العلماء يتوقعون حدوث تقدم في برامج التعليم العميق

توقع إنتاج آلات قادرة على التحدث مع الأفراد وأداء مهام مثل قيادة السيارات والعمل في المصانع

روبوت بأربع أرجل خلال عرض لشركة توشيبا اليابانية في يوكوهاما وهي ضاحية في العاصمة طوكيو (أ.ف.ب)
TT

باستخدام طريقة الذكاء الصناعي المستمدة من النظريات بشأن كيفية تمييز المخ للأنماط، أعلنت شركات التكنولوجيا عن تحقيقها تقدما كبيرا في مجالات متنوعة مثل الإدراك البصري والتعرف على الأصوات وتحديد الجزيئات الواعدة الجديدة القابلة للاستجابة للأدوية.

أدت هذه التطورات إلى حماس واضح بين الباحثين الذين يعكفون على تصميم برامج تقوم بأداء مهام هي من طبيعة البشرية فقط مثل المشاهدة والاستماع والتفكير. ويعد هؤلاء العلماء بإنتاج آلات قادرة على التحدث مع الأفراد وأداء مهام مثل قيادة السيارات والعمل في المصانع، وإثارة فكرة أن الإنسان الآلي قد يحل محل العمال من البشر.

جرى استخدام التكنولوجيا الجديدة، التي يطلق عليها التعلم العميق، في خدمات مثل برنامج المساعد الشخصي سيري الذي أنتجته «أبل»، الذي يعتمد على خدمة تعريف الصوت نيونس كوميونيكاشن، وفي برنامج ستريت فيو الذي أنتجته «غوغل»، الذي يستخدم آلة الرؤية لتحديد مواضيع بعينها.

وكان من بين آخر التطورات التي شهدتها الشهور الأخيرة السرعة المتزايدة والدقة في برامج التعلم العميقة، والتي عادة ما تلقب بالشبكات العصبية الصناعية أو الشبكات العصبية فقط لتشابهها مع الوصلات العصبية في المخ.

وقال يان ليكون، عالم الحاسبات في جامعة نيويورك والذي قاد بحث التعرف على الخطوط في معامل بيل: «كان هناك عدد من النتائج الجديدة المذهلة في وسائل التعلم العميق. هذه القفزة التي نشهدها في دقة هذه الأنظمة نادرة حقا».

لكن باحثو الذكاء الاصطناعي يدركون مخاطر التفاؤل المفرط، فقد مني مجال عملهم بنوبات من الحماسة المفرطة التي تبعها تراجع مذهل بشكل. فقد اعتقد بعض علماء الحاسب الآلي في الستينات أنه لا يفصلهم عن إنتاج نظام ذكاء صناعي ناجح سوى عشر سنوات، لكن عقد الثمانينات شهد موجة انهيار الشركات التجارية الناشئة، أدت إلى ما وصفه بعض الأفراد بـ«شتاء الذكاء الصناعي».

لكن الإنجازات الأخيرة زادت من النطاق الواسع لخبراء الحاسب الآلي. ففي أكتوبر (تشرين الأول) على سبيل المثال فاز فريق من الخريجين الذين يدرسون مع عالم الحاسبات في جامعة تورونتو، جيفري هينتون، بالجائزة الأولى في مسابقة ميرك لتصميم برامج للمساعدة في تحديد الجزيئات التي يمكن أن تؤدي إلى إنتاج أدوية جديدة، حيث استخدموا برنامج التعلم العميق لتحديد الجزيء الأكثر احتمالية في الاستجابة للعلاج من مجموعة بيانات تصف البنية الكيميائية لخمسة عشر جزيئا مختلفا.

كان هذا الإنجاز مثيرا للإعجاب لأن الفريق قرر دخول السباق في الدقيقة الأخيرة وصمموا برنامجهم من دون معرفة محددة حول كيفية التصاق الجزيئات بأهدافها. وعمل الطلاب أيضا مع مجموعة صغيرة نسبيا من البيانات، والمتمثلة في شبكات عصبية نموذجية تعمل بشكل جيد مع الشبكات الكبيرة للغاية.

ويقول أنتوني غولدبلوم، الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة كاغل، التي تنظم منافسات علوم البيانات مثل مسابقة ميرك: «هذه نتيجة رائعة لأنها المرة الأولى التي يفوز فيها التعلم العميق، والأهم من ذلك أنها فازت بناء على مجموعة البيانات التي لم يتوقع أن تفوز».

يحمل التقدم في تمييز الأنماط دلائل ليس فقط في تطور العلاج بل لعدد من المجالات الأخرى مثل تسويق وتطبيق القانون. فعبر الدقة العالية، على سبيل المثال، يمكن للمعلنين الحصول على قدر كبير من قاعدة بيانات سلوك المستهلك للحصول على معلومات أكثر دقة بشأن عادات الشراء. ويتوقع أن يؤدي التطور في تمييز الوجه إلى جعل تكنولوجيا المراقبة أقل تكلفة وأكثر شيوعا.

