يعمل العلماء الألمان منذ سنوات على تصميم «البيت البيئي» المثالي الذي لا يقتصد في استهلاك الطاقة فحسب، وإنما يطلق أقل ما يمكن من غاز ثاني أكسيد الكربون والغازات الأخرى التي تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.
ويبدو أن الوقت أزف للانتقال مرحلة البيت البيئي، الذي يكتفي ذاتيا بمصادر الطاقة البديلة، إلى مرحلة البيت البيئي الذي ينتج من الطاقة أكثر مما يستهلك. ومثل هذا البيت يعمل عليه مجموعة من العلماء، من «مركز البناء الواعي بيئيا» في جامعة كاسل (غرب)، بالتعاون مع عدة معاهد متخصصة، منها معهد فروانهوفر للأنظمة البيئية، ومعهد التقنية المقدمة في كارلسروهة. وذكر توربن شميت، رئيس مشروع «بيت الطاقة+» في جامعة كاسل أن التأخر في الإعلان عن «بيت الطاقة+» لا يعني عدم إنجاز المشروع، لأنه تم فعلا بناء مثل هذا البيت، إلا أن العلماء يسعون إلى تطوير تقنياتهم بغية الانتقال من بناء البيت الواحد إلى بناء الأحياء، بل والمدن أيضا. وساهمت الحكومة الألمانية بمبلغ مليوني يورو لتطوير حلم البيت الواحد إلى حلم «مدينة الطاقة+».
في هذه الأثناء بدأت سوق «بيت الطاقة+» بالرواج فعلا على يد عدد من الشركات المتخصصة في هذا المجال. وهكذا افتتحت شركة «بينزنكر» للبناء أول بيت من هذا الطرز في ولاية بافاريا الجنوبية، بالقرب من عاصمتها ميونيخ. وتقول مصادر الشركة إنها تلقت عشرات العقود، من مختلف الولايات الألمانية، التي يسعى أصحابها لبناء مثل هذه البيوت.
ويقول كريستيان باومان، رئيس المشروع من شركة «بينزنكر»، إن تفوق «بيت الطاقة+» على «بيت الطاقة - صفر» له أسباب أخرى، غير تلك التي تتعلق بالجانب الاقتصادي. لأن مالك «بيت الطاقة+» قادر على بيع ما ينتجه من طاقة (كهرباء وتدفئة) إلى الجيران، بعد أن يربط شبكة بيته بالشبكة الحكومية. من بين الأسباب الأخرى هو أن سعر بناء «بيت الطاقة+» لا يزيد عن سعر بناء بيت الطاقة - صفر كثيرا، ثم أن الراغب ببناء البيت، الذي ينتج الطاقة أكثر مما يستهلكها، يمكن أن يحصل على دعم حكومي، في إطار دعم وزارة البيئة الاتحادية للمشاريع البيئية.
تحاول شركة «بينزنكر»، حسب تصريحات باومان، أن تستعرض قرب ميونيخ، ما ينطوي عليه مشروع «بيت الطاقة+» من عناصر بيئية وعناصر حداثة إيجابية. فالبيت المعروض يندرج تحت صنف البيوت الجاهزة، التي يجري بناؤها بسرعة، ومن مستوى رفيع. لكن الشركة بنت في ذات الوقت بيتا نموذجيا، قرب مدينة كولون، في ولاية الراين الشمالي فيستفاليا، سيتفوق على بيت ميونيخ. وإذا كان المرسوم لبيت كولون، الذي يندرج ضمن مشروع «بيوت المستقبل»، الذي تدعمه الحكومة الألمانية، أن ينتج 2500 كيلوواط/ ساعة من الطاقة، فإن التطبيقات الأولية تثبت أنه تعدى هذه الحدود.
وتثبت قراءات عدادات الطاقة أن «بيت الطاقة+» قرب كولون أنتج الطاقة، منذ مارس (آذار) الماضي وحتى الآن، بمعدل 4000 كيلوواط/ ساعة أكثر مما استهلك منها. وربما يكمن السبب في أن هذه القياسات جرت في الصيف والخريف، حيث تعمل ألواح خلايا الطاقة الشمسية بقوة، وحيث يتوقف تقريبا استخدام أجهزة التدفئة. والمتوقع، على الرغم من الشتاء المقبل الشديد، أن يواصل البيت إنتاج الطاقة على حساب استهلاكها. مع ملاحظة أن البيت مخصص لسكن عائلة واحدة تتألف من 3 إلى 5 أفراد.
ويمكننا تصور البيت بنوافذ تسمح بدخول أشعة الشمس فقط، ولا تسمح بخروجها، وبذلك تحفظ الطاقة جيدا. ثم أن الجدران والسقوف معزولة جيدا، والأضواء كلها من المصابيح الحديثة التي لا تستهلك الطاقة، ناهيكم عن هندسة البيت بشكل يسمح بدخول نور الشمس الطبيعي إلى الغرف عبر منافذ في السقوف. ويجمع «بيت الطاقة+» مياه المطر في خزان تحت الأرض، ويمكن استخدام هذا الماء في التواليت والتنظيف دون التفريط بماء الشرب في هذه المهمات اليومية.
