الفنان السعودي أحمد ماطر: أخشى أن نتحول من مخاطبة الشارع إلى مخاطبة الأقلية

في حديث حول أعماله المستقبلية و«مشروع مكة» وتركه لـ«إيدج أوف آرابيا»

أحمد ماطر خلال مشاركته في معرض الحج الذي أقيم في المتحف البريطاني (تصوير: حاتم عويضة)
TT

بعد مشاركته في معرض «جئنا سويا» الذي أقيم في لندن في الشهر الماضي أعلن الفنان السعودي أحمد ماطر تركه لمجموعة «إيدج أوف آرابيا» للفن السعودي المعاصر، وهي المبادرة الفنية الناجحة التي أسسها في عام 2005 وارتبط اسمه بعروضها العالمية الناجحة التي أسهمت في تسليط الضوء على مجموعة شابة من الفنانين السعوديين المعاصرين. ولكن المستقبل بالنسبة لماطر يحمل الكثير من المشاريع القادمة والمشاركات التي يرى أنها تنقله إلى مرحلة جديدة من مشواره الإبداعي، وبالذات المشروع الحالي الذي يسميه «مشروع مكة» ويعتمد فيه على التسجيل البصري لمدينة مكة ثقافيا واجتماعيا في إطار فني.

يقول ماطر في حوار مع «الشرق الأوسط» إن خطوته القادمة بعد «إيدج أوف آرابيا» تحمل أكثر من مشروع: «قطعت عهدا على نفسي أن أقيم مشروعا جديدا أعمل عليه حتى ينجح، ثم أنتقل بعده لأقيم مشروعا فنيا آخر.. وهكذا»، ورغم أن التفاؤل يملأ صوت ماطر، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما إذا كان ذلك يصب في صالحه كفنان، يجيب قائلا: «أعتقد أن ذلك جيد، لأنه سيحافظ على استمرارية تجربتي الفنية، بدلا من أن أستهلك طاقتي في مشروع واحد فقط، فأنا بطبعي نشط وطريقة عملي الفني تعتمد على الاستمرارية بغض النظر عن إمكانية النجاح والانتشار التي تحققها التجربة الواحدة».

يؤكد ماطر في حديثه على أن اهتمامه في المستقبل سينصب حول المشهد الفني المحلي داخل السعودية؛ فبعد النجاح العالمي الذي حققته أعماله وأبرزت اسمه كفنان عرض في المتحف البريطاني وفي متاحف أميركية، وشارك في بينالي البندقية، ويستعد حاليا للمشاركة في بينالي الهند، يصر ماطر على أن هناك الكثير يستطيع أن يقدمه داخل المملكة، يقول: «سأركز على الداخل بشكل أكبر، حيث سأبدأ مشروعا فنيا مع مجموعة من الفنانين الشبان. الفكرة هنا هو أننا سنركز على العمل الفني نفسه، إذا كان نشطا وحيويا سينجح ويجذب جمهورا جديدا له. وربما سيكون ذلك أسهل بالنسبة لي، حيث إنني الآن لدي علاقات ومعارف وتواصل وخبرة أكبر من ذي قبل مع الآخرين».

يحب ماطر أن يؤكد على اهتمامه بالتعاون مع الفنانين الشباب في المملكة، ولكن ذلك لا يلغي بالنسبة له التعاون مع الفنانين الذين تعامل معهم في مبادرة «إيدج أوف آرابيا»، يقول: «بالطبع، باب التعاون مفتوح في كل الأحوال، ولكن من دون أي التزامات تحتكر تجربتي، في رأيي أن الجانب التجاري طغى على (إيدج أوف آرابيا) وأثر على توجهها الأصلي بدعم تجارب الشباب. أنا بالتأكيد آسف على ترك (إيدج أوف آرابيا)، ولكني سعيد أنها تستطيع الآن الانطلاق، وسأظل متابعا لهم بحكم أني مؤسس ولي كامل الحق في إسداء النصيحة».

