تقرير بريطاني: مخاوف من المخاطر المحتملة لعقاقير تعزيز القدرات البشرية

أصحاء يستخدمون أدوية مخصصة لمرضى الخرف لتعزيز قدراتهم

يتوقع الخبراء ظهور رقائق إلكترونية قادرة على تسجيل خبرات وتفاصيل حياتنا يمكن الرجوع إليها عندما تفشل ذاكرتنا
TT

مع التقدم العلمي والتداخل الحادث في علوم البيولوجيا والإلكترونيات والهندسة والأدوية، هناك حاليا سباق عالمي متسارع، وبخاصة في الدول المتقدمة، في مجال بحوث وتكنولوجيات تعزيز القدرات البشرية، مثل وجود بشر قادرين على العمل لفترات طويلة دون كلل أو ملل، وعلى أن يتذكروا جميع الأحداث والمحادثات التي قاموا بإجرائها منذ وقت مضى، وعلى الرؤية الواضحة في الظلام باستخدام الرؤية الليلية المعززة. قد يبدو ذلك مثل روايات وأفلام الخيال العلمي، ولكن الكثير من العلماء والخبراء يقولون بأن مثل هذه المفاهيم، قد أصبحت واقعا بالفعل، فعلى سبيل المثال يمكن للأفراد الحصول على الأدوية الفعالة لتعزيز الأداء العقلي واليقظة، التي هي في الأصل لمرضى خرف الشيخوخة والأطفال مفرطي النشاط، كما تظهر الكثير من الدراسات أن الكثير من الطلبة يتناولون الآن أدوية معززة تعرف بالحبوب الذكية، وذلك لتعزيز قدرات الدماغ وزيادة اليقظة والتركيز لفترة طويلة، للمساعدة في تحسين درجاتهم في الامتحانات. ويتوقع الخبراء بأنه في المستقبل سيكون لدينا أجهزة ورقائق إلكترونية صغيرة قادرة على تسجيل خبرات وتفاصيل حياتنا كاملة وبدقة، في صورة تسجيل متواصل بالفيديو، يمكننا الرجوع إليه عندما تفشل ذاكراتنا في القيام بعملها، كما هو الحال في فيلم الخيال العلمي «المونتاج» (The Final Cut) عام 2004. الذي كتبه وأخرجه المخرج الأميركي اللبناني الأصل الأردني المولد عمر نعيم، وشارك في بطولته الممثل الأميركي العالمي روبين ويليامز. ويقوم على قصة من الخيال العلمي تجسد فكرة جيل من البشر تزرع في مخهم رقائق إلكترونية تقوم بتسجيل جميع تفاصيل حياتهم بالصوت والصورة منذ الميلاد وحتى الوفاة. كما يعالج الفيلم فكرة التواصل بين البشر وكيفية التفاعل وإدراك الذات. وفي الفيلم يقوم الممثل روبين ويليامز بدور «المحرر» الذي يجري التعديلات الأخيرة لصالح عملائه على تاريخهم المسجل على الرقائق الإلكترونية التي تحمل أدق تفاصيل حياتهم. ويحذر الخبراء من أنه رغم أن هناك فوائد محتملة بالفعل للتقدم الحادث في مجال بحوث تعزيز القدرات البشرية، فإن هناك أيضا نتائج سلبية وأضرارا ومخاطر محتملة، تدعونا للاستعداد لذلك، وما قد يؤول إليه مستقبل البشرية.

وخلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، صدر عن الجمعية الملكية البريطانية تقرير جديد بعنوان «تعزيز القدرات البشرية ومستقبل العمل»، أشار إلى أن التكنولوجيات التي تعزز وظائف الإنسان مثل الذاكرة والحركة والسمع، مثل الأدوية المعززة للقدرات المعرفية، والأطراف البيونية (بيولوجية - إلكترونية)، وزراعات الشبكية، وغيرها من التكنولوجيات الحالية والناشئة، قد تحدث ثورة في أماكن العمل في المملكة المتحدة، حيث يمكن أن تغير بشكل كبير من كيفية عمل الأفراد على مدى العقد المقبل، فعلى سبيل المثال، هناك حجة لدى السائقين والجراحين والطيارين لاستخدام الأدوية المعززة، لتجنب الإرهاق والتعب. وأضاف التقرير أنه، رغم أن تكنولوجيات تعزيز القدرات البشرية قد تؤدي إلى تحسين الأداء ومساعدة المجتمع، فإن استخدام مثل هذه التكنولوجيات يثير قضايا أخلاقية وفلسفية وتنظيمية واقتصادية خطيرة، تحتاج لمزيد من الدراسات والبحوث والمناظرات والنقاشات العامة حول قضايا مثل، الأضرار المحتملة للأفراد، والإكراه أو الإجبار من قبل أصحاب العمل، ومخاوف متعلقة بالعدالة والإنصاف، وذلك لضمان عدم إساءة استخدام مثل هذه التطورات التكنولوجية فعلى سبيل المثال، تتساءل اللجنة المشرفة على التقرير: هل هناك خطر في المستقبل في أن يجعل أصحاب العمل وشركات التأمين استخدام الأدوية المعززة عملية إجبارية؟

وقد جاء هذا التقرير نتيجة عن ورشة عمل مشتركة نظمتها أربعة أكاديميات وطنية في المملكة المتحدة، هي أكاديمية العلوم الطبية، والأكاديمية البريطانية، والأكاديمية الملكية الهندسية، والجمعية الملكية، وشارك فيها صانعي السياسات مع كبار الخبراء من تخصصات مختلفة شملت الهندسة والعلوم والصناعة والعلوم الاجتماعية والعلوم الإنسانية، وقدم التقرير لمحة عامة عن مجموعة من التعزيزات المحتملة الناجمة عن التقدم في العلوم والهندسة، التي من المحتمل أن تؤثر على مستقبل العمل، كما ناقش التقرير التحديات التي قد تنشأ عن مثل هذه التطورات، والنظر في الآثار المترتبة على التطورات الحاصلة في مجموعة متنوعة من المجالات البحثية.

