بمشاركة 12 فرقة مسرحية من 11 دولة عربية.. العراق يستضيف مهرجان مسرح الشباب العربي

بغداد عاصمة الثقافة العربية 2013 تشكو من غياب صالات المسرح والسينما

راقصة في الفرقة العراقية للفنون الشعبية في أوبريت «بغداد والشعراء والصور» خلال افتتاح المهرجان (أ.ف.ب)
TT

لم يمنع سوء الأوضاع الأمنية والحياتية ببغداد مشاركة 12 فرقة مسرحية عربية للشباب قادمة من 11 دولة عربية، بالإضافة إلى الفرق المسرحية العراقية، في مهرجان مسرح الشباب العربي الأول الذي افتتح في العاصمة العراقية أول من أمس، والذي تقيمه وزارة الثقافة العراقية بالتنسيق مع دائرة السينما والمسرح وتستمر عروضه أسبوعا.

بغداد تحاول جاهدة العودة إلى ساحة الثقافة والإبداع العربي بعدما كانت هي عاصمة هذه الفعاليات من خلال إقامتها منذ السبعينات مهرجانات الشعر العربي تحت مسمى «مهرجان المربد الشعري» الذي كان يشارك فيه المئات من الشعراء العرب وعلى رأسهم نزار قباني ومحمود درويش وأحمد عبد المعطي حجازي وسعاد الصباح، وغيرهم، ومهرجان بغداد للفنون الذي شارك فيه المئات من الفنانين العرب من غرب وشرق العالم العربي، وبنيالة بغداد الدولية للفنون التشكيلية، ومهرجان المسرح العربي، ومهرجان الموسيقى العربية، إضافة إلى مهرجان بابل الدولي. وغالبا ما كان معارضو النظام السابق يتهمون هذه المهرجانات باعتبارها هلامية وتروج لسياسات النظام، وحتى وإن كانت كذلك فإنها كانت تسهم في خلق مناخ ثقافي عربي أو تتيح للمثقفين العرب فرصا أوسع للقاء والتعبير عن إبداعاتهم.

بعد 2003 جفت ساحة بغداد الثقافية كما يجف نهرها دجلة اليوم، وانحسرت الحركة الثقافية إلى أدنى مستوياتها، خاصة بعد أن شنت الحكومة، وما زالت حملات لإزالة النصب الفنية ومنع المهرجانات الإبداعية وفي مقدمتها مهرجان بابل الذي منع تقديم الفنون الموسيقية فيه باعتبارها «حراما».

لكن بغداد تحاول وبفعل نشاط بعض المبدعين العراقيين أن تعلق اسمها ولو بخجل على لائحة الأنشطة الثقافية خاصة أنها اختيرت لتكون عاصمة الثقافة العربية، في وقت اختارتها فيه منظمة اليونيسكو كثالث أكثر مدينة من حيث التلوث بيئيا.

ويأتي مهرجان مسرح الشباب العربي الأول كمحاولة لأن تخطو هذه المدينة التي كانت منارة للثقافة والإبداع العربي إلى ميدان الأنشطة الثقافية، وهي تخطو بحذر بعد أن كانت تتسلح بثقة مبدعيها في فنون المسرح والسينما والموسيقى والغناء والرسم والنحت والشعر والقصة والرواية.

12 فرقة مسرحية عربية للشباب قادمة من 11 دولة في فعاليات تقام ضمن «مهرجان الشباب العربي الأول» للمسرح، وبغداد تكاد تكون بلا مسارح، بلا صالات عروض مسرحية وسينمائية، باستثناء المسرح الوطني الذي افتتح في المهرجان، مع أن خشبة هذا المسرح مخصصة للأنشطة الاحتفالية أكثر منها المسرحية. فعلى الرغم من مرور أكثر من عشر سنوات على قصف الطائرات الأميركية دائرة السينما والمسرح في منطقة الصالحية بجانب الكرخ من بغداد، حيث كانت هذه البناية تضم أضخم مسارح بغداد (مسرح الرشيد) وصالات تمارين مسرحية وعروض سينمائية واستوديوهات سينمائية، لم تسع أي جهة لإعادة بناء الدائرة بشكل تام أو لم تتم مفاتحة الإدارة الأميركية لبناء دائرة بديلة بعد أن قصفتها طائراتهم بلا سبب.

معاون مدير عام دائرة السينما والمسرح إسماعيل الجبوري قال لوكالة الصحافة الفرنسية «وجهنا دعوات للمشاركة في هذا المهرجان، واستجابت 11 دولة شاركت منها 12 فرقة مسرحية». وقد شاركت كل من الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وسوريا ولبنان والإمارات وقطر وسلطنة عمان. وأضاف الجبوري أن «المهرجان يعنى بمسرح الشباب وليس بمسرح المحترفين، إلا أنه لا يخلو من نجوم وأسماء مسرحية وتليفزيونية وسينمائية».

