الأمير سلطان بن سلمان: إقامة معرض «روائع المملكة» في واشنطن ليتعرف الأميركيون على تاريخ وحضارة السعودية

قال إنهم لا يستهدفون جذب الأميركيين.. ويركزون على تعزيز السياحة المحلية

الأمير سلطان بن سلمان وقطع من معرض «آثار السعودية» وروائع من معرض «آثار السعودية»
TT

وسط اهتمام واسع في الدوائر الثقافية الأميركية، افتتح الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، ورئيس مجلس أمناء مؤسسة «سميثونيان» واين كلوف، معرض «روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور»، الذي يقام بالعاصمة الأميركية واشنطن من منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي حتى فبراير (شباط) 2013، تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز.

ويضم المعرض 320 قطعة أثرية من التحف المعروضة بالمتحف الوطني بالرياض ومتحف جامعة الملك سعود، إضافة إلى قطع عثر عليها في التنقيبات الأثرية الحديثة، والتي يتم عرضها لأول مرة للجمهور. وتتنوع المعروضات بين قطع تنتمي إلى العصر الحجري القديم وحتى عصر الدولة السعودية. ويهدف المعرض إلى تعريف الأميركيين بالإرث الحضاري والتاريخي للمملكة، فما يعرفه الأميركيون عن المملكة أنها بلد النفط والتجارة وأرض الإسلام، وفي هذا المعرض يكتشفون مختلف الثقافات التي سكنت أراضي المملكة السعودية من عصور ما قبل التاريخ إلى فجر العصور الحديثة. ويرصد المعرض تاريخ شبه الجزيرة العربية من خلال التماثيل والتحف والمجوهرات وشواهد القبور، وغيرها من الآثار التي تلقي الضوء على تجارة البخور التي كانت رائجة منذ العصر اليوناني والروماني، ولفترة طويلة قبل اكتشاف النفط، وطرق التجارة القديمة التي تحمل البخور والتوابل واللبان والمر عبر شبه الجزيرة إلى بلاد ما بين النهرين واليونان وروما، وحركة المرور والقوافل التي أدت إلى ظهور المدن وازدهارها على طول تلك الطرق التجارية وفرض التعريفات الجمركية ورواج تجارة الإبل. وأدى الاتصال مع العالم اليوناني والروماني إلى تبادل الأفكار والمقتنيات، ومنها ما يقدمه المعرض من أقراط وحلي ذهبية وأوان زجاجية وشطايا ملونة من لوحات جدارية وتماثيل ضخمة.

كما يسلط المعرض الضوء على دور السعودية باعتبارها مهد الإسلام، وتأثير الإسلام على البلاد وخطوط التجارة التي تتواصل بين مكة وكل من مصر واليمن والعراق وسوريا وبلاد ما بين النهرين وإيران. ويعرض آثارا ترتبط بطرق الحجاج والتجارة متمثلة في الفنون الزخرفية من القرنيين العاشر والسادس عشر وبعض الآثار الإسلامية التي تضم بوابة ضخمة وضع عليها اسم السلطان العثماني مراد الرابع. ويعرج المعرض على إنشاء المملكة العربية السعودية في عام 1932 من خلال الصور والكتب والخرائط، وتؤكد تلك الآثار أن شبه الجزيرة العربية لم تكن معزولة عن العالم الخارجي، بل كانت رائدة وسط العلاقات الاقتصادية في العالم القديم.

وتعد واشنطن هي المحطة الخامسة لهذا المعرض بعد أربع محطات أوروبية في كل من متحف اللوفر بفرنسا، ثم متحف مؤسسة «لاكاشيا» ببرشلونة بإسبانيا، ثم متحف «الأرميتاج» بروسيا، ومتحف «البيرغامون» في ألمانيا. وشهد المعرض إقبالا كبيرا، حيث زاره أكثر من مليون وخمسمائة ألف زائر، مما يعكس اهتمام العالم بآثار المملكة العربية السعودية. ويستمر معرض روائع آثار المملكة في الولايات المتحدة لمدة عامين حيث ينتقل بعد واشنطن إلى أربعة متاحف في ولايات بيتسبرغ وهيوستن وشيكاغو وسان فرانسيسكو.

وفي هذا الحوار، يكشف الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، أهداف الهيئة من إقامة تلك المعارض وخططها للترويج للسياحة المحلية داخل المملكة والقيام بالمزيد من الاستكشافات الأثرية..

* هذا المعرض هو المحطة الخامسة لـ«روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور»، بعد محطات فرنسا وإسبانيا وروسيا وألمانيا، فما الهدف من إقامة المعرض في العاصمة الأميركية واشنطن؟

واشنطن هي عاصمة عالمية، والولايات المتحدة تربطها علاقات وثيقة مع المملكة سياسيا واقتصاديا وحضاريا. ويلقي المعرض الضوء على حجم الصفقات التجارية والاقتصادية التي عقدت في جزيرة العرب والتي أكدت أهمية هذا الموقع في التاريخ الإنساني وغناه الاقتصادي والثقافي، والقطع الأثرية التي يعرضها المعرض تستعرض مدى تأثير المسارات التجارية حيث كان على القوافل التجارية التوقف في المنطقة. وإلى جانب مختلف السلع والبضائع التي تنقلها تلك القوافل كان هناك نصيب كبير من الحضارات التي تنقلها معها لتصبها في جزيرة العرب فتحصل على مزيج مختلف النكهات والحضارات، الأمر الذي حدا بالبعض إلى الاستقرار في الجزيرة العربية وتكوين ممالك عظيمة. وفي واقع الأمر فإن المملكة العربية التي نشاهدها اليوم تقف على أكتاف هذه الحضارات التي قامت على الدين الإسلامي الذي حفظ للحضارات والثقافات مكانتها وبنى عليها ولم يسع لتهميشها.