ويشير التقرير إلى أن التطورات المستقبلية في التكنولوجيا، يمكن أن تؤدي إلى مجموعة واسعة من التعزيزات المعرفية والجسمية التي يمكن أن تستخدم من قبل أشخاص أصحاء. على سبيل المثال، تكنولوجيات التعزيز البصري مثل زراعة شبكية العين يمكن أن يستخدمها العسكريون أو رجال الحراسة الليلية أو مفتشو السلامة أو حراس الطيور، كما يمكن للرؤية الليلية المعززة، وتوسيع نطاق رؤية الإنسان لتشمل أطوالا موجية إضافية من الضوء أن تستخدم في مجالات كثيرة.

وقالت البروفسورة جينفرا ريتشاردسون في «كينغز كوليدج» بلندن، ورئيسة اللجنة التنظيمية لورشة العمل بأن: «هناك مجموعة من التكنولوجيات في مرحلة التطوير، وبعضها قيد الاستخدام بالفعل في بعض الحالات، لديها القدرة على تحويل أماكن العمل لدينا إما للأفضل أو للأسوأ». وأضافت بأن: «هناك تكنولوجيات قليلة من المرجح أن يكون لها تأثير كبير في فترة قصيرة نسبيا من الزمن، ولكن هناك الكثير الذي لا نعرفه حتى الآن حول كيفية تأثير هذه التطورات على العمل. ما هو واضح أن هناك حاجة إلى نهج متداخل التخصصات للحصول على فهم أفضل لكيفية المضي قدما نحو الأفضل. فالعلماء والمهندسين بحاجة إلى العمل جنبا إلى جنب مع علماء الاجتماع والفلسفة والأخلاق وواضعي السياسات وعامة الجمهور، لضمان تحقيق الفوائد من هذه التكنولوجيات والحد من مخاطرها».

وقد اشتملت تكنولوجيات تعزيز القدرات المعرفية والقضايا التي أثيرت في ورشة العمل والمشمولة في التقرير على: التدريب المعرفي الذي يتم بواسطة الكومبيوتر، والتقنيات غير الغازية (non - invasive) لتحفيز الدماغ لتحسين عملية التعلم، والأدوية للحفاظ على الوظائف المعرفية في مرحلة الشيخوخة، والإدراك الجماعي باستخدام تقنيات الكومبيوتر مثل محركات البحث على الإنترنت وتطبيقات رسم الخرائط المحمولة، والهياكل الخارجية والأطراف البيونية.

ويشير التقرير إلى أنه رغم أن تصميم مثل هذه التكنولوجيات في تحسين وتطوير مستمر، فإنه لا تزال هناك الكثير من التحديات في خلق أجهزة تقترب من محاكاة الوظائف الكاملة لأطراف الإنسان، والتي تتضمن، التحكم، وكفاءة الطاقة، وسهولة الاستخدام.

وقد شمل التقرير الكثير من الرسائل الرئيسية التي حددها المشاركون في ورشة العمل، التي من بينها: أن التكنولوجيات المعززة يمكن أن تغير من طريقة عمل الأفراد وتطوير العمل في العقد المقبل، فمن المحتمل أن تؤثر هذه التكنولوجيات على قدرة الفرد على التعلم أو أداء المهام، وربما الالتحاق بمهن معينة، فمن المحتمل أن تمكن الأفراد من العمل في ظروف أكثر تطرفا أو العمل في سن الشيخوخة، والحد من الأمراض المرتبطة بالعمل أو تسهيل العودة إلى العمل بعد المرض. كما أكد التقرير على ضرورة الحاجة إلى دراسات وبيانات تجريبية للتعرف على الآثار الإيجابية والسلبية قصيرة وطويلة المدى لمثل هذه التكنولوجيات المعززة، وكذلك التعرف على التأثيرات الاجتماعية والأخلاقية الناجمة عنها، ومن ثم توجيه السياسات ووضع خارطة سوق العمل.

يقول الدكتور روبن لوفيل - بادج، من المعهد الوطني البريطاني للبحوث الطبية الذي ترأس إحدى جلسات ورشة العمل التي صاغت هذا التقرير: «لقد كان واضحا من المناقشات أن الأدوية المستخدمة في تعزيز القدرات المعرفية تشكل أكبر تحد عاجل أمام المشرعين وصانعي السياسات، فهي أدوية سهلة التناول ومتاحة بالفعل من دون وصفة طبية، ويتزايد استخدامها من قبل الأفراد الأصحاء»، وأضاف: «إنه لأمر جيد أن نرى مثل هذه التطورات وأن نكون متحمسين لها، ولكن يجب أن يكون هناك أيضا العين الساهرة التي تراقب وتتوخى الحذر، لضمان أن القوى العاملة يمكنها الاستفادة بالفعل من فوائد هذه التطورات، وليس المعاناة من الأضرار التي يمكن أن تنجم عن إساءة استخدامها».