الأقصر تستعيد زمن الفرعون الذهبي «توت عنخ آمون»

احتفالية عالمية بالذكرى التسعين لاكتشاف مقبرته.. وجدل حول مستنسخ منها

تفصيلة من مقبرة توت عنخ آمون، حيث تبرز على الجدران النقوش والرسوم النابضة بمظاهر الحياة
TT

يستمر الجدل داخل الأوساط الأثرية بمصر حول تصريحات رسمية بشأن اعتزام وزارة الدولة لشؤون الآثار عرض نموذج مقبرة «توت عنخ آمون» المقلدة في مدينة شرم الشيخ، وخاصة أن البعض رأى أن مكانها الطبيعي هو مدينة الأقصر حيث المقبرة الأصلية للفرعون الشهير دون سواها، كما كان الاتفاق مع معدي هذا النموذج.

في غضون ذلك بدأت محافظة الأقصر استعداداتها لتنظيم احتفالية عالمية كبرى يوم 22 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي بمناسبة إحياء الذكرى الـ90 لاكتشاف مقبرة الملك الذهبي توت عنخ آمون.

وعقد الدكتور عزت سعد محافظ الأقصر عدة اجتماعات مع مسؤولي غرفة شركات السياحة ووكالات السفر بالتنسيق مع وزارة الدولة للآثار ووزارة السياحة إلى جانب مشاركة نقابة المرشدين السياحيين وقطاع المتاحف والآثار والهيئة العامة للاستعلامات وهيئة تنشيط السياحة ومديري الفنادق للإعداد والترتيب للاحتفالية التي تبدأ بانتقال الضيوف من البر الشرقي إلى البر الغربي حيث مكان المقبرة.

من جهته، أكد وزير الدولة لشؤون الآثار الدكتور محمد إبراهيم أنه «لم يتقرر بعد المكان المناسب الذي سوف توضع فيه المقبرة النموذج المصممة من قبل مؤسسة (فكتوم) الفنية بمدريد».

وقال الوزير إبراهيم إن «الوزارة وافقت على تسلم المقبرة من دون أي شروط مسبقة من قبل الجهة المنفذة لها»، نافيا ما تردد حول الاتفاق على وضع النموذج بمدخل وادي الملوك بالبر الغربي بالأقصر، مؤكدا أن حسم هذا الموضوع سيكون في متناول اجتماع مجلس إدارة المجلس الأعلى للآثار القادم ليحدد اختيار أنسب مكان لوضع نموذج المقبرة به بما يحقق أكبر مردود ثقافي.

وفي سياق احتفالها بالذكرى الـ90 لاكتشاف مقبرة الفرعون الذهبي الملك الشاب توت عنخ آمون وجهت محافظة الأقصر الدعوة لجميع السفارات والعديد من الشخصيات المهمة وعلماء الآثار والمرشدين السياحيين من مصر والعالم لحضور الاحتفالية التي تتضمن فعاليات ثقافية وعلمية وتاريخية.

وسوف تتنوع فعاليات الاحتفالية حيث تشهد إقامة معارض وندوات ومحاضرات وعروض فنية في مكتبة الأقصر العامة وقاعة المؤتمرات الدولية في المدينة وكلية الفنون الجميلة ومتحف التحنيط ومتحف الأقصر، كما تشهد الساحات المواجهة لمعابد الأقصر الفرعونية وميادين المدينة عروضا فنية وفلكلورية لفرق الفنون الشعبية، كما ينظم قطاع المتاحف بالأقصر موسما ثقافيا خاصا ضمن الفعاليات الفكرية والثقافية الخاصة بهذه المناسبة، وسوف يحاضر خلالها عدد من علماء المصريات وأساتذة الفنون والآثار.

وأكد محافظ الأقصر سعي المحافظة لاستغلال هذه المناسبة في الترويج السياحي للمحافظة وتنشيط السياحة من خلال إقامة فعاليات فكرية وثقافية وإلقاء الضوء على حياة مكتشف المقبرة هيوارد كارتر واكتشافات الكنوز الأثرية بالمحافظة.

من ناحيته، أكد وزير الآثار السابق الدكتور زاهي حواس في تصريحات صحافية له الخميس، أن الاتفاق ينص على عرض المقابر المقلدة في المكان المتفق عليه وليس في أي مكان آخر داخل مصر أو خارجها وهو وادي الملوك بالأقصر لتحقيق أكبر فائدة من إقامة تلك المقابر في مكانها الطبيعي بالقرب من المقابر الأصلية مما يحقق للسائح الشعور بجو المكان الأصلي والاستفادة من مشاهدة المقبرة المقلدة تعويضا عن زيارة المقبرة الأصلية بهدف الحفاظ عليها من أضرار الزيارة.