وتسعى الشبكات العصبية الصناعية، التي تعود فكرتها إلى الخمسينات، إلى تقليد الطريقة التي يمتص بها المخ المعلومات ويتعلم منها. وقد قاد الدكتور هينتون، 64 عاما، (حفيد حفيد عالم رياضيات القرن التاسع عشر جورج بولي، الذي كان عمله أساسا للكومبيوترات الرقمية الحديثة)، تقنيات جديدة قوية لمساعدة الشبكات الصناعية في التعرف على الأنماط.

وتتألف الشبكات الصناعية الحديثة من مجموعة من مكونات برنامج، مقسمة إلى مدخلات وطبقات خفية ومخرجات. يمكن تدريب هذه المجموعات المتنوعة من خلال التعرض المتكرر لتمييز الأنماط مثل الصور أو الأصوات.

وأدت هذه التقنيات، بمساعدة السرعة المتنامية وقوة الحاسبات الحديثة إلى تطورات سريعة في التعرف على الحديث واكتشاف العلاج ورؤية الحاسب.

وفاقت أنظمة التعلم العميق مؤخرا البشر في اختبارات تمييز أنماط محددة. فعلى سبيل المثال، فاز برنامج أنتجه علماء في معمل الذكاء الصناعي السويسري في جامعة لوغانو بمسابقة تمييز الأنماط بالتفوق على أنظمة برامج المنافسة وخبير بشري في التعرف على صور في قاعدة بيانات إشارات ألمانيا المرورية.

حدد البرنامج الفائز بدقة 99.46 في المائة من الصور في مجموعة من الأشخاص بلغت 50,000 شخص، فيما كانت أعلى نتيجة لمجموعة من 32 شخصا 99.22 في المائة وكانت متوسط نجاح العنصر البشري 98.84 في المائة.

وقام جيف دين، كبير التقنيين في «غوغل» وعالم الحاسبات في «واي إن جي»، وعالم الكومبيوتر في جامعة ستانفورد، ببرمجة 16,000 حاسب لتدريب كل منها للتعرف بشكل أوتوماتيكي على الصور في مكتبة من 14 مليون صورة في أكثر من 20,000 مجال مختلف. وعلى الرغم من المعدل المنخفض للدقة - 15.8 في المائة - أدى النظام بصورة أفضل من الأنظمة المتطورة الأخرى وصلت إلى 70 في المائة.

وحظي التعلم العميق بعرض جريء على نحو خاص في مؤتمر أجري الشهر الماضي في تيانجين في الصين، عندما قدم ريتشارد رشيد، أبرز علماء «مايكروسوفت»، برنامج كومبيوتر يميز كلماته وعرضها بالتزامن باللغة الإنجليزية على شاشة كبيرة فوق رأسه.

ثم في عرض أدى إلى تصفيق مذهل من الجمهور، كان يتوقف بعد كل جملة وكانت الكلمات تترجم إلى لغة المندارين الصينية مصحوبة بمحاكاة لصوته بتلك اللغة، التي لم يتحدث بها الدكتور رشيد مطلقا.

وقد أمكن تحقيق هذا الإنجاز، بصورة ما، عبر تقنيات التعلم العميق الذي دفعه التطورات في دقة التعرف على الصوت.

وقد اعترف الدكتور رشيد، الذي يشرف على مؤسسة الأبحاث التابعة لـ«مايكروسوفت»، بأنه في الوقت الذي تمكن فيه برنامج الشركة في التعرف على الأصوات من خفض نسبة الأخطاء بنحو 30 في المائة عن النماذج السابقة، إلا أنها لا يزال بعيدا عن كونه مثاليا.

وكتب على موقع «مايكروسوفت»: «بدلا من وجود كلمة واحدة خاطئة في أربع أو خمس كلمات، الآن هناك كلمة خاطئة واحدة بين سبع أو ثماني»، لكنه أضاف أن هذا كان التغير الأبرز في الدقة منذ عام 1979 وقال: «عندما نضيف مزيدا من البيانات إلى التدريب نعتقد أن ذلك سيحسن النتائج» من بين أبرز الملامح المثيرة للدهشة في البحث الذي قاده الدكتور هينتون هو أنه أجري من دون قيود براءات الاختراع والقتال المرير على حقوق الملكية الفكرية التي تتسم بها مجالات التكنولوجيا المتقدمة.

وقال: «اتخذنا قرارنا في البداية بأننا لن نربح مالا من هذا، سوى أن ننشره لتحفيز الجميع. هذه الشركات سعيدة للغاية بما قمنا به».

وفي إشارة إلى التطورات الكبيرة في التعلم العميق التي وفرتها قوة الحاسبات الأكبر، وبخاصة التطور في معالجات الرسوم قال: «الهدف من هذه الطريقة أن يضع المقاييس بشكل جميل. لست في حاجة بالأساس سوى إلى جعله أكبر وأسرع وسوف يتحسن. وسيشهد المستقبل مزيدا من التحسن».

* خدمة «نيويورك تايمز»