مؤسسة الفكر العربي تطلق من دبي مشروع إعلان «لننهض بلغتنا»

توصي بخارطة طريق وتأسيس كيان دولي لها على غرار المنظمة الفرنكفونية

ملتقى مؤسسة الفكر العربي بدبي
TT

على هامش مؤتمر مؤسسة الفكر العربي الذي يفتتح أعماله اليوم، انطلقت في دبي وقائع الاحتفال بمشروع إعلان «لننهض بلغتنا» الذي اضطلعت به المؤسسة، والذي يهدف إلى تعزيز اللغة العربية والإعلاء من شأنها ووقف تدهور استخدامها. في هذا الإطار جاءت المبادرة التي أتيح من خلالها لأهل العلم والرأي والخبرة أن يضعوا رؤية مستقبلية لواقع اللغة العربية في المجالات كافة، لتكون في نهاية المطاف بين يدي صناع القرار التعليمي والتربوي والثقافي في دول العالم العربي.

وأشار الأمين العام للمؤسسة الدكتور سليمان عبد المنعم إلى أن المشروع هو نتيجة جهد ميداني وبحثي ورؤيوي قام به لغويون ونخبة من رموز الفكر والإبداع، وعليه فهو مشروع يهم جميع العرب الحريصين على لغتهم وثقافتهم وحضارتهم وتراثهم وتاريخهم.

وقال الأمير خالد الفيصل، رئيس المؤسسة، إن «اللغة هي الهوية، وقد قيل في الماضي إن من لغته العربية هو العربي. ونحن اليوم بصدد إنقاذ هذه اللغة، أو هذه الهوية، لئلا تكون من اللغات أو الهويات المحكوم عليها بالانقراض. لقد كنا نحن في السابق من يهيمن، وكانت لغتنا هي الناقل للحضارة، أما اليوم فنحن نتعرض لهيمنة سياسية وثقافية غربية شاملة، ومن أخطر مظاهر هذه الهيمنة هيمنة اللغة الإنجليزية على ألسنتنا ومنطوقنا اللغوي اليومي العام».

وأضاف الأمير «نلحظ مظاهر هذا الخطر أكثر ما نلحظه في صفوف شبابنا وتداولاتهم اللسانية والحوارية على شبكات الإنترنت وسائر المواقع والهواتف الجوالة، فهم يستخدمون لغة يقال إنها عربية، وهي ليست كذلك في شيء، إنها بالأحرى لغة لاتينية تحل الأرقام فيها محل الكلمات، وبعض التعابير العربية تحل محلها تعابير أجنبية خالصة، تنتشر مع الأسف كالنار في الهشيم على ألسنة شبابنا وشاباتنا. ونحن اليوم بتنا نترحم على العامية، فعلى الأقل هي تنتمي إلى العربية، وذلك أمام ما يحصل من إلغاء للغتنا العربية. وإذا ما نظرنا إلى كثير من اللقاءات والندوات التي تجمع مفكرين ومثقفين عربا على شاشات التلفزة، فإننا نجد أن أكثر تعابيرهم تأتي مع الأسف بلغة إنجليزية. وفي هذا الإطار يظهر المثقف العربي وكأنه باختياره الإنجليزية لغة تعبير له يُظهر مدى مستوى ثقافته وتفكيره فينسى أنه عربي».

وألقى ممثل مجمع اللغة العربية في القاهرة صلاح فضل كلمة طالب فيها بتحديث المجامع اللغوية العربية، وأن يكون للغة العربية مجمع تاريخي يرصد مراحل تطورها عبر مراحلها التاريخية المتطورة. وشدد على أهمية رقمنة اللغة وتيسير تداولها، خصوصا لدى الشباب.

ودعا المفكر واللغوي الدكتور أحمد ضبيب إلى النهوض بهذه اللغة كي نستطيع المنافسة والصراع، إذ إن ما نشهده اليوم هو اعتداء على تراثنا وأصالتنا، وهو ينذر بتحول هذه اللغة تدريجيا إلى لغات أخرى مشتتة.

