هندية مضربة عن الطعام منذ 12 عاما

تطالب بلادها بإلغاء «قانون الصلاحيات الخاصة بالقوات المسلحة» في ولاية مانيبور التي تقطن فيها

بعدما أدركت شارميلا انه لا توجد وسيلة لمنع انتهاكات الجيش قررت الدخول في اضراب مفتوح
TT

في أطول إضراب عن الطعام في العالم، لم تتناول هذه شارميلا شانو، 40 عاما، أي نوع من الطعام أو حتى قطرة مياه واحدة أو تغسل أسنانها طيلة الأعوام الـ12 الماضية.

دخلت شارميلا، المشهورة باسم المرأة الحديدة نظرا للإنجاز التاريخي الذي حققته، في إضراب عن الطعام منذ عام 2000، معلنة أنها سوف تموت في هذا الإضراب ما لم تقم الهند بإلغاء «قانون الصلاحيات الخاصة بالقوات المسلحة» الوحشي في ولاية مانيبور التي تقطن فيها، والتي تقطع شمال شرقي الهند. يعطي هذا القانون قوات الأمن سلطات واسعة، بما في ذلك القدرة على قتل الناس رميا بالرصاص لمجرد الاشتباه أثناء العمل في المناطق التي تعاني من حركات التمرد.

تكمن القوة الحقيقية لحكاية شارميلا في بدايتها البسيطة، فهي ليست واجهة لأي حركة سياسية كبيرة ومنسقة. وإذا كنت تبحث عن الخطابات الكاريزمية أو البطولات المبتذلة فسوف تصاب بخيبة الأمل عند رؤية هذه المرأة الهادئة التي ترقد في جناح الأمن المعزول في مستشفى جواهر لال نهرو في ايمفال. لم تنبع خطوة شارميلا من أي منطلق فكري، وإنما كانت مجرد رد فعل إنساني عميق لعمليات القتل والعنف التي رأتها تحدث من حولها، أو ما يشبه الحدس الروحاني.

خطرت الفكرة على رأس إيروم شارميلا الشابة في يوم 2 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2000. فقبل هذا التاريخ بيوم واحد فقط، قامت جماعات متمردة بقصف ثكنات عسكرية تابعة لإحدى كتائب للجيش الهندي، مما دفع الكتيبة الغاضبة بالرد عن طريق قتل 10 مدنيين أبرياء في محطة للحافلات في مالوم. نشرت الصحف المحلية صورا وحشية لجثث القتلى في اليوم التالي، بما في ذلك المرأة المسنة ليسانغبام إبيتومي، البالغة من العمر 62 عاما وسينام شاندراماني، الشاب ذي الـ18 ربيعا، الذي حصل على وسام الشجاعة الوطنية للأطفال في عام 1998. وبعدما شعرت بإثارة غير عادية، دخلت شارميلا، التي كانت وقتها تبلغ من العمر 28 عاما، في إضراب عن الطعام في يوم 4 نوفمبر.

تقول شارميلا في صوت متلعثم: «لقد شعرت بالصدمة عندما رأيت صور جثث قتلى مالوم في الصفحات الأولى للجرائد. كنت وقتها في طريقي للانضمام إلى مسيرة من أجل السلام، ولكنني أدركت حينها أنه لا توجد وسيلة لمنع المزيد من الانتهاكات التي تقوم بها القوات المسلحة، لذا قررت الدخول في إضراب عن الطعام».

تم اتهام شارميلا، تلك المرأة الضعيفة ذات الشعر الأسود المجعد، بـ«محاولة الانتحار»، وتم توصيل أنبوب بلاستيكي بأنفها لإجبارها على تناول المحاليل الطبية لمرتين في اليوم. لا تقوم شارميلا بتمشيط شعرها ولا بالنظر إلى نفسها في المرآة، وتقوم بتنظيف أسنانها باستخدام قطعة جافة من القطن.

وبيدها النحيلة والنظيفة والتصميم الذي يبدو واضحا من عينيها وصوتها المتلعثم، تتحدث شارميلا عن الواجب المفروض عليها، وتعد شخصية لا مثيل لها على الإطلاق في تاريخ الاحتجاجات السياسية التي وقعت في أي مكان في العالم. يتم الإفراج عن شارميلا كل عام، وفي كل مرة تقوم بإخراج الأنبوب من أنفها وتستمر في الصوم عن الأكل. وبعد مرور ثلاثة أيام تقريبا على امتناعها عن تناول الطعام، أي عندما تكون على شفير الموت تقريبا، يتم إلقاء القبض عليها مرة أخرى بتهمة «محاولة الانتحار» مرة أخرى، وهكذا استمر الحال طيلة الأعوام الـ12 الماضية.

يعد الإضراب عن الطعام سلاحا شهيرا للاحتجاج في الهند، منذ أن قام المهاتما غاندي، أبو الأمة، بنشره خلال فترة نضاله ضد الاحتلال الإنجليزي، ولكن لم يدخل أي شخص في إضراب عن الطعام لفترة أطول من شارميلا.

عادة ما تتم مقارنة شارميلا بالمهاتما غاندي نظرا لاستخدامها استراتيجية الصوم عن الطعام كسلاح، ولكن نبرة صوتها البطيئة، التي تصل في بعض الأحيان إلى حد الهمس، قد أثبتت أنها أكثر فعالية من الخطابات الحماسية. وعلى الرغم من وجود قواسم مشتركة مع غاندي، فإن كراهية شارميلا لأعمال العنف هي التي أدخلتها في حملة شرسة ضد العسكرة.

