في سياتل.. الجامعة الافتراضية سيكون لها حرم مادي أيضا

في ظل المفهوم الجديد بأن بيئة التعلم الافتراضية تحتاج إلى وجود وتواصل ماديين

إن الفكرة التي كانت سائدة بأن التكنولوجيا سوف تدمر فكرة المكان وتؤدي إلى خلق فئة جديدة من القوى العاملة التي تعمل من البيت في الشركات - أو الجامعات في هذه الحالة - لم تعد موجودة الآن (خدمة «نيويورك تايمز»)
TT

بعد أن تم تجهيز البطاقات التعريفية وإعداد برنامج «باور بوينت»، قام مسؤولو «جامعة نورث إيسترن» بدعوة الطلاب المحتملين في إحدى ليالي الأسبوع الماضي لإلقاء نظرة على ملحق حرم الجامعة الجديد، الذي يبعد 2.500 ميل عن مقر الجامعة في بوسطن. وفي الأعوام القليلة الماضية، تبنت الكثير من الجامعات والكليات هذا الاتجاه الذي يتمثل في إنشاء حرم جامعي في مناطق بعيدة عن مقرها لزيادة انتشار علامتها التجارية وزيادة تدفق المصروفات الدراسية.

قام تايلور واشبرن، العميد الجديد للحرم الجامعي، بالمشي نحو النوافذ الكبيرة الموجودة في غرفة الاجتماعات، التي كان يوجد فيها موظفو الجامعة وطلابها المحتملون، ثم قام بفتح ذراعيه والنظر عبر النوافذ إلى الخارج، حيث سيطرت المباني التابعة لعملاق التكنولوجيا شركة «أمازون» على المشهد، وسط ضباب سياتل الرمادي.

يقول واشبرن، وهو محام من سياتل والرئيس السابق لـ«غرفة التجارة الكبرى في سياتل»: «نحن ندرك تماما أننا سنكون في الناحية الأخرى من الشارع أمام 12.000 من عمال شركة (أمازون)».

إن الفكرة التي كانت سائدة بأن التكنولوجيا سوف تدمر فكرة المكان وتؤدي إلى خلق فئة جديدة من القوى العاملة التي تعمل من البيت في الشركات - أو الجامعات في هذه الحالة - لم تعد موجودة الآن، حيث ثبت أنها كانت خاطئة تماما، حسبما يؤكد المسؤولون في «جامعة نورث إيسترن»، الذين يبدون حماسا كبيرا تجاه ما يسمونه بالطفرة التكنولوجية التي أعقبت فترة الركود التي بدأت تتبلور في بعض الأماكن مثل سياتل، حيث تشهد هذه الأماكن نقصا كبيرا في أعداد الحاصلين على الدراسات العليا في مجال العلوم والعاملين في مجال التقنية.

لقد أصبح الحضور في المكان الذي تقع فيه الأحداث - حيث يوجد الكثير من الناس الذين يبتسمون ويلمعون أحذيتهم، فضلا عن السمعة الكبيرة التي تتمتع بها الجامعة في مجال الأبحاث والتي تمتد إلى 114 عاما - أكثر أهمية من أي وقت مضى؛ فبداية من شهر يناير (كانون الثاني) القادم سوف تقدم «جامعة نورث إيسترن» دورات عبر الإنترنت على مستوى الدراسات العليا في هذا المكان، وسيقوم بالتدريس فيها معلمون من المنطقة الشرقية، إضافة إلى دورات الفصول الدراسية الواقعية في منطقة «ساوث لاك يونيون» في سياتل، التي كانت مشهورة في الماضي بوجود الكثير من المخازن وليس تكنولوجيا الـ«واي فاي». وفي الأعوام القليلة الماضية، قامت مجموعة من شركات الأبحاث العلمية الصحية وشركات علوم الكومبيوتر بالتجمع في المنطقة المجاورة لشركة «أمازون».