يشير ماطر إلى أن حركة الفنانين السعوديين تميل إلى تكوين المجموعات، فقبل تكوين «إيدج أوف آرابيا» كانت هناك حركة محلية بعنوان «شتا» وهي التي أسست لحركة الفن المعاصر في السعودية، وشارك فيها ماطر إلى جانب زملائه الفنان عبد الناصر الغارم وعبد الكريم قاسم ومحمد خضر وأشرف فياض. يقول: «(شتا) كانت قبل (إيدج أوف آرابيا) وبعدها ظهرت مجموعة (وقف)، أعتقد أننا نتحرك بشكل مجموعات حتى نفتح مجالات جديدة في الفن».

الحديث عن مجموعات فنية سعودية يطرح السؤال حول مجال العرض أمام الفنانين السعوديين في الداخل، وهل لديهم الفرص الكافية لعرض أعمالهم للجمهور السعودي، يعلق ماطر بقوله: «لا توجد فرص كافية للعرض، ولكن الوضع الآن أفضل من ذي قبل». ولكنه حريص على الاستدراك: «لكن لا أريد أن نقع في خطأ أن تصبح منصة الفن السعودي خارج البلاد، هو خطأ وقعت فيه (إيدج أوف آرابيا). أعتقد أننا يجب أن نعرض فننا في السعودية أولا، وأن نخدم المجتمع أولا، فمثلا (إيدج أوف آرابيا) هي مؤسسة فنية سعودية اعتمدت على أسماء فنانين سعوديين، ولكنها خدمت المجتمع الإنجليزي أكثر، من ناحية إيجاد فرص العمل للسعوديين والعرب. الفكرة هي أن نخلق فرصا محلية تلقى إعجابا خارجيا، فنحن لن ننفصل عن العالم نهائيا».

يرى البعض أن العرض خارج المملكة يوفر فرصا أكثر للتعبير في إطار ثقافي يسمح بوجهات نظر مختلفة، ومن جانبه يرى ماطر أن الفنان عليه مراعاة حساسيات المجتمع، ويضيف: «ليس المهم أن يكون العمل صداميا، بل المهم هو الروح والإبداع، فنرى هذه الأيام أن الأعمال الفنية في السعودية تتمتع بمساحة حرية أكبر في التعبير، وبالتالي تحظى باستقبال أفضل. صحيح أنه لا توجد رعاية فنية من قبل وزارة الثقافة التي أرى أنها مقصرة بشكل كبير، ولكن أيضا الفنانون مقصرون أيضا من جانبهم. فيجب أن يعرضوا أعمالهم بشكل أفضل وإصرار وعزيمة، يجب أن يحركوا الدفة». ويضرب ماطر المثل بمعرض «إيدج أوف آرابيا.. يجب أن نتحاور» الذي أقيم في جدة في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي. المعرض لاقى نجاحا كبيرا في الأوساط السعودية، ومما يحسب له أن قام بعرض الأعمال نفسها التي يعرضها الفنانون خارج البلاد، وخاصة أنه أجيز من جانب وزارة الثقافة. يضيف: «أعتقد أننا يجب أن نتحلى بالشجاعة لعرض أعمالنا محليا، لأن ذلك سيرفع مستوى الوعي لدى المجتمع المحلي. ينبغي الإشارة أيضا إلى ازدياد أعداد المقتنين في السعودية وعدد الغاليريهات أيضا. فهناك أفكار كثيرة ومشاريع جديدة قائمة، ويجب أن نكون داخل هذه المسيرة وليس خارجها».

من يتابع الحركة الفنية داخل السعودية يستطيع أن يلمس الاهتمام المتزايد، وإن كان محدودا، بالفن المعاصر، وفي عدد الغاليريهات التي أنشئت، ما مدى تأثير ذلك في إقناع الجمهور بحضور المعارض الفنية؟ يجيب ماطر بقوله: «في الفترة الأخيرة بدأنا نرى زيادة أعداد الشباب التي تهتم بالاطلاع والمشاركة، وبالذات مع وجود وسائل الإعلام الجديدة، أصبح الفن جانبا مهما من ثقافة الشباب الجديدة، وحتى من لا يعرف الفن جيدا يستمتع به بشكل كبير... أتمنى أن نتوجه للكل وليس لمجموعة من المقتنين بشكل مادي. عندما أعرض عملا للجمهور يجب أن أكون مع الجمهور في غاليريهات يستطيع الجمهور الدخول إليها، يجب أن أتواصل مع الجمهور بشكل مباشر، أخشى أن نتحول من مخاطبة الشارع إلى مخاطبة الأقلية المترفة والتجارة».

