هنود يتحولون إلى فئران تجارب لصالح شركات الأدوية الغربية

250 ألف شخص في 1800 تجربة من دون علمهم

فئران تجارب.. يموت 10هنود على الأقل أسبوعيا أثناء التجارب المعملية عليهم
TT

عُرض على لاتا ميهرا، مريضة القلب التي تبلغ من العمر 47 عاما، اتفاقا خياليا متمثلا في «خطة شركة» يتحمل بموجبها الطبيب أنيل بهاراني، أستاذ الطب بمستشفى المهراجا ياشوانتراو الحكومية في مدينة إندور بوسط الهند ثمن العقاقير ومصروفات الانتقال. ما لم تعلمه ميهرا هو أن هذه الخطة كانت جزءا من تجربة غير قانونية على العقاقير المضادة للتجلط. ولم تكن تعلم أن الدكتور بهاراني ممنوع من إجراء تجارب على العقاقير بسبب حصوله على أموال بشكل غير قانوني ورحلات خارج البلاد من شركات عقاقير وإجراء تجارب على العقاقير من دون الحصول على موافقة المرضى.

وكانت ميهرا سعيدة أيما سعادة بهذا الاتفاق، إلى أن توفي جارها مانغيلال شريفاز، الذي كان مريضا بالقلب هو الآخر، بعد قبوله لعرض مماثل في بداية عام 2012. وبعد وفاة مانغيلال، أرادت زوجته الحصول على الأوراق الخاصة بحالته المرضية من أجل إقامة دعوة قضائية، لكن المستشفى رفض.

وانزعجت ميهرا من هذا، وذهبت إلى طبيب آخر بأوراقها التي توضح حالتها. وبقية قصتها معروفة، حيث حدثت لكثير من المرضى الذين شاركوا في تجارب غير قانونية على عقاقير وأبدوا تحفظات. لقد رفض الأطباء تسليمها سجلها الطبي، وقالوا إنه ملك للمستشفى، وألغوا الاتفاق معها. وكان هناك حالة أخرى في المستشفى نفسها وهي تشاندراكالا باي، التي تعاني من آلام في الصدر. وذهبت إلى المستشفى نفسها في مدينة إندور، وأُدرج اسمها على قائمة المشاركين في التجربة على عقار التونابوفيلين، الذي جربته شركة «بيوجين إيديك» ومقرها في المملكة المتحدة.

قيل لها إنه بموجب مشروع تمويل حكومي خاص، يتم منح الفقراء العقاقير مجانا. وبدأت باي تعاني من مشكلات في القلب بعد تعاطيها للدواء، وخرجت من التجربة بعد بضعة أيام. وبعد أقل من شهر تُوفيت إثر أزمة قلبية وهي في الخامسة والأربعين من العمر. وتم تعليق التجارب على العقاقير بسبب عدد الأزمات التي تم رصدها، وتوفي 16 من بين 73 شخصا خضعوا لتلك التجربة، التي حظيت برعاية شركات بريطانية وألمانية. لم يتم إجراء أي عمليات تشريح للجثث لمعرفة ما إذا كانت العقاقير هي سبب الوفاة.

عندما تحتاج الشركات الهندية التي تعمل لصالح لشركات أدوية إلى أفراد للتجربة، كثيرا ما تلجأ إلى راجيش ناديا، الذي باتت له مكانة راسخة كمورد أفراد في مجال تجارب العقاقير على المستوى الدولي.

وقال: «تتصل بي الشركات من خلال الهاتف أو الرسائل النصية». ويحصل ناديا على 20 دولارا عن كل حالة. وأوضح أن كثيرا من الأفراد الفقراء الذين يجلبهم للخضوع لتلك التجارب يكونون متحمسين للمشاركة إلى الحد الذي يجعلهم لا يبالون بالمخاطر إذا حصلوا على المال. وعندما سُئل عما إذا كان يتأكد من عدم مشاركة المتطوعين في أكثر من دراسة في الوقت ذاته أو يتجاهلون قواعد «التنظيف» التي تمنح لأجسادهم فرصة لأن تصبح خالية من أي عقاقير طبية كانوا يتناولونها، لم يتردد ناديا وقال: «ربما يحدث هذا. يميل الكثيرون إلى فعل ذلك إذا ما كانوا يحصلون على المال».

وأضاف: «أحيانا يجب على الأفراد المشاركين الدخول إلى النظام من خلال جهاز قارئ لبصمة الأصبع، ويتم اكتشاف البعض الذين يشاركون في أكثر من تجربة. إلا أن الشركات إذا كانت في حاجة ماسة إلى أشخاص للتجارب، سيتجاهلون تلك الأمور».

