عبد القادر الريس في معرض استعادي بالشارقة

أكبر رسام تشكيلي إماراتي باع إحدى لوحاته بمليون درهم

عبد القادر الريس مع لوحاته و«الانتظار» وباب عبد القادر الريس و .. وأمام احد اعماله والبستكية والسفينة
TT

تنظم إدارة متاحف الشارقة الدورة الثالثة معرض «علامات فارقة»، أحد أبرز المعارض التي تحتفي بالتجارب الفنية والتشكيلية المتميزة في المنطقة، في أروقة قاعات متحف الشارقة للفنون، حيث استضافت الدورة الحالية الفنان الإماراتي المعروف عبد القادر الريس، في معرض يستمر حتى 30 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، وهو الثالث على التوالي بعد استضافة الفنانة الإماراتية نجاة مكي في الدورة الثانية، والفنان السوري إسماعيل الرفاعي الذي احتفت به الشارقة في الدورة الأولى للمعرض. ويعد هذا المعرض أول معرض استعادي للفنان عبد القادر الريس بهذا الحجم, حيث يضم أعمالا من فترة السبعينات وأعمالا أخرى جديدة يحمل بعضها الطابع السياسي. ويأتي هذا المعرض تثمينا لتجربته الفنية، ومشاركاته الواسعة في مختلف المعارض، وسيرته الحافلة بالجوائز الكثيرة، وآثاره الفنية الموزعة في أنحاء العالم.

ضمت الأعمال المعروضة أكثر من 100 لوحة فنية موزعة على قاعات المتحف، بينها أعمال الفنان التي تؤرخ لبداياته الفنية وتستعرض أساليبه في رسم اللوحات المائية والزيتية التي يصور فيها المناظر الطبيعية، والتجريدية، والمنمقة بالحروف، وتلك التي توثق بعض المراحل التاريخية، إضافة إلى عدد من اللوحات التي تعرض للمرة الأولى عن تاريخ الفنان أيام دراسته الأكاديمية.

الريس، الذي أبدى ابتهاجه بهذا المعرض الاستعادي الكبير أكد أن استعراض أعماله الفنية على أرض الوطن له قيمه مضاعفة عنده فهي مصدر إلهامه ومنتهى أحلامه، معبرا عن سعادته بحجم الحفاوة التي لقيها في إمارة الشارقة بوجه عام، ومن إدارة متاحف الشارقة على وجه الخصوص، ومن كثير من الفنانين والمهتمين والأصدقاء. ومن جانبها، أكدت منال عطايا المدير العام لمتاحف الشارقة لـ«الشرق الأوسط» أن «فعاليات (علامات فارقة) إحدى أبرز واهم فعالياتنا السنوية التي تحتفي بالفنانين الرواد ممن أسهموا من خلال أعمالهم في تطور الحركة الفنية في المنطقة، ونحن من خلال نقل هذه التجارب الناجحة نسعى إلى تسليط الضوء على وسيلة مهمة أخرى من وسائل رقي الشعوب، من شأنها أن تكون روافد إبداع تحفز أجيالنا وأبناءنا على تذوقها، وترجمتها إلى صور أخرى من شأنها أن تصب في الوفاء لوطننا الغالي. ونحن إذ نحتفي بالرائد عبد القادر الريس، يملؤنا الفخر ونحن نستضيف أعمالا إماراتية، لها بصمات موغلة في التراث والمجتمع، والعمارة، والبيئة، وتظل لوحات الأبواب التراثية الأكثر حضورا بين أعماله الأخرى، وهي تختزل كثيرا من المعاني التي حرص الريس على إيصالها للجمهور، ولا شك أننا نتوقع لهذا المعرض نجاحا باهرا، وقيمة جديدة مضافة ومتميزة للفن والفنان الإماراتي».

تنتمي لوحات الفنان عبد القادر الريس، في معرضه الحالي، إلى مراحل عدة من تجربته التشكيلية على نحو استعادي، منذ لوحات المرحلة الأولى التي هيمنت عليها المائيات، إلى جانب بعض لوحات الإكليرك، التي يتناول عبرها الفنان مكانه الإماراتي، ولا سيما ما يتعلق بعالم العمارة، ومفرداتها، من نوافذ، وأبواب، يزاوج بينها والزخرفة الشرقية التي تبدو ثيمة مكررة، في كل هذه الأعمال، إلى جانب ما هو تراثي، وتعبيري، وإن كان هذا التكرار ليحقق شرط تجاوز الذات، في كل مرة، كميزة مهمة لدى أي مبدع حقيقي.