«ينبغي أن تكون حاضرا على الأرض، يجب أن تفهم المجتمع وأن تصبح جزءا منه». هذا ما قاله رئيس جامعة نورث إيسترن، جوزيف عون، في مقابلة هاتفية. وأشار إلى أن الاعتماد على التعلم عن بعد فقط لا يبني علاقات، وهي الكلمة التي استخدمها بشكل متكرر. وقال: «إنها عملية مدعمة بصورة تبادلية – بيئة التعلم الافتراضية ستجعلك تحتاج إلى وجود وتواصل ماديين». وأضاف: «كما أن التواصل المادي مدعوم بالأبعاد الافتراضية».

يقول اقتصاديون وخبراء مدنيون ذلك بطريقة غريبة، زاد الكساد العظيم درجة تركيز العاملين في مجال التكنولوجيا التي تأملها جامعة نورث إيسترن. هبطت قطاعات مثل التمويل والبناء، التي كانت من أكبر القطاعات الموفرة للوظائف قبل الانهيار، بشكل حاد، غير أن شركات جريئة في منطقة سياتل مثل «أمازون» و«بوينغ» و«ميكروسوفت» استمرت في النمو، أو على الأقل احتفظت بثباتها.

في الوقت نفسه، منيت جامعة واشنطن – مؤسسة التعليم العالي المهيمنة في سياتل، والتي تعتبر أيضا مجاورة لمقر شركة «أمازون» - بسنوات من تخفيضات كبيرة في الميزانية وزيادات في المصاريف إبان فترة الكساد، مثلما هو الحال بالنسبة للكثير من الجامعات الحكومية الأخرى في الدولة.

تقول مارغريت أومارا، الأستاذ المشارك بجامعة واشنطن التي تقوم بتدريس التاريخ المدني الأميركي وقامت بتأليف الكثير من الكتب عن مراكز التكنولوجيا، خاصة وادي السليكون: «ما فعله الركود هو تجميد كثير من الناس في أماكنهم». وتضيف: «لكنه أيضا، وبصورة ما رسخ جغرافيا الابتكار، جزئيا، نظرا لأن الناس لا يبيعون ويشترون المنازل بتلك السرعة، وكان من الصعوبة بدرجة ما تغيير الوظائف». كل هذا أدى لمضاعفة الاتجاه الأكبر. «في عالم رقمي، أصبح المكان يشكل أهمية تفوق أي وقت مضى».

تقول ماود داودون، رئيسة غرفة التجارة في سياتل، إن وجود جامعة نورث إيسترن في المدينة، وبخاصة في المنطقة الناشئة حول مقر شركة «أمازون»، قد يكون في حد ذاته بمثابة المخطط الجديد للمنطقة. تضيف داودون: «سوف يساعد وجود جامعة نورث إيسترن على سد الفجوة بين الشركات التي تسعى إلى تعيين العمالة وبين المرشحين المدربين والمؤهلين الجاهزين للعمل».

تؤكد داودون أنه مع الانتقال المتوقع لآلاف من الأشخاص إلى المنطقة في السنوات القليلة القادمة، هناك حديث أيضا عن إنشاء مدرسة عامة في منطقة «ساوث لاك يونيون». واعتبارا من منتصف العام الجاري، دخل 20 مشروعا لبناء شقق وعمارات سكنية طور الإنشاء الفعلي في منطقة وسط المدينة، مقارنة بثلاثة مشروعات فقط في عام 2010، وفقا لجمعية وسط مدينة سياتل، وهي مجموعة تنموية غير هادفة للربح.

ولكن الطلاب المحتملين الذين يقومون بإلقاء نظرة على الحرم الجديد لجامعة نورث إيسترن يتوجب عليهم تخيل الأمر، حيث لا تزال الفصول الدراسية افتراضية، كما لا تزال أيضا قيد الإنشاء.

يقول تايلور واشبرن، في ترحيبه بالحضور الذين كانوا يتناولون الساندويتشات: «أنا العميد الجديد للحرم الذي لا يوجد حتى الآن».

* خدمة «نيويورك تايمز»