في حالة أخرى، تم حقن مئات من المراهقات بمصل واق من فيروس الورم الحليمي البشري، الذي ينتقل عن طريق الاتصال الجنسي ويعد من أسباب الإصابة بسرطان عنق الرحم. وتناولن عقاقير برعاية مؤسسة هي «بيل أند ميلندا غيتس». وكان يتم تقديم عينات من المصل المضاد للفيروس «غارداسيل» من إنتاج شركة «ميرك» الأميركية مجانا. وتُوفيت مجموعة من الفتيات في ولايتي أندرا براديش وغوجرات. وكالعادة لم يتم إجراء أي تشريح للجثث. الأمر الصادم هو عدم الحصول على موافقة آباء هؤلاء الفتيات على اشتراكهن في هذه التجارب، وهو ما يعد مخالفة للقواعد التي وضعها مجلس البحث الطبي الهندي، الذي يشترط تقديم «موافقة عن علم» للمشاركة في التجارب.

وخولت حكومة الولاية لأولياء أمور هؤلاء الفتيات، الذين كانوا يعيشون في مدارس محلية، تقديم هذه الموافقة. بسبب عدم دقة التوثيق الرسمي للوفيات أو عدم توافر مثل هذا التوثيق، لا يمكن القطع بعدد الذين توفوا بسبب المرض نفسه الذي مكنّهم بالأساس من المشاركة في الدراسات الخاصة بالعقاقير.

وقال دكتور تشاندرا غولاتي، رئيس تحرير دورية «مؤشر التخصصات الطبية الشهري» الهندية الطبية، والمناهض لتجارب العقاقير غير المقيدة: «على عكس الدول الغربية التي يتم فيها فحص كل حالة وفاة تحدث أثناء إجراء تجربة عملية، ليس لدينا مثل هذا النظام. وهذه هي المشكلة الكبرى. إن غياب الرقابة الحكومية أوجدت ثقافة حصنت شركات العقاقير البحثية والأطباء الذين يعملون لديهم».

وأثارت وفاة 49 طفلا أثناء تجارب معملية في «معهد العلوم الطبية لعموم الهند» في نيودلهي، وهو أكبر مستشفى في البلاد حيث يتلقى ما يزيد على 4 ملايين مريض العلاج بها سنويا، تساؤلات بشأن المجال الذي أصبحت الهند وجهة للتعهيد فيه.

وعلى الرغم من أن المستشفى هو الذي يتحمل مسؤولية هذه الوفيات، أثارت الأخبار شعورا بعدم الراحة تجاه ظاهرة اختبار العقاقير، التي تدعمها تلال من المال، وانتشرت في الهند دون دعاية تذكر.

قيل لأفسار خان، ميكانيكي دراجات نارية في دلهي، وخاله، إن هناك عقارا جديدا مستوردا من أميركا وقادر على علاجهما من مرض السكري، لكنه سيكلف كل منهما مائة ألف روبية أي ما يعادل نحو ألفي دولار. ونظرا لعدم قدرتهما على تحمل هذه التكلفة، تراجع الرجل. وبعد عدة أسابيع تلقى كلاهما عرضا مختلفا وهو تجربة هذا الدواء مقابل حصول كل منهما على 25 ألف روبية، أي ما يعادل نحو 500 دولار. قال خان، الذي يجني نحو 6 آلاف روبية شهريا: «لقد أثار هذا الشك والريبة في نفوسنا، لذا تراجعنا».

ونظرا لعدم قدرة خان (46 عاما) على تحمل تكلفة الدواء الغربي لمرض السكري يتلقى العلاج على يد شخص يمارس الطب الإسلامي التقليدي في المسجد. وقال: «أصاب بحالات إغماء وأشعر بألم في ركبي، لكنني أستطيع التعايش مع الأمر وتحمله».

وأجرى دكتور كالانتري تجارب لصالح شركة أدوية عالمية في مستشفى حكومي في بلدة سيفاغرام في وسط الهند، وتراجع عن الاستمرار في الدراسات. وقال عن الفقراء في المستشفى: «من الصعب تفسير مدى تعقيد التجارب للمشاركين في الدراسة. أعتقد أن الكثير من الباحثين يميلون إلى خداع وتضليل المرضى. ويفتقر الباحثون إلى معرفة وسائل البحث المعملي».

ويشهد مجال التجارب المعملية ازدهارا سريعا في الهند بحسب اتحاد غرف التجارة والصناعة الهندية، حيث يقدر حجمه بـ1.8 مليار دولار.

