ورغم تأثير الجلطة الدماغية على ذاكرته وجسده الذي أصابه الوهن، كان الفيتوري يعبر عن نشوته بطريقته الخاصة خلال الأمسية عندما يسمع أشعاره.

أدار الكاتب والناقد أنور المرتجي الأمسية الاحتفائية. وكان المرتجي عمل مع الدكتور محمد الباهي من فرع اتحاد كتاب المغرب في تمارة على تنظيم الأيام التكريمية، وقال المرتجي في بداية الأمسية إنها جاءت ردا على الشائعات التي تحدثت عن وفاة محمد الفيتوري، مشيرا إلى أن اللقاء «هو أنشودة محبة ووفاء من الشعراء والأدباء المغاربة لشاعر كبير، يعتبر قيمة شعرية ستظل متجددة ومتوهجة في ذاكرتنا الشعرية».

وناشد المرتجي الجميع الوقوف إلى جانب هذه الشاعر وهو يواجه ببسالة نادرة مرضه، وضرورة أن تتكاتف الجهود للحفاظ على مكانته الفكرية والأدبية. وقال المرتجي إنه منذ دوى صوت الفيتوري في «أغاني أفريقيا» في أوائل الخمسينات، والدواوين التي تلته مثل «عاشق من أفريقيا»، و«اذكريني يا أفريقيا»، و«أحزان أفريقيا»، كان ذلك «حافزا لنا لنعتز بالانتماء إلى أفريقيا»، مشيرا إلى أن الفيتوري وضع الإبداع الشعري في السودان على خريطة الشعر العربي بقوة، ثم توسع في إبداعاته الشعرية إلى أن أصبح هذا الشعر أحد ملامح الشعر العربي المعاصر في القرن العشرين.

تحدث بعد ذلك الناقد نجيب العوني عن الإطلالة الأولى للشاعر محمد الفيتوري، وقال إنها كانت مع إطلالة الشعر العربي الحداثي، مشيرا إلى أن شعر الفيتوري يتجرد من الأوهام والأحلام؛ لأنه كان دائما يعبر عن هموم وشجون العالم العربي، مضيفا أن الفيتوري «واحد من الشعراء الكبار في عصر الشعر الحديث، وأنه واحد من المغنين في قافلة الشعر المعاصر، الذين اختلطت في شرايينهم وفي دواوينهم مختلف النزعات والأعراق والتيارات الواقعية والصوفية والرمزية، كما التحم نموذج القصيدة العمودية بنموذج الشعر الحر»، على حد تعبيره. وقال إن دواوين محمد الفيتوري «تحتشد جميعها بالنموذجين مكتملين ومتفاعلين، في تأكيد انتصار الشعر الحقيقي وتوهجه في القوالب والأشكال والوزن واللاوزن»، مشيرا إلى أن ذاكرة الثقافية الأفريقية تعرضت إلى كثير من التشويه، لكن الفيتوري أعاد لها الاعتبار بأشعاره.

من جهته تطرق بن عيسى بوحمالة الباحث في الثقافة الزنجية الذي كتب أطروحة دكتوراه عن «الزنجية في شعر الفيتوري» عن ظروف تعرفه إلى الفيتوري، ومن خلاله إلى السودان، وقال في هذا السياق: «جعلني الفيتوري من خلال أشعاره أتعرف أكثر على السودان، كما جعلني أتعمق أكثر في الثقافة الزنجية»، مضيفا أن أشعار الفيتوري تأثر فيها بالأدب الزنجي الأميركي، خاصة أعمال «لانغستون هيوز»، وهو ما يظهر بشكل كبير في ديوانه «معزوفة لدرويش متجول» على صعيد استدعاء ملامح صوفية ووجودية تبلغ حد الفانتازيا في بعض الأحيان. وزاد قائلا: «كتب الفيتوري عن عدد من الموضوعات التي تهم العالم العربي، لكن السودان ظل جزءا أصيلا في شعره، وهو ما يظهر بوضوح في أشعاره عن أفريقيا».

ومن الشعراء الذين حضروا أمسية التكريم صلاح بوسريف الذي قال: «إن الشاعر لحظة مهمة في الوجود، فليس مهما أن نتفق معه أو نختلف في جمالية النص الشعري، ولكن المهم هو الإنصات له»، مشيرا إلى أن الفيتوري خرج من الهامش إلى اللامكان في لحظة ظهور الشعر الحر، وأنه استطاع الخروج من الزي الأزهري الذي كان يرتديه خلال دراسته بالأزهر في مصر، لكنه لم يستطع التخلص من ثقافته الزنجية والصوفية.

وتحدث كذلك الشاعر إدريس الملياني عن الفيتوري الأفكار والقيم، وقال: «علمني الفيتوري أنا وكثيرين من رفاقي معنى الثورة والحرية والأمل، وكانت دواوينه المبكرة بمثابة الرحم لتشكل طفولتنا الشعرية والثورية». ورأى الملياني أن الفيتوري أضاف إلى لغة الشعر الكثير من المفردات الخاصة، كان أبرزها الأبيض والزنجي، وما يقع تحتهما من تدرجات.

وألقى طلحة جبريل، صديق الشاعر، كلمة نوه فيها بمبادرة الكتاب المغاربة، خاصة فرع اتحاد كتاب المغرب في تمارة، وقال: «الشكر لأولئك الذين عملوا في صمت، وبادروا بأريحية من أجل أن نلتقي هنا قرب البحر، بكل إيحاءاته مكانا وزمانا». وزاد: «نلتقي في هذا المساء الرائق، لنحتفي بشاعر كبير من شعراء هذه الأمة من الماء إلى الماء. بل هو شاعر قارة، انتمى إليها ورسخت في دواخله حكايات وصور. مواقف ومبادئ»، مشيرا إلى أن السودانيين لا يقرأون محمد الفيتوري ويتذوقونه فحسب، لكنهم يتغنون بأشعاره، إنه شاعرهم الذي يحبونه. وقال إن محمد الفيتوري كتب عن قضايا حيوية ومهمة لحياة الإنسان المعاصر، مشكلاته ومعاناته. كتب عن الإنسان الأسود وظروفه المأساوية، كتب عن القضية العربية وتفاعلاتها في مختلف الساحات. وأضاف: «محمد الفيتوري هو ابن الإيحاءات والرموز، والعالم الميثولوجي المليء بالإضاءات والألوان. هي ألوان ممتزجة، سوداء وبيضاء، أفريقية وعربية وإسلامية. هذا هو البهو الرائع الذي تحرك خلاله منذ مولده في بلدة قصية في أقصى غرب السودان.. وحتى الآن، امتصه بخلايا جسده، وعيونه وحواسه، وحاول من خلاله البحث عن ذاته». وقال: «إن الفيتوري كتب شعرا جميلا. كتب لأنه يعرف كيف يكتب»، مشددا على أن الشاعر «يبقى شاعرا طالما أنه على قيد الحياة».

يشار إلى أن الشاعر محمد الفيتوري ولد عام 1930 في مدينة الجنينة (دارفور) ونشأ في مدينة الإسكندرية، ثم انتقل إلى القاهرة وأكمل تعليمه في كلية العلوم، ثم عمل محررا أدبيا بالصحف المصرية والسودانية، وأصدر أول دواوينه «أغاني أفريقيا» عام 1955. وظل الفيتوري يعيش متنقلا ما بين القاهرة والخرطوم وبيروت وروما ثم الرباط، ومنذ أن أصيب بجلطة دماغية عام 2005 بقي معتكفا في منزله في «سيدي العابد» في منطقة تمارة، جنوب الرباط.