فنانون مصريون: فيلم «ساعة ونص» استشراف سينمائي لحادثة قطار أسيوط

عادل إمام لـ«الشرق الأوسط»: الفن يبني المجتمع.. ونظرة المسؤولين له يجب أن تتغير

TT

لم تكف السينما المصرية عن تجسيد مشاكل وهموم المصريين ومعاناتهم على شتى الأصعدة الإنسانية، ولم تغب عن عدسة الكاميرا مشاهد حوادث القطارات التي أصبحت تتكرر بصورة مقلقة ومفزعة في مصر، وكان أحدثها حادث قطار منفلوط بالصعيد.

فبعد أشهر قليلة من عرض فيلم «ساعة ونصف» للكاتب حمد عبد الله الذي تناول فيه أحداث كارثة حريق قطار العياط المروعة من خلال حبكة درامية لمجموعة من الحكايات والقصص الإنسانية المختلفة التي أبكت كل من شاهدها، جاءت توليفة سينمائية جديدة دعم نجاحها الاعتماد على مادة حية من الواقع، لكن توليفه كارثة قطار منفلوط ليست من صنع مؤلف لكنها من صنع الإهمال الذي راح ضحيته أكثر من خمسين طفلا وإصابة العشرات، كانوا يستقلون حافلة في طريقهم للمدرسة. وهو ما يطرح سؤالا مهما حول علاقة الفن بالسلطة، ونظرة المسؤولين للفن ودوره في الرقي بالذوق والوجدان العام للمجتمع.

فيلم «ساعة ونصف» الذي أخرجه وائل إحسان وشارك فيه كوكبة من نجوم الفن، قدم رسائل تحذيرية وواضحة لما يحدث من كوارث على قضبان السكك الحديدية، أهم مرفق للمواصلات في مصر. لكن كالعادة لم يلتفت أحد من المسؤولين لفحوى هذه الرسالة، وما تشير إليه، فلا يزال الفن في نظرتهم مجرد أداة ترفيهية لشغل وقت الفراغ.

المثير للتساؤل أن هذا ليس العمل السينمائي الوحيد الذي ناقش قضايا ومشاكل القطارات بمصر، فثمة أعمال فنية كثيرة سبقته وكانت هموم ومشاكل القطارات محور الصراع فيها، ومنها أفلام «ضد الحكومة» للراحل أحمد زكي، و«بطل من ورق» للفنان ممدوح عبد العليم وآثار الحكيم، و«القطار» للفنان نور الشريف، «المنسي» لعادل إمام، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «إن أغلب أعماله قدمت مواضيع تستحق المناقشة والنظر إليها، واستشهد إمام بدوره في فيلم (المنسي)، حيث جسد دور عامل تحويله في السكة الحديد، وأكد أن هذا الدور كان بمثابة درس لعمال التحويلة، حيث كان يحرص الموظف في العمل على أرواح المواطنين».

وحكى إمام عن أحد المشاهد عندما أصاب «يوسف» البطل في الفيلم بإعياء شديد، لكنه رغم ذلك تحامل على نفسه لوضع كبسولة القطار. حتى يمر بأمان. ولفت عادل إمام إلى أن حل هذه المشكلة ليس بإقالة الحكومة، وإنما بإعادة هيكليه المنظومة بأكملها. مؤكدا أن الفن يبني المجتمع ونظرة المسؤولين له يجب أن تتغير.

ويقول المخرج خالد يوسف، صاحب فيلم «دكان شحاتة» الذي تنبأ بحدوث ثوره 25 يناير، إن «السينما ستظل تناقش الواقع وستظل تجسد ما يحدث في المجتمع من قضايا وكوارث، فهناك أفلام مهمة تقدم رؤية مستقبلية لبعض الأحداث التي عاشها المواطن العادي وسيعيش فيها لاحقا، لكن للأسف لا يؤمن رجل السياسة بالفن ويعتبره كيانا تابعا له فقط في لهو الجمهور عن أزمة أو حدث ما».

ويوضح يوسف أن الفن يحمل بعدا استشرافيا للمستقبل الذي نعيش فيه، ويحمل رؤية تساعدنا على أن نفهم معنى الحياة، ويتوقع يوسف أن المجهود سيكون مضاعفا في الفترة المقبلة لتوصيل رسالة الفن، موضحا أن أزمات الفن في النظام الحالي أكثر من النظام السابق، لأن القائمين على الحكم - على حد قوله - ينظرون إلى الفن بشكل سطحي وفي أطر وأغراض ضيقة، وإذا لم يتحقق ذلك يقع الفن فورا في خانة الكُفر.

واتفقت مع المخرج خالد يوسف الناقدة ماجدة موريس، التي قالت: «إن العلاقة معدومة بين الفن وصانعي القرار في مصر، بل إنهم يتعاملون مع الفن على أنه شيء تافهة»، مشيرة إلى أن ذلك قد يرجع إلى أن صناع السينما لا يقدمون وجهات نظر المسؤولين الرسمية في أفلامهم.

وأضافت موريس قائلة: «نحن نعيش مرحلة فنية صعبة في ظل الظروف الحالية التي يمر بها المجتمع الحالي، ومن المفترض أن الفن الجاد يعبر عما يحدث في الحياة ويكون فيه رسالة تنبيه للمسؤولين في الدولة ويستفيدون منها. وأعطت موريس مثالا بفيلم «ساعة ونصف» الذي قدم رسائل عما يحدث داخل القطارات والكوارث التي تنجم عنها، لكن كون أن الفن «مالوش أي قيمة» لديهم ولا ينظرون إلى ما يقدمه، فبديهي أن تتكرر مثل هذه الكوارث وأن نفاجأ بكارثة قطار أسيوط.

وخلصت موريس إلى أننا أصبحنا أمام منظومتين مختلفين، فالدولة لا تحب الثقافة والفن ولا تحترمها إلا في احتفالات الحاكم، وعلى الجانب الآخر يجتهد السينمائيون ويقدمون أعمالا تستحق الإشادة والنقاش كفيلم «هي فوضي» للمخرج يوسف شاهين الذي أوضح علاقة الشرطة بالناس.

وترى موريس أن العلاقة بين الفن والمسؤولين السياسيين ستظل مستمرة بهذا الوضع المتردي، ما لم تحدث تحولات حقيقية في المجتمع تعتد بقيم الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وأن تصبح الثقافة هي القاعدة الشعبية لكل ذلك.