الألمان يدشنون عصر إنتاج الوقود البيئي من نفايات البلاستيك

محطات عائمة لإنتاج «ديزل البلاستيك» وتزويد السفن بالوقود

يتحول البلاستيك إلى مادة سائلة تتكون من مركبات الكربون يجري تبريدها لاحقا داخل أنابيب خاصة لتتحول إلى زيت خفيف بمواصفات بيئية
TT

أعلن صندوق البيئة الألماني عن بدء العمل بمشروع «وقود البلاستيك» بالتعاون مع بعض الشركات التقنية، وعلى أساس مبادرة لمنظمة «أرض واحدة.. محيط واحد» البيئية، التي تأخذ على عاتقها مهمة تنظيف البحار والمحيطات من النفايات البلاستيكية. وينتظر أن يدخل المشروع مرحلة الإنتاج في منتصف عام 2014، وأن يستخدم 20 ألف طن من النفايات البحرية سنويا في إنتاج الوقود البيئي الخالي من المركبات الضارة والكبريت. وهذا يعني أن المشروع سيعمل بطاقة إنتاج 17 مليون لتر من الوقود البلاستيكي سنويا.

وبدأ العمل في المشروع في ميناء راينغاو، في مدينة مانهايم الواقعة على الراين، وذلك في أربع محطات تعمل وفق تقنية الـ«ثيرموناليزيز»، أي تحليل البلاستيك بواسطة الحرارة. وسيستخدم المشروع آلاف الأطنان من النفايات البلاستيكية التي لا يجري تدويرها في ألمانيا، والتي يتم جمعها من البحار، ونفايات المدن. وهو مشروع مصغر لمشروع أكبر، أو لنقل حلم بيئي، يرى إقامة مفاعلات ضخمة في عرض لتحويل البلاستيك إلى وقود بيئي.

وذكر ليوبولد كاتزماير، رئيس المشروع، أن مشروع «سينترول»، لتحويل البلاستيك إلى وقود بيئي، يعني أن عصر البلاستيك كنفاية ضارة بالبيئة قد ولى، وحل محله عصر البلاستيك كمصدر طاقة نظيفة. وأكد أن الديزل المكتسب بهذه الطريقة خال من الكبريت، كما أنه رخيص، ويبلغ سعر اللتر الواحد من ديزل البلاستيك، بعد إنتاجه، نحو 50 سنتا أوروبيا. وهذا يعني أنه سيكون أرخص من الديزل البيئي، المنتج من النباتات، كما أنه سيكون أرخص من زيت الطبخ.

وواقع الحال أن منظمة الدفاع عن البيئة البحرية تقدر حاجة الإنسان إلى 450 سنة كي تتمكن من تنظيف البحار والمحيطات من البلاستيك. ويمكن تصور هذا الزمن الطويل لو عرفنا أن عمر البلاستيك نفسه لا يزيد على 100 سنة. لكن البلاستيك تسلل في القرن الأخير من السنين بآلاف الأطنان إلى البحار والمحيطات، بل إنه تسلل إلى أجساد الأحياء المائية، وتم العثور عليه بنسب مؤثرة في دماء البشر أيضا.

وتقدر منظمة البيئة التابعة إلى الأمم المتحدة إنتاج 500 مليار من أكياس البلاستيك سنويا على المستوى العالمي. هذا فضلا عن القناني البلاستيكية والأجهزة وأغلفة المواد والأقلام.. إلخ. وتتسلل سنويا 6.4 مليون طن من النفايات إلى البحار والمحيطات والأنهار، تشكل النفايات البلاستكية 75 في المائة منها. وتتركز مخاطر نفايات البلاستيك في قطع البلاستيك الصغيرة التي تتسلل إلى الأحياء البحرة الحيوانية والنباتية. فهذه النفايات الصغيرة يخطئها الطائر، أو السلحفاء، كغذاء، وتتركز في معدات الطيور وتتسبب بموتها جوعا.

وأشار جونتر بونين، من منظمة «أرض واحدة.. محيط واحد»، إلى وجود عدة طرق نالت براءات الاختراع لإنتاج الوقود من البلاستيك، إلا أن مشروع مانهايم سيستخدم أكثرها فعالية، وتستخدم طريق التحليل الحاري. بمعنى تسخين نفايات البلاستيك في مفاعل دائري، يدور أفقيا، بدرجة 400 - 500 مئوية، يتحول فيها البلاستيك إلى مادة سائلة تتكون من مركبات الكربون. يجري تبريدها لاحقا، داخل أنابيب خاصة، لتتحول إلى زيت خفيف بمواصفات بيئية. والطريقة تعني تحويل مركبات الكربون ذات السلاسل الطويلة إلى مركبات كربونية ذات سلاسل قصيرة. لا ينتج عن الطريقة مواد ضارة بالبيئة، كما أن الزيت المنتج، وهذا مهم، قابل لتدوير بنسبة مائة في المائة. وتعد الطريقة، في المراحل الأولية، بكسب 800 - 900 لتر من زيت البلاستيك عن طريق التحليل الحراري لكل طن واحد من النفايات البلاستيكية.

حلم البحار والمحيطات النظيفة من البلاستيك عبرت عنه الباحثة سيلفيا فراي من منظمة «أوشن كير» البيئية السويسرية. فتصورات منظمات البيئة هو إنشاء محطات عائمة في البحار والمحيطات، تشبه محطات التنقيب عن النفط في أعماق البحار، وتتولى إنتاج الديزل البيئي من نفايات البلاستيك. وترى فراي إمكانية تزويد هذه المحطات، التي يتم انشاؤها بالقرب من «مستعمرات البلاستيك»، بقوارب كبيرة متخصصة في انتشال النفايات البلاستيكية من ماء البحر ونقلها إلى المحطة. يجري بعد ذلك تقطيع البلاستيك إلى قطع صغيرة وتحويله إلى زيت سائل بطريقة التحليل الحراري.

