بن عاشور: التحدي الأساسي الذي يواجهه العرب حاليا هو صون مكاسبهم الاجتماعية والثقافية

المدير العام لمنظمة «الألسكو»: السلفيون المتطرفون لا يستطيعون التأثير في الثقافة وأهلها لكنهم قادرون على التأثير في المجتمعات

أكد بن عاشور أن أكثر ما يخشاه هو الخطورة الكبيرة التي تهدد الحرم الجامعي في هذه الفترة («الشرق الأوسط»)
TT

قال محمد العزيز بن عاشور، المدير العام لمنظمة التربية والثقافة والعلوم (الألسكو)، إن التحدي الأساسي الذي يواجهه العالم العربي حاليا هو «كيف نقدر على صون مكاسبنا الاجتماعية والثقافية التي تحصلنا عليها في الجزء الأول من القرن العشرين، بما في ذلك قيم التسامح والانفتاح وقبول الآخر، والمكاسب التي تخص المرأة العربية وخاصة في تونس ومصر، وغيرها من الدول العربية التي ساهمت في البناء، ونخشى اليوم أن يقع تراجع عن هذا».

وأكد في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن أكثر ما يخشاه هو الخطورة الكبيرة التي تهدد الحرم الجامعي في هذه الفترة، وقال إن «من يقوم بنشر المعرفة يجب أن يصان ويحترم. ونشاهد اعتداءات على المبادئ التي تأسست عليها المؤسسات التربوية والجامعية»، وربط ظهور هذه الظاهرة بـ«يأس طلابي لدى الدول العربية، فالطالب يحضر اليوم في الجامعة وهو يائس، وهذا ما يجعل له قابلية للآراء المتطرفة والظلامية»، موضحا أن «اليأس يؤثر على الجو العام ويكون ذريعة للمتطرفين الذين يعتمدون العنف».

وحول الحركات السلفية المتطرفة، وخاصة التي تعتمد العنف منها والتي ظهرت مؤخرا في دول «الربيع العربي» خاصة في تونس ومصر، قال بن عاشور: «هم لا يستطيعون التأثير في الثقافة وأهلها، لكنهم قادرون على التأثير في المجتمعات، فهم يعرقلون ويقومون بجرائم ضد الثقافة»، مشيرا إلى أنه «لا بد من مراعاة بعض الخصوصيات الثقافية ومشاعر الناس، والدولة هي المسؤولة على صيانة مشاعر الناس وعلاقتهم بالمثقفين، وليس للمتطرفين القيام بهذا الدور»، مؤكدا أن «تأثيرهم يصبح محدودا عند وجود دولة قوية، لأن هؤلاء لا يفهمون إلا لغة العنف، والتاريخ يعلم الجميع، والدولة لها اختيارات، والضمان بالنسبة لها هو أنها لا بد أن تكون قوية بردعها للسلوكيات الخارجة عن القانون وبشرعيتها».

وأضاف أن «غالبية الناس يفضلون موقف ردع قوي من الحكومة ضد التطرف في كنف القانون. وكبرى الديمقراطيات قوية جدا في تطبيق القانون».

كما ذكر أنه في مؤتمر المنامة الذي عقد الأسبوع الماضي، بحضور كل وزراء الثقافة العرب، تم التعرض لهذا الموضوع وتم إصدار «إعلان المنامة»، وقال بن عاشور إن «أهم ما جاء فيه أن تقوم الدول بردع والتصدي لكل أشكال التطرف لمن يسمون أنفسهم السلفيين، وصون المثقفين ونشر الفكر التنويري». وأكد رئيس (الألسكو) أن الردع مطلوب والدفاع عن حقوق المثقفين والثقافة، وقال: «لذلك، طالبنا كمؤتمر للوزراء أن تسعى الدول لتسهيل المنتج الثقافي من بلد لآخر وأن تسعى لتنظيم القمة الثقافية، والمملكة العربية السعودية عبرت عن استعدادها لاستضافة هذه القمة. وندعو لرفع النسبة الخاصة بالثقافة من الميزانية، وأطلب تدخل الدولة على شكل استثمار وليس دعما فقط، والمحتوى الإبداعي والثقافي هذا شأن الفنان، وليس للدولة دخل فيه إلا في نطاق القانون إذا تم المس بمشاعر الناس ومقدساتهم».