وعن استيحاء التراث، قال لـ«الشرق الأوسط»: «إن الفنان ابن وطنه، ومن الطبيعي أن يتأثر بكل ما يحيط به. لذا فالفنان يجسد تراث بلده بشكل تلقائي. لا يمكن للفنان أن ينفصل عن جذوره، لأن روحه تعبّر عن هذه الأعماق دون إرادته. والتراث هو الرؤية الجمالية التي تتجلى في الموجودات التي تعيش مع ذكرياتنا وسيرتنا. في بادئ الأمر، جذب انتباهي الخشب بكل ما يحمل من جماليات وتكوينات، لأنه كائن حي في نظري؛ يتغير، ويتلون، ويتحول من حالة إلى أخرى. وجذبتني ورش صناعة السفن في الإمارات، فبدأت أرسمها وكأنني أرسم الطبيعة، أو جزءا حيويا من الطبيعة. وهو عالم مليء بالأحداث والقصص والخيال والأوهام والرحلات والأسفار. ووصل شغفي بالخشب وتكويناته إلى أنني حملت ذات مرة قطعة خشبية مرمية واحتفظت بها في منزلي، فكانت قطعة فنية قائمة بحد ذاتها، تأخذ أشكالا جديدة في كل مرة. ومن ثم بدأت أرسم الأبواب وأخذت مساحة كبيرة في لوحاتي وحياتي الفنية، سواء بالألوان الزيتية أو بالألوان المائية. وواحدة من هذه اللوحات التي تصور الأبواب دخلت المتحف البريطاني».

وعن رسم الأبواب والزخارف، يقول: «انتقلت إلى رسم البيوت والأبواب والزخارف الموجودة فيها. وبدأت أرسم أجزاء منها، كلما انتهيت من رسم الجسد كاملا. ومن ثم انتقلت إلى مفردات البيئة، الدلال والقهوة والصحراء وأشجار الغافة والوديان وجبل حفيت وغيرها من المفردات التي عاشت في أذهاننا، وتحولت إلى لوحات أرخت لجزء حياتنا عبر العصور. وهي المرحلة التي جسدت أمامي المرئيات مثل كائنات حية تعيش تفاصيل حياتنا. ومن شدة تعلقي بها، قمت بإعادة رسم اللوحات الكلاسيكية القديمة في أحجام كبيرة في الوقت الحاضر، وهي أعمال متحفية، أتأمل أن تجد مكانها في متحف الإمارات التي سيولد قريبا. وهذه الأعمال وأعمال غيري من الفنانين الإماراتيين الذين تأثروا بالتراث، تصلح لأن توضع في هذا المتحف لأن التقدم التقني الذي يغزو العالم بأكلمة، من شأنه أن يهدد تراثنا العريق. والفنان هو أول شخص مسؤول عن الحفاظ على التراث، بل هو مهمته الأولى والأخيرة. والفن هو الأقدر على تجسيد تراثنا وتخليده».

وما يلاحظه متابع المعرض، هو تركيزه على الحرف العربي، وإعطاؤه بعدا فلسفيا، ليس من قبل الاستنساخ السائد لدى بعض متناولي الحروفية، على نحو تقليدي، بل بقدرة عالية للتعمق في حركة الحرف، وجمالياته، والاستفادة منه، ليكون مجرد أداة متماهية في فضاء اللوحة، لا مجرد عنصر تقليدي، ديكوري بل في إطار التجريد، والذهاب إلى أبعد من الحروف، مما يسجل تمايزه في هذا التوظيف التجريدي، وعلى الخصوص في استخدام حرفي الواو والهاء، بحيث إن جمالية الحرف تتجلى في عالم اللوحة، وليس عبر التناول الحرفي المغلق والمقلد، وفي الوقت ذاته، فإن روحية التجريد لا تفقد الحرف العربي قوته الإيحائية وجمالياته الراسخة، كما يقول: «في الحقيقة لم يكن التجريد بالنسبة لمسيرتي الفنية سوى تحدٍّ، أردت أن أثبت أن التجريد ليس خربشة كما يعتقد المتلقي العادي بل هو فن في غاية الدقة والشفافية. والتجريد ليس سهلا كما يتخيل البعض، وهو لا يتعارض مع التراث أبدا، بل يستوحى منه. وزخارفنا على مر العصور ما هي إلا تجريد فني صاغته يد ماهرة، أتقنت لعبة الرموز. فإذا كان الفن الكلاسيكي يعتمد على القدرة على الإتقان، فإن التجريد يعتمد على القدرة على براعة غير تقليدية. وفي لوحات كثيرة أسعى إلى المزج بين التراث والتجريد، دون أي إساءة إلى أحد منهما، لأن براعة الفنان تتجلى في إيجاد الانسجام والتجانس، وهذا هو جوهر الفن».

