دراسة: التغير المناخي يسلط الضوء على المخاطر التي تواجهها أميركا

مخاوف من وقوع اضطرابات في موارد المياه وأسواق الغذاء والطاقة

TT

يتزايد التغير المناخي، مما يضع المزيد من الضغوط على المؤسسة العسكرية وأجهزة الاستخبارات الأميركية خلال السنوات المقبلة، حيث يتسبب في مزيد من الاضطرابات حول العالم، حسب تقرير أهم مجموعة علمية بحثية أميركية صدر يوم الجمعة الماضي. فقد أشار المجلس القومي للأبحاث، في دراسة أمرت بإجرائها وكالة الاستخبارات المركزية وهيئات استخباراتية أخرى، إلى سلسلة من الأحداث بسبب الاحتباس الحراري، تبدو غير مترابطة ظاهريا، تؤدي إلى مزيد من الأزمات المفاجئة في موارد المياه وأسواق الغذاء والطاقة وأنظمة الصحة العامة. ويعد الإعصار «ساندي» نموذجا لما يمكن أن يتكرر كثيرا في المستقبل القريب، بحسب قول جون ستينبرونر، المشارك الأساسي في كتابة هذا التقرير. وأوضح ستينبرونر، الذي يعد مرجعا منذ زمن طويل في شؤون الأمن القومي: «هذه نوعية الأمور التي كنا نتحدث عنها. يمكن الجدال بشأن دور الاحتباس الحراري في حدوث الإعصار (ساندي)، لكننا نقول إن هناك كوارث مناخية يمكن أن تحدث بوتيرة أكبر، وأن الإعصار ليس سوى مثال على ما قد يعنونه. نحن نقول أيضا إن الأمور يمكن أن تزداد سوءا». وقال ستينبرونر، مدير مركز الدراسات الدولية ودراسات الأمن بجامعة ميريلاند: «إن البشر يضيفون ثاني أكسيد الكربون والغازات الأخرى المسببة للتغير المناخي إلى الجو بمعدل لم نر له مثيلا من قبل». وأضاف: «نعلم أنه ستكون هناك بالضرورة تغيرات في المناخ، لكننا لا نعلم التفاصيل. ونعلم كذلك أنها ستكون ضخمة».

وجاء موعد صدور الدراسة متأخرا عشرة أيام، حيث كان من المقرر أن يطلع القائمون عليها المسؤولين في الاستخبارات في اليوم الذي ضرب فيه الإعصار «ساندي» الساحل الشرقي للبلاد، لكن الإعصار أدى إلى شلل الحكومة المركزية.

قد تؤدي الأزمات الناجمة عن حدوث تغير مناخي إلى عدم استقرار الأوضاع الداخلية أو إلى نشوب صراع دولي، وربما تجبر الولايات المتحدة على تقديم مساعدات إنسانية، أو مساعدات عسكرية في بعض الحالات، من أجل حماية مصالحها الاقتصادية أو تلك المتعلقة بالطاقة أو مصالح أخرى، بحسب ما ذكرت الدراسة. واتخذت وزارة الدفاع بالفعل خطوات كبيرة استعدادا للتعامل مع التغير المناخي، وأنفقت مليارات الدولارات على صناعة سفن وطائرات وسيارات أكثر كفاءة في استهلاك الوقود.

مع ذلك، تحذر الدراسة، التي تتكون من 206 صفحات، بلغة بيروقراطية أحيانا، من عدم استعداد الولايات المتحدة لتقدير الكوارث التي سيتسبب فيها الكوكب المحتبس حراريا والاستعداد لمواجهتها. وجاء في التقرير: «من الحكمة توقع أن تؤدي بعض الأحداث المناخية، بما فيها التي تحدث بشكل فردي أو متزامن، أو التي تحدث بترتيب محدد في أماكن بعينها - في خلال عقد من الزمن - والأحداث التي تؤثر على أنظمة مرتبطة بعضها ببعض تعمل من أجل رفاهية البشر، إلى عواقب تفوق قدرات المجتمعات التي تدخل في نطاق تأثيرها أو النظام العالمي، وتؤثر على الأمن العالمي إلى حد كبير يستدعي رد فعل دوليا».

بمعنى آخر، يمكن القول إن الدول ستفشل وسيتعرض عدد كبير من السكان لمجاعات أو فيضانات أو أمراض، مما يضطرهم إلى الهجرة، ولن يكون لدى المنظمات الدولية ما يكفي من الموارد للتعامل مع هذا الوضع. ويرى التقرير صلة بين الموجة الحارة التي شهدتها روسيا والفيضانات التي حدثت في باكستان بالتزامن معها خلال صيف عام 2010 رغم اختلافها. كذلك، أشار التقرير إلى حوض نهر النيل، بوصفه مكانا قد يتزايد فيه صراع يتعلق بالمناخ على الماء والأراضي الزراعية، في ظل وصول عدد سكان مصر والسودان وإثيوبيا إلى 300 مليون نسمة.

فعلى سبيل المثال، اشترت كوريا الجنوبية ودول أخرى أراضي خصبة في حوض نهر النيل لزراعة محاصيل من أجل إطعام شعوبها، لكن يمكن للقوات المحلية الاستيلاء على هذه المحاصيل من أجل أهل البلدين، وهو ما قد يؤدي إلى صراع دولي، بحسب ما أشار التقرير.

وليست الدراسة، التي استغرقت 18 شهرا، هي الأولى التي تجريها هيئة حكومية أو منظمة بحثية وتخلص إلى وجود صلة مباشرة بين التغير المناخي ومخاوف تتعلق بالأمن القومي. فقد أصدر المجلس القومي للاستخبارات تقديرا يتعلق بالتغير المناخي عام 2008، ويصدر عددا من التقارير السرية منذ ذلك الحين. وسلطت كل من وزارة الدفاع والبيت الأبيض الضوء على دور التغير المناخي في الأزمات الإنسانية والتهديدات الأمنية.

ويوصي المركز القومي للأبحاث في التقرير الجديد كافة الأجهزة الحكومية بتحسين قدرتها على رصد ومراقبة التغير المناخي، وتقدير المخاطر التي قد يواجهها السكان والموارد الحيوية حول العالم. وقال ستينبرونر إنه في ظل الحاجة إلى المزيد من التحليلات الأفضل، تنخفض الموارد الحكومية المخصصة لهذا الغرض. واعترض أعضاء الكونغرس من الجمهوريين على اقتراح إنشاء وكالة الاستخبارات المركزية لمركز خاص بالتغير المناخي وحاولوا التصدي لتخصيص أموال له. وتتراجع كفاءة برنامج قمر الأرصاد الجوية بسبب سنوات من نقص التمويل وسوء الإدارة، مما يعرض القدرة على توقع الأحداث المناخية الضخمة ومراقبتها للخطر.

* خدمة «نيويورك تايمز»