وحول دور منظمة التربية والثقافة والعلوم في تصحيح نقل الصورة الصحيحة للعالم العربي والإسلامي التي تعرضت لكثير من التشويه في الماضي، قال بن جعفر إنه «للأسف، الصورة موجودة بين يدي غيرنا والمتطرفون يسيطرون عليها، وينبغي أن تكون لنا سياسة اتصال تركز على نجاحاتنا في بعض القطاعات والتعريف بفنانينا لدى الغير وبأمجاد الحضارة العربية الإسلامية، ومساهمتها في الحضارة الإنسانية، لأن هناك جزءا يقوم بمساهمات مهمة في العصر، لا بد أن يكون للعربي صحافة وإعلام مختص».

وحول معهد منظمة (الألسكو) الخاص بالاستشراف ودراساته المستقبلية، وهل كان قد قدم أي دراسة أو توقعات حول قيام الثورات في البلدان العربية، قال بن عاشور: «كان هناك وعي لدى المستشرفين والمتابعين بضرورة الإصلاح، وكان الناس في انتظار إصلاح المجتمع، خاصة في المنظومة الثقافية والتربوية بصيانة حقوق المؤلفين، وبضرورة المحافظة على التراث، وكان الجميع ينتظر الإصلاح، ولكن الثورات لم تكن متوقعة إلا أن دراساتنا كانت تطالب بوجود إصلاحات».

وعن الصعوبات التي تواجهها المنظمة في تطبيق برامجها، خاصة بعد التغييرات الأخيرة التي شهدتها دول كثيرة في المنطقة والوضع في سوريا، قال رئيس (الألسكو) إن منظمته «حكومية، وأعضاؤنا هم الدول التي لهم حق السيادة، ونحن نسعى لأن يكون هناك تنسيق تام مع الوزارات العربية، ولنا لجنة فيها ممثلون عن الوزراء أنفسهم، فعملنا هو بالتنسيق التام مع الحكومات والتوصية بالانفتاح ومراجعة المضامين».

وحول أهم الأعمال التي تعمل عليها المنظمة في الوقت الحالي، قال بن عاشور إن «من أهم الأعمال التي نقوم بها حاليا هي الاهتمام بالتنسيق لتطوير التعليم في الوطن العربي، والخطة موجودة بقرار من القمة العربية في 2008، وعيا من الجميع بضرورة الجودة في التعليم». وأضاف: «وأنشأنا برامج حول تحسين الجودة في التعليم العربي، وقد توصلنا في اجتماعاتنا إلى أننا نجحنا في رفع نسبة التمدرس، لكن على حساب الجودة، والآن حصلنا على شراكة من البنك الدولي لتعيننا فنيا وماديا للعمل على مجال الجودة».

وشرح: «وزعنا برنامجنا على خمسة محاور، وكل محور تحتضنه مؤسسة حكومية أو غير حكومية، تستفيد منها كل الدول، وانطلقنا منذ 2011 في تطبيقه، ويتم بالتنسيق مع الدول. وأنا حريص على أن يمر من المضامين التي يجب أن تحتوي على قيم الانفتاح والتسامح، كما نعمل على تطوير التراث، وتمكين الشباب والمجتمعات من الدخول في الحداثة، انطلاقا من المعرفة بجذورنا».

كما أكد اهتمام المنظمة ثقافيا بآفاق ومستقبل اللغة العربية السليمة التي «أصبحت مهددة في مجتمعات، لا بد أن يصبح شبابنا قادرا على فهم العصر انطلاقا من لغته، بالتنسيق مع عدة شركاء».

كما أن «الألسكو» تعمل على «صيانة التنوع الثقافي وحتى اللغات واللهجات المحلية، كذلك تسعى المنظمة لكيلا تكون فقط بيت خبرة العرب، إنما نحن منبر للضمير العربي وفضاء يجمع المثقفين العرب الذين يؤمنون بأن لا فضاء لنا خارج النطاق التنويري».

وحول النشاطات العلمية للمنظمة، قال: «طورنا قطاع التراث، وأسسنا برنامجا للتعريف بتراثنا وإبراز قيمة هذا العنصر في تغذية الهوية، ونحرص على المشاركة في مختلف المحافل التي تتعلق بمسائل مثل مسألة المياه في العالم العربي، ومسألة الطاقات البديلة. كما نهتم بتشجيع الشباب على البحث العلمي، حيث نخصص جائزة للمبدعين الشبان، وندعم الملتقيات العلمية في مختلف المناطق العربية، وتوفر المنظمة الخبراء وتجمع شملهم في مجال العلوم. كما نكون العلماء المختصين في الآثار بالتعاون مع منظمة (الأيكروم) التابعة لـ(اليونيسكو)، وأسسنا مركزا في الشارقة بدعم من أميرها، انطلق العمل فيه منذ 2012».