تحذير ألماني من شراء «حليب الأم» على «فيس بوك»

بنك حليب الأمهات في عيادة جامعة لايبزغ يحذر من استعمال «حليب الغير» بسبب المضاعفات التي قد تنجم عن ذلك

TT

لا يعمل حليب الأم على إشباع الرضيع وتهدئته فحسب، وإنما على تخليصه من الآلام ونوبات السعال والتهابات الجهاز التنفسي أيضا. ولهذا فإن حليب الأم مفضل دائما للطفل الرضيع على حليب البقر. يبقى أن بعض الأمهات لا يتكون لديهن ما يكفي من حليب لإرضاع الطفل، ويضطررن إلى استخدام حليب البقر، مع بعض الأمهات اللاتي يفضلن «الزجاجة» على حليب الصدر لأسباب جمالية.

ولأن زمن المرضعات قد ولى، وما عادت حتى الملكات تستخدمن حليب المرضعات، تلجأ بعض الأمهات الحريصات على تغذية الرضيع بحليب الأم على شراء حليب الأمهات من بعض المواقع الإلكترونية رغم تحذيرات الأطباء من احتمالات المرض. بل إن «الموضة» لشائعة اليوم، كما يبدو، صارت شراء حليب الأمهات الطازج مباشرة من الإنترنت، بل من على صفحات «فيس بوك».

الدكتورة كورينا جيباور، رئيسة بنك حليب الأمهات في عيادة جامعة لايبزج (شرق)، وهو البنك الأكبر من نوعه في ألمانيا، حذرت في مجلة «دير شبيغل» من استعمال حليب الغير بسبب المضاعفات التي قد تنجم عن ذلك. وذكرت جيباور أنها لن ترضع ابنها بحليب امرأة أخرى لم يخضع لفحوص طبية. فمن المهم معرفة ما إذا كانت الأم المتبرعة مريضة أم لا، تدخن أم لا، تتعاطى المخدرات أم لا، وأخيرا ما إذا كانت تستخدم طرقا صحية 100 في المائة في سحب وحفظ الحليب.

لجنة الرقابة الصحية في البرلمان الألماني حذرت بدورها من شراء حليب الأمهات على الإنترنت. وقال متحدث باسم اللجنة إنه لم يسمع عن «بورصة حليب» مماثلة في ألمانيا، لكن هذه العروض معروفة في الولايات المتحدة وكندا وفرنسا. وربما تستخدم الألمانيات هذه العروض التي ترد على صفحات الإنترنت في الدول القريبة، مثل فرنسا والنمسا وسويسرا. ويمكن على الإنترنت العثور على بعض المواقع التي تتخصص في بيع حليب الأمهات مثل «حليب بشري لأطفال البشر» و«إيتس أون فيتس».

وأكدت جيباور أن حليب الأم ليس «نتاجا معقما»؛ لأنه يحتوي على الكثير من البكتيريا، لكن الأمر يعتمد على نوع هذه البكتيريا، وما إذا كانت مرضية أم لا. ويمكن لأنواع خطيرة من الفيروسات أن تنتقل عبر حليب الأم، وخصوصا فيروسات مرض الإيدز، وفيروسات التهاب الكبد - ب، وفيروس «سايتوميغالي CMV» الذي يسبب الحلأ (Herpes)، والأخير قد يكون غير ضار عند البالغين، لكنه قد يشكل خطورة على الرضيع.

الملاحظة الثانية هو أن حليب الأم يتغير طبيعيا مع تطور عمر الطفل، ويوصل إلى الرضيع ما يحتاجه في كل سن. ولهذا فمن الضروري أن تتطابق سن طفل الأم المتلقية مع طفل الأم المتبرعة على الإنترنت. ويحتوى حليب الأم الحقيقية على أجسام مضادة نشأت بالضبط كرد فعل على ما تحمله الأم نفسها من أمراض.

حليب الأم يقلل آلام الطفل ويقلل عرضته إلى البدانة مستقبلا، وكان الباحثون الفرنسيون توصلوا، من خلال دراسة موسعة، إلى أن رضاعة حليب الأم يقلل إحساس الرضيع بالألم. أجريت الدراسة على 180 ر‏ضيعا بهدف الكشف عن تصرفاتهم تجاه محفزات الألم، بعد أن تم تقسيمهم إلى أربع مجموعات. وعمد الأطباء إلى سحب الدم من أوردتهم وهم في أوضاع وحالات مختلفة في سبيل المقارنة. تم سحب الدم من أطفال المجموعة الأولى بينما كانوا منهمكين في الرضاعة، ومن أطفال المجموعة الثانية بينما كانوا في أحضان أمهاتهم ولكن دون رضاعة، ومن أطفال المجموعة الثالثة بينما كانوا يتلقون جرعة ماء، وأطفال المجموعة الرابعة بينما كانوا يتلقون ماء محلى بالسكر، أو أثناء مص المصاصة (البزازة) أيضا. مع ملاحظة أن أطفال المجموعتين الثالثة والرابعة كانوا يرقدون على سرير الفحص وليسوا على أذرع أمهاتهم.