ونفى حواس أن تكون قد جرت أي ضغوط من أي جهات أمنية لإقامة المقابر المقلدة بأي مكان، لافتا إلى أن المقبرة المقلدة وصلت إلى مصر الأسبوع الحالي، وأن التفكير في عرضها في مدينة شرم الشيخ يعد مخالفة للاتفاق مع الجهة المنفذة وهو ما لم ينص عليه بروتوكول المشروع، خاصة أن الهدف من إقامة تلك المقابر أن تكون بمكانها الأصلي بالقرب من وادي الملوك.

وكشف حواس عن تفاصيل الاتفاق بشأن هذه المقبرة النموذج وغيرها من المقابر المقرر استنساخها، مؤكدا أن هناك اتفاقا منذ نحو عشر سنوات صدر عن مجموعة من العلماء للحفاظ على الوادي، وضمت في عضويتها أحد أشهر علماء الآثار وأعظم المتخصصين في الكتابات الدينية القديمة عن وادي الملوك على مستوى العالم الدكتور هورنغ، كما ضمت خبير السياحة المصري إلهامي الزيات والدكتورة فايزة هيكل نقيبة الأثريين، وكلهم أطلقوا دعوة للحفاظ على مقابر وادي الملوك بالبر الغربي بالأقصر من الاندثار والضياع بمرور الزمن، ومن أهمها تقليد ثلاث مقابر لها شهرة عالمية هي مقبرة توت عنخ آمون أشهر المقابر في العالم، ومقبرة جميلة الجميلات الملكة نفرتاري زوجة الملك رمسيس الثاني، ومقبرة الملك سيتي الأول والتي أصبحت تهددها الزيارة بفعل الإقبال غير المسبوق من السياحة الدولية بشكل يومي على مدى العام.

وأضاف حواس أن الهدف من المقابر النموذج تحدد في حماية المقابر الأصلية، وتنمية الإيرادات المصرية باستمرار زيارة المواقع الأثرية وتحقيق رغبة السياح المولعين بحضارة مصر في زيارة المقبرة في نفس المكان، «ولذلك كانت فكرة مشروع المقابر المقلدة من المقابر الثلاث التي تتعرض إلى أكبر المخاطر بين مقابر وادي الملوك وتأثير الزيارة عليها من أضرار التنفس ووجود ثاني أكسيد الكربون الذي يؤثر على الكتابات والنقوش والألوان، وكذلك أضواء آلات التصوير والحركة المستمرة بشكل يومي صعودا وهبوطا داخل المقابر، وهي كلها عوامل تنتهي بالمقابر إلى الاندثار والضياع»، على حد قوله.

وقال حواس إنه بناء على تلك المخاطر والأخطار على سلامة الوادي تم التفكير في مشروع المقابر البديلة، وتم إبرام اتفاق بعد موافقة اللجنة الدائمة للآثار لعمل نسخ مقلدة لمقابر توت عنخ آمون وسيتي الأول ونفرتاري على أن يتم وضعها معا في الجانب الشمالي من استراحة عالم الآثار هيوارد كارتر بالبر الغربي في مدينة الأقصر، وأن تتحمل الجمعية السويسرية للآثار الحفاظ على الوادي، وهي جمعية قديمة تمول نفسها من تبرعات دولية وقد أنشئت منذ أكثر من خمسين عاما وتضم في عضويتها شخصيات عالمية من علماء الآثار ومحبي الآثار على مستوى العالم.

يشار إلى أن مقبرة توت عنخ آمون تم اكتشافها يوم الرابع من نوفمبر عام 1922 ميلادية وكانت بداية لكشف من أعظم الكشوفات الأثرية في القرن العشرين، ففي الساعة العاشرة صباحا من ذلك اليوم وبينما كان المستكشف الإنجليزي هيوارد كارتر يقوم بمسح شامل لمنطقة وادي الملوك الأثرية غرب مدينة الأقصر عثر على أول عتبة حجرية توصل عبرها إلى مقبرة الملك الصغير توت عنخ آمون وكنوزها الباهرة.

وعثر هيوارد كارتر على كنز توت عنخ آمون بكامل محتوياته من دون أن تصل إليه يد اللصوص على مدار أكثر من 3000 عام، إذ احتوى الكنز المخبأ على مقاصير التوابيت وتماثيل الملك الصغير والمجوهرات الذهبية والأثاثات السحرية والعادية والمحاريب الذهبية والأواني المصنوعة من الخزف، وقد أعطت محتويات المقبرة لعلماء الآثار فرصة فريدة للتعمق في معرفة طبيعة الحياة في عصر الأسرة الثامنة عشرة والتي تعد فترة ذات أهمية خاصة في تاريخ مصر القديمة.