فتيان آلاباما العميان في حفلة موسيقية مثيرة بكاليفورنيا

موسيقى روحية تستلهم الجاز

فرقة المنشدين الموسيقية الشهيرة من ولاية آلاباما المعروفة باسم «الفتيان العميان»
TT

لا يقتصر اسم جيمي كارتر على الرئيس الأميركي الأسبق، بل هو أيضا اسم عميد فرقة المنشدين الموسيقية الشهيرة من ولاية آلاباما، وتعرف باسم «الفتيان العميان»؛ لأن أعضاءها من كفيفي البصر السود رغم تقاعد البعض منهم واستبدال عناصر شابة بهم، لكن عميدهم جيمي كارتر البالغ 82 سنة يفوق الجميع حيوية وحماسة، ويجذب جمهور المتفرجين وينقلهم إلى ذروة الطرب والنشوة.

افتتحت جمعية لاهويا الموسيقية الراقية موسمها هذا العام بتقديم الموسيقى الروحية لأول مرة بدل الموسيقى الكلاسيكية، وقد امتزجت مع عزف الدكتور جون وفرقته الموسيقية من ولاية نيو أورلينز بالكثير من موسيقى الجاز والبلوز. وهذا النوع الأخير ظهر لأول مرة في ريف الولايات الجنوبية في القرن التاسع عشر، ويتميز بغناء ينفرد فيه المطرب وحده حين يصف أفراح ومآسي ورغبات الزنوج في الاندماج والقبول لدى المجتمع الأبيض بعد إلغاء العبودية.

يحتل السود مكانا مرموقا في عالم الموسيقى في الولايات المتحدة منذ أن ساهموا في تطوير موسيقى الجاز قبل مائة عام ونشروها في العالم. وصل أوائل السود من أفريقيا إلى أميركا عام 1619 وعملوا خدما وشغيلة لدى المستوطنين الإنجليز في القارة الجديدة، وتبعهم آلاف العبيد الذين أنتجوا القطن والغذاء في المزارع. رغم إلغاء العبودية بعد الحرب الأهلية عام 1865 بقي التمييز ضد السود منتشرا؛ فكانوا يلجأون إلى الغناء للتنفيس عن تعاستهم، وحسب التقاليد الأفريقية كان زعيم العمال الزراعيين ينشد ويغني ويردد أتباعه الغناء وهم يحاولون ضبط النغم والإيقاع. أصول الأفريقيين من غرب أفريقيا الوثنية أو الإسلامية كانت تدعوهم للتآخي والإيمان بالآخرة؛ لذا انتشرت المسيحية بينهم في تلك الفترة؛ حيث اكتشفوا المساواة والقبول في المجتمع، ونشأت الموسيقى الروحية المميزة لديهم لتمجيد رب الأعالي.

حفلة «الفتيان العميان» السود كانت فتحا جديدا في خلط أغلب أنواع الموسيقى الأميركية الصرفة من موسيقى الإنجيل والإيمان مع الموسيقى الشعبية والجاز والبلوز في قالب إيقاعي واضح، يبدأ بشكل هادئ ويتطور تدريجيا إلى نغمات سريعة وإيقاع قوي متسارع يشبه الموسيقى الصوفية في المغرب العربي. تعتبر هذه الفرقة حقا من أهم الفرق الموسيقية المبدعة في أميركا، وحازت خمس جوائز غرامي المخصصة للفن منذ إنشائها قبل سبعين عاما. يقول جيمي كارتر: «طريقتنا في الأداء هي أن ما يأتي من القلب يصل إلى القلب، ونحن نغني من قلوبنا.. لدينا رسالة نبلغها وهي أن يحس المتفرج بالرضا والسعادة». أقرب مغنيات الجاز لـ«الفتيان العميان» في أسلوبهم الفريد هي اريثا فرانكلين التي مزجت الموسيقى الروحية بالجاز والروك، وكانت من كبار مؤيدي الناشط مارتن لوثر كينغ (اغتيل عام 1968) الذي طالب بالحقوق المدنية للسود، وكانت ترافقه وتمتثل لطلبه بأداء أغنيته المفضلة «يا ربي أمسك بيدي». أما مشاريع الفتيان العميان السود المستقبلية فهي أداء أغنية «هذا العالم السعيد» للمغني الأسود المشهور لوي أرمسترونغ ملك الجاز الكلاسيكي المولود في نيو أوريلنز عام 1901 وعاش سبعين عاما، وكان أول من تجرأ على مزج الجاز مع التيارات الموسيقية الأوروبية.

حين ترى العجوز الأعمى جيمي كارتر ينزل من خشبة المسرح بنشاط الشباب وحيوية المؤمن، ويختلط مع الجمهور المتحمس، ويحثهم على التصفيق على دقات الإيقاع المتسارع وهو يقفز باستمرار وكأنه طفل شقي يستمتع بالرقص والنغم، ويكسر الحدود التقليدية بين الأداء على خشبة المسرح والجمهور في الصالة، يشعر المتفرج بأن الرسالة قد وصلت فعلا عبر أنغام الموسيقى.