وتحدث الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، فدعا إلى «العمل من أجل النهوض بالعربية، التي تكشف الآن أنها حصننا الباقي وملجأنا الذي نعود إليه ونجتمع فيه مهما اختلفت الرؤى وتعدّدت الطرق، إذ إننا باللغة لا نتواصل مع أنفسنا بل نتواصل مع غيرنا، وينبغي أن يكون هذا التواصل كاملا». وأكد أن «قضية اللغة هي قضية وجود، والوجود العربي في خطر لأن لغتنا في خطر، فنحن نعيش بلغتين وبعضنا يعيش بأكثر، وهكذا نحن منقسمون على أنفسنا نتخاطب بلغة ونفكر بلغة ونتعلم بلغة أو لغات أخرى، وقد آن لنا أن نواجه هذا الانقسام ونحوّله إلى ثروة وغنى، كما علينا أن نقرب بين هذه المستويات ونرتقي بالفصحى لترتفع العامية والعكس صحيح، وهذه ليست معادلات نظرية وإنما هي نتاج خبرة وواقع وتجربة».

وختم عميد الجامعة اللبنانية السابق الدكتور أنطوان طعمة بتلاوة إعلان وثيقة «لننهض بلغتنا».

وشدد المجتمعون في الملتقى على السعي الجاد لاتخاذ سياسات لغوية ملزمة مبنية على تخطيط لغوي شامل يهدف إلى إعلاء شأن اللغة العربية في التداول والتعليم، وإعادة الاعتبار إليها عن طريق القيام بمبادرات تشريعية وثقافية وتربوية واجتماعية وإعلامية ترعاها الحكومات العربية توجيها وتمويلا، واعتبار تعليم اللغة العربية للأجانب في مختلف البلاد، وإلزام المدارس الأجنبية في البلدان العربية بتخصيص حصص كافية لتدريس اللغة العربية لطلابها. كما طالب المجتمعون جامعة الدول العربية لتأسيس كيان دولي للغة العربية على غرار المنظمة الفرنكفونية، تكون بمثابة مظلة لتنسيق الجهود والأعمال بين مختلف المؤسسات العاملة في مجال اللغة العربية الحكومية والأهلية، وإنشاء هيئة تخطيط لغوي عليا تنبثق من اتحاد المجامع اللغوية والعلمية الموجودة حاليا، والعمل على إصدار ميثاق شرف إعلامي عربي يوجب استخدام اللغة العربية الفصيحة الميسرة في وسائل الإعلام العامة والخاصة، ويهدف إلى الحد من ظاهرة استشراء التعبير بالعامية المحلية.

كما أوصى اللقاء إلى اعتماد مبدأ التعريب الشامل من منطلق المنظور السيادي إطارا جامعيا يتمثل في وحدة اللغة والثقافة والانتماء، وانتهاج هذا التعريب في المقررات الدراسية بما لا ينتقص من مستوى التحصيل في اللغات الأجنبية.

ويرتكز مشروع «لننهض بلغتنا» على دراسة ميدانية قوامها تسعة استطلاعات للرأي تم تنفيذها في إحدى عشرة دولة عربية. وقد تم التعاون مع رؤساء المجامع اللغوية العربية، وكبار خبراء اللغة على امتداد دول الوطن العربي من خلال قيامهم بوضع رؤية مستقبلية، تتضمن مجموعة من المقترحات والإصلاحات للنهوض باللغة العربية، في ضوء ما أظهرته الدراسة الميدانية من نتائج ومؤشرات.

ومر المشروع بمراحل عدة، أولاها تنفيذ دراسة ميدانية في الدول العربية التي ذكرت، وقد توزع الاستطلاع على شرائح الشباب والمبدعين والطلاب الجامعيين وأساتذة اللغة العربية في المرحلة الجامعية وطلاب التعليم ما قبل الجامعي ومعلمي اللغة العربية في التعليم الثانوي والإعلاميين وأعضاء المجامع اللغوية وعموم المواطنين. وفي المرحلة الثانية تولى فريق تقني تفريغ نتائج استطلاع الرأي وترميزها بواسطة برنامج حاسوبي، كانت خلاصتها 1438 إحصائية وشكلا بيانيا.

في المرحلة الثالثة جرت قراءة تحليلية لـ15 قضية أساسية يثيرها الواقع الراهن للغة العربية مثل اللغة العربية وثنائية المصطلح، واللغة وإبداع النص المكتوب، واللغة والإبداع السينمائي والمسرحي، والواقع اللغوي في الحياة اليومية.

وفي المرحلة الرابعة قام رؤساء المجامع اللغوية العربية في مصر وسوريا والعراق والسودان والجزائر وعدد من كبار الخبراء والمهتمين بالشأن اللغوي العربي بوضع رؤية مستقبلية (خارطة طريق) للنهوض بالعربية في كل قضية من القضايا المطروحة. وجاءت المرحلة الخامسة لتضع الخطوط الأساسية لإطلاق المشروع وإصدار إعلان «لننهض بلغتنا».