وتستغل شركات الأدوية الغربية على مدى الخمس أعوام الماضية الهند كحقل للتجارب على العقاقير، نظرا لعدد سكانها الضخم وغياب تطبيق القانون، وهو ما يساعدها على خفض تكاليف البحث بشكل كبير يزيد من ربحية منتجاتها التي تباع في الغرب. هذه العلاقة استغلالية إلى الحد الذي يجعل البعض يراها عودة للاستعمار في ثوب جديد. وبدأ هذا الازدهار منذ تخفيف القيود على تجارب العقاقير عام 2005، حيث فاق عدد المشاركين في التجارب 250 ألفا في 1800 تجربة على الأقل تجري لصالح شركات بريطانية وأميركية وأوروبية.

ويقول أصحاب الحملة إن الهند تجذب الباحثين ليس فقط بسبب عدم تراخي القوانين، بل بسبب ضخامة عدد السكان وتنوعهم الجيني واختلاف حالاتهم المرضية. من الأسباب الأخرى إجادة جميع الأطباء اللغة الإنجليزية. وتتوافر البنية التحتية لهذه التجارب، التي تكون غالبا في مستشفيات حكومية. وتعد تكلفة إجراء هذه التجارب في بلاد مثل الهند منخفضة، فطبقا لمقال نُشر في مجلة «هارفارد لإدارة الأعمال» عام 2008، عن الأفراد المشاركين في التجارب التي تجرى بالهند، تتراوح هذه التكلفة بين 1500 و2000 دولار، في حين تبلغ تكلفتها في الولايات المتحدة 20 ألف دولار. ويذهب الجزء الأكبر من هذا الفرق إلى جيوب الأطباء، في الوقت الذي لا يحصل الأفراد، الذي يُجرى عليهم التجارب، فيه سوى على النذر اليسير من المال.

وكثيرا ما يجذب المال المتطوعين إلى التجارب على العقاقير سواء كانت الدراسات تجرى على عقاقير لتنظيم الأسرة أو السكري أو الصداع النصفي أو ارتفاع ضغط الدم.

ويموت 10 أشخاص على الأقل أسبوعيا في الهند أثناء التجارب المعملية. وبحسب الإحصاءات التي يقدمها وزير الصحة ورخاء الأسرة في الحكومة الفيدرالية، غلام نبي آزاد، تُوفي 2031 شخصا في الفترة من عام 2008 إلى عام 2011 أثناء إجراء مثل هذه التجارب في البلاد، أي بمعدل 10 أشخاص أسبوعيا أو أكثر من شخص يوميا. وخلال الستة أشهر الأولى من العام الحالي، قُتل نحو 221 أثناء إجراء تجارب من هذا النوع. ونتيجة لذلك، أقامت كل من مؤسسة «سواثيا أديكار مانش»، التي تعمل في مجال حقوق الصحة، ودكتور عدنان راي، دعويين قضائيتين منفصلتين خلال العام الحالي أمام المحكمة العليا بدافع القلق من أن تصبح الهند حقل تجارب في ظل استغلال شركات الأدوية للمرضى الفقراء الجهلة في المستشفيات بشكل غير سليم في تجربة عقاقير جديدة. ومن الأسباب التي تجعل الهند مقصدا لتلك الشركات هي التكلفة المنخفضة وعدم تطبيق قوانين صارمة.

وتم تقديم تقرير إلى المحكمة العليا يشير إلى خضوع أكثر من 200 حالة إلى تجارب عملية للتحقق من فعالية عقاقير متنوعة من دون الحصول على موافقتهم. ووجهت المحكمة الهندية العليا اتهامات لبعض شركات الأدوية بالتعامل مع الهنود كفئران تجارب من خلال إجراء تجارب عملية غير قانونية، وهددت بحظر هذه الممارسات، وأصدرت أمرا للحكومة بتقديم تقرير عن هذه القضية.

وقال كل من القاضي راجندرا مال لودها وديف في المحكمة العليا بدلهي: «إن هذه أسوأ تجارب عملية تحدث، لأن الناس يموتون. وما هي الإجراءات التي تم اتخاذها حيال ذلك؟ يجب أن يكون هناك إحساس بالمسؤولية. يتم التعامل مع البشر كفئران تجارب».

على الجانب الآخر، تتجه الحكومة الهندية لحماية الهنود الذين لا يعلمون شيئا عن العقاقير، من التحول إلى فئران تجارب من قبل شركات أدوية عالمية. وسيتحقق ذلك من خلال إجبار الباحثين على تصوير موافقة تؤكد علم المشارك في التجربة بكل ما يتعلق بها بكاميرا فيديو.