* هل يسعى المعرض للترويج الثقافي لحضارة المملكة العربية السعودية أم للترويج السياحي وجذب السياح الأميركيين إلى زيارة المملكة؟

- الهدف من إقامة المعرض هو أن يصبح نافذة على مكانة المملكة وحضارتها التي تضرب في عمق التاريخ. وهو شيء لم يره الأميركيون من قبل. ولا يسعى المعرض للترويج السياحي، بل للتعريف ببلد له تاريخ كبير، وأن الدين الإسلامي العظيم ظهر في بلد له مقومات حضارية وثقافية وحراك سياسي واقتصادي ضخم، ولم يكن سكانه يعيشون على هامش التاريخ بل يشاركون فيه. والقصة التي يرويها هذا المعرض هي قصة طرق التجارة وتأثيرها على التحولات التي جرت في الجزيرة العربية، وتأثير الإسلام كمكون جديد في حياة الناس، وانتشاره من الجزيرة العربية إلى مختلف أنحاء العالم، خاصة أن الإسلام لم يهمش الحضارات الأخرى بل هذب التعاملات وبنى على تلك الحضارات.

والبعض يعتقد خطأ أن المملكة هي صحراء جرداء، والحقيقة أنها لم تكن يوما جرداء بل صحراء ثرية سواء بالبشر أو بالثقافات والحضارات من خلال موقعها الجغرافي. والمملكة ليست كلها صحراء بل صحراء وجبال وشواطئ. والمعرض نافذة يهمنا أن يرى العالم من خلالها السعودية من منظور سياسي واقتصادي وثقافي وحضاري وأيضا من خلال دورها في حوار الحضارات والأديان ودورها في المحافل الدولية الاقتصادية ومكانتها السياسية في قضايا إقرار السلام في المنطقة.

وقد سألني صديق عن أهمية المعرض، فقلت له «انظر إلى سماء المملكة»، ووقتها رأينا طائرات تجوب السماء، وقلت لصديقي إن هذه القوافل من الطائرات الجوية تماثل طرق القوافل في الزمن القديم، وهي تؤكد أهمية موقع المملكة الجغرافي وطرق التجارة التي تتقاطع فيها وتأثير التجارة على الأحداث السياسية والاقتصادية. وأعتقد أن نشأة الإسلام في هذا الموقع الجغرافي لم تكن صدفة، وأن الله لحكمة يعلمها أنزل الإسلام في هذا المكان لمكانته الجغرافية والجيوسياسية.

ولا نستهدف جذب السائح الأميركي، بل نركز على السياحة الداخلية، وهناك طلب عال أكبر من التوقعات على السياحة المحلية لأن السائح السعودي لديه الوقت الذي يقضيه للسياحة ومستوى عال من الإنفاق، بينما المواقع السياحية لدينا ليست على المستوي الذي نريده ونعمل على تهيئته. وأمامنا تحدي جذب السعوديين إلى السياحة الداخلية لأن خروجهم بأعداد كبيرة للسياحة الخارجية تخرج معهم مليارات الدولارات إلى الخارج.

إضافة لذلك فقد فتحنا الباب أمام المعتمرين من 65 دولة لكي يمددوا إقامتهم في المملكة بعد أداء العمرة للقيام بتجربة سياحة داخل المملكة بالتنسيق مع شركات العمرة والشركات السياحية والوزارات المختصة.

* هل هناك تعاون بين متحف «سميثونيان» الأميركي والهيئة العامة للسياحة والآثار السعودية بحيث تستضيف المملكة معرضا للحضارة الأميركية والآثار والمقتنيات التي تمثل الحقب المختلفة من التاريخ الأميركي، خاصة أن متحف «سميثونيان» هو مؤسسة تعليمية وبحثية حكومية يرتبط بها أكثر من 160 متحفا داخل الولايات المتحدة؟

- بالطبع، ونحن نتحدث لمجلس أمناء متحف «سميثونيان» للتخطيط لإقامة معرض أميركي في السعودية قد يحوي مقتنيات من الحضارة الإسلامية، ونتوقع أن تكون علاقتنا مع المتحف طويلة المدى لتأكيد التلاقي بين الحضارات بين الشرق والغرب والعلاقة القوية بين المملكة والولايات المتحدة. ونستهدف أيضا تدريب السعوديين في المتاحف الأميركية لخلق جيل جديد من السعوديين لتولي المسؤولية في الأعداد الكبيرة من المتاحف التي ننوي إقامتها في المملكة، فالملك عبد الله حريص على إعادة بناء المواقع التاريخية، ونحن الآن نبني 11 متحفا إقليميا جديدا وأربعة متاحف وطنية كبيرة من ضمنها متحف للقران الكريم في المدينة المنورة.

ونمر الآن بثلاث مراحل، الأولى مرحلة لترميم التراث المعماري التاريخي والمواقع التاريخية المهمة. والمرحلة الثانية هي استكشاف الآثار، ونعمل مع 25 فريقا دوليا وعشرات من المواطنين السعوديين المتخصصين والمؤهلين للمشاركة في عمليات الحفريات والاستكشافات. والمرحلة الثالثة هي الاهتمام بمستقبل الآثار الوطنية وتعميق الاعتزاز بالتراث الوطني والآثار والمتاحف بشكل قوي من خلال التعليم ووسائل الإعلام لإعادة تكوين شعور المواطن وفهمه لتاريخ بلاده والخروج إلى الأماكن التي تمت فيها الأحداث التاريخية.

وأمامنا تحديات حتى تخرج المملكة السعودية كجوهرة يراها العالم بشكل آخر، بوجهها المشرق كبلد حضاري وثقافي يشهد حراكا كبيرا، وهذا هو ما يرويه المعرض.