تقرير البنك الدولي: لا توجد دولة محصنة ضد آثار التغيرات المناخية

موجات الحر الشديدة ستدمر مساحات واسعة من الأراضي تمتد من الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة

حتى الولايات المتحدة لن تنجو من التغييرات المناخية، وهذا ما شهده الساحل الشرقي لها الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«آمل أن يصيبنا هذا التقرير بصدمة تدفعنا إلى التحرك»، قال جون شلنهوبر مدير معهد بوتسدام الألماني لأبحاث آثار المناخ الذي أعد بالاشتراك مع مجموعة «كلايميت اناليتكس» تقرير البنك الدولي عن تغير المناخ التي نشرت نتائجه أمس.

ويربط التقرير بين فقر الدول وهذه التغيرات المناخية، لكنه يضيف بأن جميع الدول ستعاني نتيجة لارتفاع درجة حرارة الأرض، أما أفقر دول العالم فهي التي ستتضرر بشدة من نقص الطعام وارتفاع منسوب البحر والأعاصير والجفاف.

وتأتي دراسة البنك الدولي فيما تجتمع نحو 200 دولة في الدوحة بقطر في الفترة من 26 نوفمبر (تشرين الثاني) إلى السابع من ديسمبر (كانون الأول) في مسعى لتمديد اتفاقية كيوتو الحالية بشأن الحد من غازات الاحتباس الحراري في الدول المتقدمة والتي تستمر حتى نهاية العام.

وفي حين أن هذه النتائج التي يعرضها التقرير لا تضيف سوى القليل من المعلومات الجديدة بالنسبة لتوقعات علماء المناخ، إلا أنها تشكل ضغطا على المجتمع الدولي للتقدم في مفاوضات تغير المناخ المتعثرة.

وفي آخر محادثات الأمم المتحدة حول المناخ، والتي عقدت بمدينة دربان في جنوب أفريقيا في ديسمبر 2011. توصل المتفاوضون إلى التعهد ببحث اتفاق أوسع نطاقا طويل المدى حول المناخ، ولكن مع تأجيل اتخاذ القرار إلى ديسمبر 2012 حول تمديد العمل ببروتوكول كيوتو. وتنتهي فترة سريان بروتوكول كيوتو التي استمرت خمسة أعوام الشهر المقبل.

وبعد محادثات دربان، بقي أيضا السؤال قائما ما إذا كان سيجري تمديد سريان بروتوكول كيوتو إلى عام 2017 أم 2020.

وفي عهد رئيس البنك الدولي الجديد جيم يونغ كيم تبنت جهة الإقراض الدولية موقفا أكثر نشاطا لوضع تغير المناخ في خطط التنمية. وقال كيم للصحافيين في مؤتمر بالهاتف، كما جاء في تقرير وكالة رويترز من واشنطن: «لن ننهي الفقر إذا لم نعالج تغير المناخ. إنه واحد من أكبر التحديات للعدالة الاجتماعية الآن».

وتحدث كيم باعتباره أول عالم يرأس البنك الدولي عن دليل علمي «دامغ» على أن تغير المناخ هو من صنع الإنسان وحث الدول على أن تفعل المزيد. وقال كيم إن 97% من العلماء يتفقون على حقيقة تغير المناخ.

والتقرير الذي يحمل عنوان «التصدي لارتفاع حرارة الأرض» يسلط الضوء على الأثر المدمر لظاهرة الاحتباس الحراري بمقدار أربع درجات مئوية بحلول نهاية القرن وهو السيناريو المرجح وفقا للسياسات الحالية حسبما أشار التقرير. ويفيد التقرير أن هذا الارتفاع بدرجات الحرارة سيتسبب في ارتفاع مستوى البحار بين نصف المتر ومتر واحد بحلول عام 2100. ما يسفر عن تكرر موجات الحر الشديدة سنويا بدلا من وقوعها حاليا بفاصل مئات الأعوام، بل وربما يؤدي ذلك إلى الإخلاء التام الإجباري لبعض الجزر أو المناطق.