ويؤكد الريس عبر معرضه الجديد، أن لوحاته (كأحد الفنانين الإماراتيين الرواد) استطاعت مواصلة خطها الإبداعي، وشق طريقها، والحفاظ على استمرارية حضوره الريادي الإبداعي وتعامله مع التراث تعاملا حداثيا وليس تقليديا، وهو النظر إلى الحياة من زاوية التراث، كما يقول: «كلما أمضيت في عالم التجريد، أشعر بأنني متعلق بالتراث أكثر فأكثر، فهو الذي يعبر عن كل مباهجنا وأحزاننا. والتراث معين لا ينضب أبدا، وكلما استلهمت عملا يولد عمل آخر. إنها متوالية لا تنتهي. البعض يعتقد أن الأبواب والبيوت والبراجيل والسفن والقوارب يمكن أن تنتهي بلوحات معينة، ولكنها، في حقيقة الأمر، لا يمكن أن تنتهي طالما هناك حياة واستخدامات لها. وكل فنان يمكن أن يرسم ذلك بطريقته الخاصة، وكل فنان ينظر إلى التراث من زاويته، وهذا ما يخلق تميّز فنان عن آخر»، جدير بالذكر أن معرض «علامات فارقة» ضم كثيرا من اللوحات الأخرى التي تشمل مقتنيات محمد أحمد المر رئيس المجلس الوطني الاتحادي، وعبد الرحمن محمد العويس وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، وأحمد الطاير محافظ مركز دبي المالي العالمي، إضافة إلى مقتنيات جمعيات مختلفة، مثل مؤسسة «بارجيل» للفنون، ومؤسسة الشيخة سلامة بنت حمدان آل نهيان في أبوظبي. كما أقيم على هامش المعرض كثير من الفعاليات المختلفة، بينها ندوات وحلقات نقاشية تسلط الضوء على الأعمال الفنية للفنان عبد القادر الريس، إضافة إلى مواضيع أخرى تتعلق بالواقع الفني للدولة والمحيطين الإقليمي والعالمي، والمستجدات على الساحة التشكيلية، إضافة إلى تبادل الآراء حول كثير من الشؤون التي تهم القطاع الفن.

ولا بد من الذكر أن سيرة الفنان الرائد عبد القادر الريس (1951)، حافلة بالمشاركة في كثير من المعارض منذ عام 1965 إلى 2006 في دولة الكويت، وجنيف، ومدريد، وفينا، ولندن، وسيدني، وطرابلس، والشارقة، وسيول، وبولونيا، وباريس، والدار البيضاء، وإشبيلية، ودبي، والرياض، وروما، والصين، وبيروت، وفنزويلا، وأرمينيا، وأبوظبي، وله كذلك كثير من المعارض الشخصية التي ستسجل الرقم 36 مع علامات فارقة على قاعات متحف الشارقة للفنون 2012. كما حاز الريس على كثير من الجوائز، أبرزها: الجائزة الأولى معرض الشباب الأول، دبي 1975، والجائزة الذهبية، معرض الربيع الثالث، أبوظبي 1989، والجائزة الفضية لمعرض الربيع الرابع، أبوظبي 1989، والجائزة الذهبية لمعرض الإمارات السادس، أبوظبي 1990، والجائزة الأولى لمعرض الإمارات الأول بمدينة العين 1991، وجائزة الدانة الذهبية لمعرض 25 فبراير الكويت 3 دورات، وجائزة لجنة التحكيم بينالي الشارقة 1993، والجائزة الأولى لمسابقات جائزة العويس للدراسات والابتكار العلمي 3 دورات، والجائزة الأولى بمعرض الإمارات في عيون أبنائها 1999، وجائزة السعفة الذهبية لمعرض مجلس التعاون 1999، وكثير من الجوائز الأخرى.