ورغم الخوف من سيطرة الجانب التجاري على الفن يبقى الوصول إلى توازن بين الإبداع وتسويق الفن، فماطر وغيره من الفنانين السعوديين أصبحوا من الفنانين الذين يجذبون جامعي الأعمال الفنية، وتشهد على ذلك مبيعات أعمالهم في الصالات الفنية الرائدة، مثل «سوذبيز» و«كريستيز». يعترف ماطر بهذا: «أعتقد أن الفنان يحتاج إلى أن يكون بعيدا عن التجارة في أوقات كثيرة في حياته، لكن في الوقت نفسه هو مصدر جيد للرزق عندما تكون هناك مؤسسة تقوم بذلك بشكل مهني. أنا لست ضد التجارة كمبدأ، ولكن ضد أن يتحول ذلك إلى احتكار يضر بالفن. المؤسسات الفنية يجب عليها أن ترعى الفنان وترعى مشاريعه بدلا أن تهتم بالربح فقط. أريد أن أكون أكثر حركة وأكثر إنتاجا».

خلال مشاركته في معرض «جئنا سويا» في لندن عرض ماطر جانبا من مشروع فني يقوم بالعمل عليه حاليا وهو ما يطلق عليه «مشروع مكة» الذي قدم من خلاله تسجيلا فوتوغرافيا وفنيا ثريا لمشهد مدينة مكة المتغير. يقول ماطر إن المشروع هو «تدوين وتسجيل لحياة مكة بأشكال مختلفة، وهو مشروع طويل يستغرق ثلاث سنوات يتحدث عن حياة مكة بين المكان والسكان. آخر ما صورته كان الحج، كانت تجربة رائعة خرجت منها بروح غير طبيعية. أيضا أحاول قدر المستطاع أن أربط مشروعي بالتاريخ القديم، فمثلا ركزت على أول مصور قام بتصوير مكة وهو عبد الغفار البغدادي، وكان يحمل لقب (طبيب مكة)، وكان هذا مثيرا بالنسبة لي». المشروع يعتمد على التصوير البصري لمكة: «المشروع يتحدث أيضا عن الأجيال الجديدة في مكة، وعن التغيير الثقافي فيها، فمكة هي أكبر مكان مغلق (له خصوصية) في العالم بطبيعته الدينية، وأكثر الأماكن زيارة في العالم في الوقت نفسه، وهو ما أعتبره تناقضا جميلا. الشيء الجميل الآخر هنا هو الذاكرة الحديثة لمكة، حيث نرى كيف يتشكل مستقبل الأجيال الجديدة».

بالنسبة لماطر المشروع يحمل أهمية قصوى؛ فهو يسجل التغيير القائم في تركيبة مكة، الإنشاءات المعمارية وحركة البناء القائمة ستؤثر على سكان مكة، ولكن التأثير سيمتد إلى ما هو أبعد من ذلك: «تغيير وجه مكة سيغير وجه العالم كاملا، بحكم أن مليار مسلم بعد الحج يحملون تجربتهم في الحج ويتفاعلون بها». المشروع يعتمد على التسجيل ويحاول «أرشفة وتسجيل المكان والزمان، وأيضا أرشفة بعض العادات والتقاليد وتجميعها. هذا المشروع أقرب ما يكون إلى الدراسة البحثية، أحاول أن أصدره في قالب فني معاصر هنا سيكون له تأثير أكبر وتواصل أكثر مع الناس».

المشروع الذي مضى على البدء فيه عام ما زال مستمرا، ويتوقع ماطر الانتهاء منه بعد عامين، يقيم بعدها معرضا عن تجربته، وأيضا يصدر كتابا حولها، ويتمنى أن يكون العرض الأول في مكة وليس في غيرها. المشاريع القادمة لماطر تمتد إلى أبعد من مشروع مكة، فجدوله مليء بالأعمال والتحضيرات، فهو يستعد للمشاركة في بينالي الهند الشهر القادم، والكثير من المشاريع الأخرى.