وقال كيم إنه حتى الهدف الدولي الرامي إلى تقليص معدل ارتفاع درجات الحرارة إلى درجتين مئويتين فقط «سيسبب بالفعل أضرارا شديدة ومخاطر، ولا سيما للدول الأكثر تعرضا للخطر والأكثر فقرا».

وكانت قد اعتبرت ماري كارمل جان ماري وزيرة مالية هايتي أن مشاكل البيئة تمثل أهم الأخطار لبلادها مذكرة بأن التقلبات الجوية الأخيرة تسببت بخسائر مادية جسيمة. وجاء ذلك خلال اجتماع مجموعة الدول الهشة (جي بلاس) التي تضم 17 بلدا فقيرا. وتطالب هذه الدول بمساعدات وقروض بشروط أفضل. قال ممثلو دول المجموعة التي تضم البلدان الأضعف في العالم الأربعاء الماضي في ختام اجتماعهم الوزاري الثاني أن «المساعدة يجب ألا تكون مشروطة».

في ختام الاجتماع طالب هؤلاء في هايتي، التي ضربتها الإعصار وتعرضت إلى كارثة طبيعية، الدول المتطورة «باحترام سيادة الدول النامية» ودعت المجموعة إلى إبرام «عقد جديد» مع الدول المانحة.

وتضم مجموعة «جي بلاس» 17 دولة معظمها في أفريقيا. وتنتمي هايتي وأفغانستان وتيمور الشرقية وبابوا وجزر سليمان وجزر القمر إلى هذه المجموعة أيضا.

ويرى كثير من الخبراء أن ارتفاع درجة حرارة المناخ بواقع درجتين مئويتين هو الحد الأقصى الذي يمكن أن تتحمله البيئة دون أن تتضرر بشكل بالغ. ولكن بعض سيناريوهات اللجنة الدولية للتغيرات المناخية لا تستبعد ارتفاع درجة حرارة المناخ بواقع ست درجات مئوية حتى عام 2100.

وجاء في التقرير أن تأثير التغير المناخي أصبح ملموسا بالفعل فقد وصل مستوى الجليد في القطب الشمالي حدا أدنى قياسيا في سبتمبر (أيلول) وأصابت موجات الحرارة الشديدة والجفاف في العقد الأخير أماكن مثل الولايات المتحدة وروسيا مرات أكثر من المتوقع من السجلات التاريخية.

ومن المرجح أن يصبح مثل هذا الطقس المتطرف النموذج «العادي الجديد» إذا ارتفعت درجات الحرارة أربع درجات وفقا لتقرير البنك الدولي. ومن المرجح أن يحدث هذا إذا لم تلتزم جميع الدول بالتعهدات التي قطعتها لخفض انبعاث غازات الاحتباس الحراري. وحتى مع افتراض التزام الجميع الكامل فإن درجة حرارة العالم سترتفع ثلاث درجات بحلول عام 2100.

وفي هذا المناخ الأشد حرارة فإن مستوى البحر سيرتفع بواقع ثلاثة أقدام ويغمر مدنا في أماكن مثل فيتنام وبنغلاديش. وسيزداد الجوع والفقر سوءا نتيجة لندرة المياه وانخفاض إنتاج المحاصيل الزراعية.

وورد في التقرير أن موجات الحر الشديدة ستدمر مساحات واسعة من الأراضي تمتد من الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة.

وحتى الولايات المتحدة صاحبة الاقتصاد الأقوى في العالم فإنها ستتأثر كثيرا من جراء ذلك. وأعلن علماء أميركيون أن ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي بواقع درجتين مئويتين يمكن أن يخفض إنتاج نبات الذرة في البلاد بواقع 6%. واعتمد الباحثان إيثان باتلر وبيتر هويبرس، من جامعة هارفارد الأميركية، في دراستهم على تحليل البيانات الخاصة بإنتاج الذرة في نحو 1600 مقاطعة أميركية في الفترة بين عامي 1981 و2008 مقارنة بتطور درجات الحرارة في هذه المناطق.

ونشر الباحثان نتائج الدراسة في مجلة «نيتشر كلايميت تشينج» البريطانية المعنية بأبحاث التغير المناخي.