العملي أيضا في بيوت حفظ الطاقة أن صاحب المِلك مخير بين عدة نماذج لـ«كهربة» البيت. وإذ يفضل البعض الخلايا الضوئية، يفضل البعض الآخر، وخصوصا بالنسبة لـ«بيوت الطاقة - صفر» المراوح الصغيرة التي تعمل على الريح لإنتاج الطاقة. إذ تحولت المراوح الهوائية، التي تستخدم اليوم على مستوى عالمي لإنتاج الطاقة البديلة من الهواء، من مراوح عملاقة إلى مراوح صغيرة يمكن للإنسان تثبيتها على سطح المنزل. وهو ما يعد البشرية بإمكانية التحول بالكامل من المحطات النووية، ومناجم الفحم الضارة بالبيئة، إلى مصادر الطاقة المستمدة من عناصر الطبيعة، مثل الشمس والهواء والماء.
وتعتمد فكرة المراوح الصغيرة على إنجاز إيطالي جديد في عالم الطاقة البديلة، يفي بحاجة بيت واحد أو مجموعة صغيرة من البيوت، من الطاقة. وكانت شركة «وندسيف» الاسكوتلندية قد سبقت بقية العالم في الاتفاق مع شركة «لافرت» الإيطالية لتزويد البيوت الواقعة على السواحل، حيث الرياح القوية، بالمراوح المصغرة المسماة بالـ«ميني». وتشجعت «وندسيف» على اقتناء الاختراع الجديد بعد أن قدرت سلسلة محلات «B&Q» البريطانية المعروفة سوق المراوح الصغيرة في اسكوتلندا بنحو 10 ملايين يورو في السنة.
وتعمل مراوح «لافرت» الصغيرة بمولد للكهرباء يستخدم تقنية التيار المغناطيسي الدائم لإنتاج الكهرباء من الرياح بقوة كيلوواط كامل. وذكرت الشركة في تصريح صحافي أن قوانين أوروبا لا تمنع البيوت المستقلة عن بعضها من نصب مثل هذه المراوح بسبب صغر حجمها. فالمراوح الصغيرة يمكن نصبها على بعد 3 أمتار من المنزل، ويكفي عمود يتيح للريشات الدوران بقطر 2.5 متر لتشغيلها. يبلغ سعر المروحة نحو 2000 يورو، وفضلا عن كونها طريقة بيئية لإنتاج الطاقة، فإنها ستعين المستهلك في خفض استهلاك الكهرباء.
جدير بالذكر أنه تدور حاليا في ألمانيا أكثر من 18 ألف مروحة لإنتاج الكهرباء من الهواء، وتقدر طاقتها بنحو 100 مليار كيلوواط/ ساعة من الكهرباء سنويا. وافتتحت في مدينة ماجدبورج الألمانية عام 2002 أكبر مروحة لتوليد الطاقة من الريح في العالم قادرة على تزويد 15 ألف وحدة سكنية بالكهرباء على مدار الساعة.
والمهم في حالة شركة «بينزنكر» أنهم طوروا طريقة للبناء تتيح لهم بناء البيت حسب الطلب، وتقريبا من نفس المواد. وهذا يعني أن من الممكن بناء البيت كـ«بيت طاقة+»، أو كـ«بيت طاقة - صفر»، أو كبيت عادي. فالمواد، والهندسة التي تقرر طبيعة البيت، مفصولة تقريبا عن بعضها. إذ يمكن تزويد البيت بسقف من ألواح الخلايا الضوئية أو من دونه، وبنظام أقنية لتجميع المطر أو من دونه، أو لنوافذ ذات زجاج خاص بمنع تسرب الحرارة، أو من دونه. ويمكن للشركة أن تزود البيت ببطارية خاصة لحفظ الطاقة الزائدة، أو بمنشأة صغيرة لربط البيت بالشبكة الكهربائية العامة، بهدف تمكين صاحب البيت من بيع فائض الكهربائية لديه.
على أي حال، يعتمد سعر بناء البيت، سواء كان عاديا أو «بيت طاقة - صفر»، أو «بيت طاقة+»، على ما تضيفه الشركة من تقنيات لازمة. وإذا تحدثنا عن بيت اعتيادي من مساحة 120 مترا مربعا، وبكلفة 170 ألف يورو، فإن هذا السعر يرتفع إلى 220 - 240 ألفا حسب استهلاكه للطاقة. وهذا يعني أن إضافة سقف من ألواح الخلايا الضوئية سيضيف 25 ألف يورو إضافي، ومبلغ 7500 إضافي لنظام تجميع ماء المطر، ومبلغ 10000 للبطارية ومنشأة حفظ وبيع الطاقة.. إلخ.