وهذا يعني أن المحطات العائمة ستتحول بدورها إلى محطات عائمة لتزويد البواخر، التي تمرق البحار، بالديزل البيئي الذي تم إنتاجه توا في المفاعل. وطبيعي فإن المحطة العامة ستستخدم زيت البلاستيك نفسه للتزود بالوقود وإنتاج الطاقة، مع وجود إمكانيات أخرى لتزويد المحطة بألواح الخلايا الشمسية، وبالمراوح الهوائية، كي تكون بديلا بيئيا للزيت في حالة حصول طارئ ما.

وتقول فراي إن هذا الحلم ليس بعيدا عن التحقق في ظل الخطوات السريعة التي تخطوها تقنية الحصول على الوقود البيئي من البلاستيك. ومن الممكن نشر هذه المحطات في العالم حسب مواقع تجمع نفايات البلاستيك. فالمعروف أن النفايات البلاستيكية تتجمع في 5 مستعمرات رئيسية في بحار ومحيطات العالم، وتتجمع هذه النفايات هناك بفعل حركة الموج وتنوعات التيارات المائية. وتعتبر المستعمرة الكبيرة في شمال المحيط الأطلسي أكبر هذه المستعمرات، ويمكن استغلالها سنويا لإنتاج ملايين الأطنان من الزيت.

ويقارن علماء البيئة مساحة مستعمرة البلاستيك في شمال الأطلسي بمساحة بلدان وسط أوروبا مجتمعة. وهي كميات هائلة من الأكياس والقناني تتجمع بين سطح الماء، وتمتد في الماء إلى عمق 100 و200 متر. وإذ يستقر75 في المائة من هذه النفايات البلاستيكية في قاع المحيط، في المناطق غير العميقة منه، تبقى نسبة 15 في المائة منها عائمة على سطح الماء، بينما تتوزع نسبة الـ 15 في المائة المتبقية على الشواطئ.

ويمكن للقوارب الخاصة بجمع النفايات البلاستيكية أن تنتشل كل القطع البلاستيكية الكبيرة من مياه البحار، إلا أن المشكلة، كما هو ثابت علميا، تتعلق بقطع البلاستيك الصغيرة التي تشكل الخطورة على الحياة البيئية. فهي تعمل مثل جزئيات السخام الصغيرة التي تنطلق من عوادم السيارات، وتستقر داخل الجسم (الحيوان أو الإنسان). ويمكن لتقنية جمع النفايات البلاستيكية، المستخدمة حاليا، انتشال كل قطعة يزيد حجمها على سنتيمتر مكعب، إلا أن الخطورة تكمن في القطع الصغيرة والنانوية.

وثبت من الفحوصات المختبرية أن قطع البلاستيك الكبيرة لا تتحلل بالماء طبعا، لكنها تتكسر إلى أجزاء أصغر، بمرور الزمن، وبفعل العوامل البحرية والملوحة وحركة التيارات. بل إن بعضها يتحول إلى جزيئات نانوية تعتبر النوع الأخطر من البلاستيك على البيئة البحرية. وتجتذب هذه القطع البلاستيكية النانوية السموم البحرية، والجراثيم، كما المغناطيس، حسب التحليلات المختبرية. وهذا ليس كل شيء، لأن نسبة السموم والجراثيم على سطوحها تزيد مليون مرة على نسبتها في ماء البحر. وتم الكشف عن نسب عالية من المادة المبيدة «دي دي تي» DDT والمواد الملينة للبلاستيك PCB، التي تسبب الأمراض السرطانية، على سطوح هذه القطع. وطبيعي فإن الأسماك الصغيرة، والأحياء الأخرى، النباتية والحيوانية، تخطيء هذه القطع كغذاء، وتتسم بها بالتدريج. ويأتي الخطر بعدها على الإنسان الذي قد يتغذى على هذه الأحياء البحرية.

الجانب الآخر في الموضوع هو أن هذه الجزيئات البلاستيكية الصغيرة تتسلل إلى بنية العوالق البحرية المسماة البلانكتون. ويعتقد العلماء أن عملية النتح التي تجريها هذه العوالق في البحر مسؤولة عن تزويد مياه البحار والمحيطات بنسبة 50 في المائة من الأكسجين الموجود فيه. وتعمل الجزيئات البلاستيكية على تشكل سطوح صغيرة مجتمعة تحجب الشمس عن هذه البلانكمتونات، وتؤدي إلى تناقص كمية الأكسجين بالتدريج في مياه البحر.

عموما يمكن لـ100 محطة عائمة من محطات فرم البلاستيك، وإنتاج الوقود، أن تنقذ المحيطات، بين آسيا وأفريقيا وأميركا، من أجزاء كبيرة من جبال البلاستيك التي لا تظهر منها اليوم سوى القمم. وواضح جدا، حسب جونتر بونين، أن المحطات العائمة لتحويل البلاستيك إلى وقود لن تكفي لوضع حد لمشكلة تحول الأرض إلى «كوكب بلاستيكي». لا بد إذن من نشر الوعي بين الناس، ولا بد من إجراءات لتقليل إنتاج البلاستيك وتقليل دورة حياته في حياة البشر.