يشار إلى أن الذرة من أهم المحاصيل الزراعية في الولايات المتحدة، حيث يعتمد عليه هناك في إنتاج الكثير من المواد الغذائية، بالإضافة إلى أن كميات كبيرة منه تستخدم في تغذية الماشية وهو ما جعل العلماء يدرسون مدى تأثر إنتاج محصول الذرة بارتفاع درجة حرارة المناخ.

وأكثر الشهور حرارة في الشرق الأوسط وهو يوليو (تموز) يمكن أن تزداد فيه درجات الحرارة بمقدار تسع درجات عما هي عليه الآن وهي درجات حرارة تشهدها الصحراء الليبية.

ويضيف جون شلنهوبر أن الأثر المجمع لكل هذه التغيرات يمكن أن يصبح أكثر سوءا ويحمل آثارا لا يمكن التكهن بها ولن يتسنى للناس التكيف معها.

وشلنهوبر الذي درس نظرية الفوضى كعالم فيزياء قال «إذا نظرت إلى كل هذه الأشياء معا مثل الأعضاء التي تتعاون في جسم الإنسان يمكنك أن تفكر بشأن تسارع هذه الورطة». وأضاف: «الصورة تبين أن هذا ليس المسار الذي نريد أن يسير فيه العالم».

والعلماء مقتنعون بأن ارتفاع درجات حرارة الأرض في القرن الماضي نجم عن التركيز المتزايد لغازات الاحتباس الحراري الناتجة عن أنشطة البشر مثل حرق الوقود الأحفوري والتصحر.

واعترف باحثون في العلوم من كل الدول الصناعية الرئيسية في بيان مشترك عام 2010 بنتائج اللجنة التابعة للأمم المتحدة المشكلة من حكومات بشأن التغير المناخي. وقال كيم إن البنك الدولي يزمع وضع التغير المناخي مع التنمية في برامجه.

وفي العام الماضي ضاعف البنك الدولي تمويله لدول تسعى إلى التكيف مع التغير المناخي ويشارك الآن بمبلغ 2.‏7 مليار دولار في صناديق استثمار خاصة بالمناخ في 48 دولة. كما أنه دعا الحكومات إلى ضخ تريليون دولار، تدفعها حاليا لدعم الوقود الأحفوري، في تعزيز البنية التحتية «الخضراء» من أجل خفض انبعاثات الكربون.

وتعد هذه المبادرة واحدة من عدة مبادرات يروج لها البنك مع صدور أحدث تقاريره بشأن ظاهرة الاحتباس الحراري والذي يحمل اسم «اخفض الحرارة».

وحذر كيم أول من أمس الأحد من أن مناطق ساحلية كبرى مثل موزمبيق وبنغلاديش من المحتمل أن تواجه اختلالات كبيرة على مدى القرن المقبل، إذا استمر الاحتباس الحراري على مساره الحالي. وينحى باللائمة على ارتفاع درجات حرارة المحيطات، التي تتسبب في ذوبان مناطق شاسعة من القمم الجليدية القطبية، وأيضا في زيادة عنف العواصف والأعاصير.

وذكر كيم بالعاصفة الأخيرة التي ضربت الساحل الشرقي للولايات المتحدة قائلا: «أعتقد أن إعصار ساندي وضع قضايا تغير المناخ في بؤرة التركيز بشكل أكبر، وخصوصا هنا في الولايات المتحدة، بل وفي مناطق أخرى على ما أعتقد». في إشارة إلى العاصفة الهائلة التي ضربت نيويورك ونيوجيرسي في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وأدت إلى مقتل أكثر من 100 شخص وألحقت أضرارا كبيرة في مناطق ضخمة مكتظة بالسكان على الساحل الشرقي.

وأعد معهد «بوتسدام» الألماني لبحوث وتحليلات التأثيرات المناخية التقرير «اخفض الحرارة» العلمي قبيل مؤتمر الدوحة. ويعطي التقرير لمحة سريعة لأحدث علوم المناخ، حيث يقول إن كوكب الأرض في طريقه لترتفع درجة حرارته بأربع درجات مئوية بحلول عام 2100. كما خلص التقرير إلى أن التعهدات الحالية بتقليل الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري لن تجدي بشكل كبير في مواجهة ارتفاع درجات الحرارة.