وتبين من التجربة أن 16 طفلا من 44 في مجموعة الرضاعة لم يكشفوا عن رد فعل أثناء وخز الوريد بالحقن. إلا أنه لا حضن الأم وحده، ولا جرعة الماء، كانا كافيين لتجنيب الطفل ألم سحب الدم من الوريد. وتفاجأ الأطباء حينما وجدوا أن رد فعل الأطفال في مجموعة الرضاعة ومجموعة الماء المحلى والمصاصة كان متعادلا. وفسروا هذه الحال بأنها جذب انتباه الطفل بعيدا عن الحقنة بواسطة المذاق الحلو.

وتشير دراسة ألمانية إلى أن الأمهات اللاتي يرضعن أطفالهن لفترة ستة أشهر في الأقل، قد يحصنَّ أطفالهن في المستقبل من التعرض إلى البدانة بسهولة. وذكر البروفسور بيرتولد كوليتسكو، من عيادة الأطفال في جامعة ميونيخ التقنية، أن رضاعة الطفل لفترة ستة أشهر من ثدي الأم تقلل خطورة البدانة عليه بنسبة 40 في المائة في المستقبل. وفسر كوليتسكو هذه الحقيقة على أساس أن حليب الأم يحتوي على نسبة عالية من عامل النمو الجلدي «Epidermal» وعلى عامل «TNFa» اللذين ثبتت قدراتهما مختبريا على كبح تكاثر ونمو الخلايا الدهنية.

وخلص كوليتسكو إلى هذه النتائج من خلال دراسته لعلاقة الرضاعة ببدانة الأطفال في سجلات مدارس ولاية بافاريا لسنة 1997، وشملت نحو 13345 تلميذا. وتكشف المقارنة التي أجريت حول علاقة الوزن بالرضاعة في 9206 حالات، لأطفال من عمر 5 - 6 سنوات، عن أن الرضاعة عملت فعلا على تقليل مخاطر البدانة بين أطفال المدارس. وعملت الرضاعة لفترة 6 أشهر على تقليل خطر البدانة بنسبة 30 في المائة، وتقليل مخاطر ارتفاع الوزن بنسبة 40 في المائة. واعتبر كوليتسكو دراسته من أكبر وأوسع الدراسات حول علاقة الوزن بالرضاعة، وقال إن نتائجها ثابتة.

وكانت دراسة أميركية شملت 2277 طفلا قد كشفت عن أن الرضاعة تقوي مناعة الطفل ضد التهابات القصبات وأمراض الجهاز التنفسي عموما. وأشارت الدراسة التي أجريت على أطفال من عمر يتراوح بين 6 - 18 شهرا، إلى أن مناعة الطفل ضد أمراض الجهاز التنفسي ترتفع كلما زاد عدد أشهر رضاعة الطفل من ثدي أمه. واتضح من الدراسة أيضا أن الطفل الذي رضع أربعة أشهر فقط من ثدي أمه فقط كان أكثر عرضة، وهو ابن سنتين، خمس مرات للإصابة بالتهاب الرئة، وأكثر عرضة مرتين للإصابة بالتهاب الأذن الوسطى.

وعبرت جيباور عن خشيتها من أن يكون الربح هو الهدف الأساسي لصفحات بيع حليب الأمهات على الإنترنت. ويشمل هذا الشك بالذات بعض الصفحات المعروفة في الولايات المتحدة الأميركية، التي تعرض حليب الأم أحيانا مقابل 100 دولار للتر الواحد. وغير معروف ما إذا كانت الأمهات المتبرعات يستخدمن أساليب غير صحية لتكثير حليبهن، كما أنه من غير المستبعد أن يجري خلطه بالماء.

ولذلك تنصح جيباور النساء الألمانيات، اللاتي يتكون الحليب عندهن بغزارة، إلى التبرع به إلى أقرب بنك للحليب البشري. فهذه البنوك عبارة عن مؤسسات صحية بالغة الحذر، يجري فيها فحص المرأة المتبرعة، كما يفحص أي مريض، أو كما يفحص أي متبرع بالدم، قبل السماح لها بالتبرع. ويجري هنا أيضا ضخ الحليب من الصدور بواسطة أدوات معقمة 100 في المائة. ومن المشكوك فيه أن تتوفر في البيت أمام الأمهات المتبرعات، إمكانيات تعقيم المضخات والأنابيب بدقة كافية.

ومعروف أن نسبة 80 في المائة من الأمهات الألمانيات يبدأن رضاعة الطفل حديث الولادة من الصدر، إلا أن هذه النسبة تنخفض بسرعة بعد أسابيع قليلة، بسبب قلة الحليب، أو لأسباب صحية تتعلق بأخذ أدوية معينة، أو لأسباب «تجميلية». وتنصح جيباور الأمهات بالاستمرار في رضاعة الطفل لفترة 6 أشهر، واللجوء إلى بنوك الحليب البشري بدلا من المراهنة على «بورصة» حليب الأمهات على الإنترنت.