واستضاف المهرجان بحسب المنظمين 170 فنانا وفنانة ضمن الفرق المسرحية، وضيوفا من كتاب ومخرجين ونقاد في اختصاصات مسرحية وفنية أخرى. وتابع الجبوري أن «المهرجان جزء من برنامج الاحتفال بمشروع بغداد عاصمة للثقافة الذي ستشارك الدائرة فيه من خلال إنتاج 20 فيلما»، من غير أن يذكر في أي صالة للعرض السينمائي سيتم عرض هذه الأفلام بعد أن أغلقت غالبية صالات السينما أبوابها وتحولت إلى مخازن.

وقال المخرج العماني يوسف البلوشي، لوكالة الصحافة الفرنسية «هذه أول زيارة لنا للعراق بعد 2003، وتلقينا دعوة من وزارة الثقافة للمشاركة حاولنا أن نلبيها رغم الصعوبات». وأضاف أن «الهاجس الأمني هو الإشكالية الكبيرة، لكن بعد وصولنا تلاشى هذا الهاجس». وأوضح البلوشي أنه يشارك في مسرحية «الخوصة والزور»، موضحا أن «العرض الذي يشارك فيه 12 فنانا عمانيا يسلط الضوء على الربيع العربي»، ومتوقعا أن «يكون من العروض المميزة».

أما محمد أبي سيف، رئيس جمعية فوانيس المسرح والسينما للتنمية والثقافة لمدينة القنيطرة بالمغرب ومخرج مسرحية «مدينة عميان»، العمل الذي شاركت به دولة المغرب في المهرجان، فقال «نحن كمغاربة سعداء بأن نشارك في الدورة الأولى لمهرجان بغداد لمسرح الشباب العربي، حيث وجدنا أن نص مسرحية (مدينة عميان) ملائم جدا لهذه التظاهرة، حيث تتحدث المسرحية ومن خلال عنوانها عن العمى الإرادي وعن ظلمة حالكة دامسة يعيشها ثلاثة شخوص يتصارعون حول السلطة.. الصراع الذي لن يقودهم أبدا إلى النور، ليتفقوا في النهاية على أن السياسيين لا يمكنهم أن يقودوا الشعوب، وإنما العكس».

ورأى المخرج العراقي جلال كامل الذي يشرف على مسرحية «كيروغراف» أن «مهرجان اليوم تظاهرة رائعة شديدة الإيجابية»، مضيفا «نتمنى أن تتكرر هذه التجربة في بلادنا». وأوضح هذا المخرج العراقي أن مسرحيته «تتعاطى بلغة الجسد والحركة بالدرجة الأساس».

وقال الفنان المسرحي العراقي حيدر منعثر، مدير المسارح ومدير المهرجان، إن «هذا المهرجان يشكل انطلاقة حقيقية لبغداد من جديد»، مشيرا إلى أنه «آن الأوان لأن تنهض الثقافة العراقية ويتجدد تواصلها مع إخواننا العرب، على كل المستويات الثقافية والفنية»، معتبرا أن المسرح نجح في جمع العرب في بغداد بعد أن فشلت السياسة.

ووجه كتاب ونقاد وفنانون مسرحيون عراقيون عرب وأكراد يقيمون في أنحاء مختلفة من العالم انتقاداتهم للهيئة المشرفة على المهرجان بسبب عدم دعوتهم على الرغم من أن منعثر تباهى بدعوة أكثر من 250 فنانا عربيا، ليغدو «المهرجان دعائيا لصالح الحكومة التي لم تحترم الثقافة وهمشت المثقفين عبر كل أساليبها» على حد قول مسرحي عراقي مقيم في ألمانيا.

منعثر ذكر أن هناك 14 عرضا مسرحيا تتنافس على جوائز مميزة، فهناك 15 ألف دولار لصاحب الجائزة الأولى، وعشرة آلاف دولار لأفضل مخرج، بينما تم تخصيص ثمانية آلاف دولار لأفضل ممثل.

مديرة المكتب الإعلامي للمسرح الوطني زينب القصاب أوضحت أن «الفرق العربية ستشارك بعملين لكل منهما، في حين سيشارك العراق بخمسة أعمال، إضافة إلى عمل سادس لإقليم كردستان».

حفل الافتتاح شهد فقرات متنوعة قدمتها كل من الفرقة الوطنية للفنون الشعبية بأوبريت «بغداد والشعراء والصور»، وعزف للفرقة السيمفونية العراقية، وفرقة أوركسترا الشباب بقياد المايسترو علي الخصاف، وفرقة منير بشير، ليختتم الحفل بمسرحية «فياكرا» التي قدمتها الفرقة الوطنية العراقية للتمثيل، وهي من تأليف وإخراج صلاح منسي وتمثيل: ياس خضير، غسان إسماعيل، أمير أبو الهيل، عباس فاضل. ويقول مخرج العمل «في هذا العمل نحاول أن نساعد وطننا على الوقوف.. ربما نفشل.. المهم أننا حاولنا».