تقول شارميلا إن ما يبقي روحها قوية ولا تقهر ليس فقط ممارسة اليوغا والقراءة وكتابة النثر والشعر، ولكن روحانياتها العميقة هي ما تضفي ميزة أخلاقية على هذا التحدي الذي تقوم به. وعلى الرغم من أن كثيرا من قصائدها تتحدث عن الموت، من الواضح أن شارميلا لا ترغب في الموت، حيث تستمر رغبتها القوية في الحياة والعمل من أجل القضايا العادلة في تحديد دفعها للحياة.

وفي 4 نوفمبر عام 2000، سعت شارميلا للحصول على مباركة والدتها إيروم شاكي، التي قالت لها: «سوف تحققين هدفك». ومنذ ذلك الوقت، لم تلتقِ شارميلا بأمها أبدا على الرغم من أنها مسجونة في ايمفال على بعد مسافة قصيرة من والدتها.

وقالت الأم والدموع تنهمر على وجنتيها: «ما الفائدة من اللقاء؟ لن أحتمل تلك المقابلة، ولو رأيتها سوف أنخرط في البكاء. قررت أن لا أقابلها حتى تتحقق أمنيتها، لأن مثل هذه المقابلة سوف تضعف عزيمتها. إذا لم نتناول الطعام لا يمكننا النوم، ونظل نتقلب من شدة الجوع، ولذا لك أن تتخيل مدى صعوبة الأيام والليالي التي تقضيها من دون طعام. لو تم إلغاء هذا القانون، ولو لمدة 5 أيام فقط، فسأقوم بإطعامها ماء الأرز ملعقة بملعقة. وحتى لو ماتت بعد ذلك، سنشعر بالراحة لأن شارميلا ستكون قد حققت رغبتها حينئذ».

وبالعودة إلى الجناح الذي تقيم به شارميلا في المستشفي، نجد أنها لم تغير رأيها وأنها مصممة على الاستمرار في كفاحها. وعن ذلك تقول شارميلا: «سوف أستمر في الإضراب حتى يتم إلغاء القانون. لم أضيع من عمري 12 عاما حتى أعود لتناول الطعام من دون تحقيق هدفي، ولن أتناول الطعام حتى يتم التعامل مع شعبي باحترام».

وأضافت شارميلا: «لقد ذهلت من هذا المنظر، ولم يكن هناك أي وسيلة لوقف هذا التعدي العسكري، ولذا رأيت أن الإضراب هو أفضل طريقة. لقد دخلت في الإضراب من أجل كل سكان ولاية مانيبور. هذه ليست معركة شخصية، ولكنها معركة رمزية تعكس الحقيقة والسلام والحب». يذكر أن ولاية مانيبور تشهد 4 عقود من التمرد الانفصالي، حيث تقوم نحو 12 مجموعة بقتال القوات الهندية، وفي كثير من الأحيان مع بعضها البعض. ولقي الآلاف مصرعهم، ومن بينهم الكثير من الشباب من الذكور والإناث لمجرد الاشتباه في انتمائهم لجماعات متمردة.

وخلال رحلتها إلى الهند عام 2006، قالت المحامية الإيرانية الحائزة على جائزة نوبل للسلام شيرين عبادي لمجموعة من المحامين: «لو ماتت شارميلا، سيكون البرلمان هو المسؤول عن ذلك بصورة مباشرة. ولو ماتت، ستقع المسؤولية على المحاكم والقضاء والجيش والسلطة التنفيذية ورئيس الوزراء والرئيس لأنهم لم يتحركوا. لو ماتت شارميلا، ستقع المسؤولية عليكم أنتم جميع الصحافيين، لأنكم لم تقوموا بواجبكم».

وخلال أعوام الإضراب، حصلت شارميلا على كثير من الجوائز، والتي تقول إنها لن تحصل عليها بصورة فعلية قبل أن يتم إلغاء هذا القانون. وفي الآونة الأخيرة، باتت قصة الحب التي تعيشها شارميلا في دائرة الضوء، وهو ما جعلها تتعرض لكثير من الانتقادات من جانب جماعات حقوقية ومن جانب عائلتها أيضا.

وعندما قرأ ديسموند كوتينهو، وهو مواطن بريطاني من أصل هندي يبلغ من العمر 48 عاما، عن كفاح شارميلا في كتاب بعنوان «بيرننغ برايت» للكاتبة ديبتي بريا مهروترا، أرسل خطابا إلى شارميلا عام 2009. ومنذ ذلك الحين، يقوم الاثنان بتبادل الخطابات بانتظام، ووقع كل منهما في حب الآخر، ولذا جاء كوتينهو إلى ايمفال لأول مرة العام الماضي، ونجح في مقابلة شارميلا لأول مرة في إحدى المحاكم، قبل أن يتم إطلاق سراحها لفترة وجيزة.

وقالت شارميلا بعد أن احمرت وجنتاها خجلا مثل المراهقات: «نعم، هو يحبني ويهتم بي كثيرا».

ولم يتقبل مؤيدوها نبأ وقوعها في حب كوتينهو، الذي اضطر إلى الإضراب عن الطعام هو الآخر لمدة يومين قبل أن يتراجع الناشطون ويسمحوا له بمقابلة شارميلا، التي باتت غرفتها تكتظ بالهدايا من كوتينهو، بداية من تمثال خشبي للمعبودين الهندوسيين كريشنا ورادها، وغطاء رأس بابا نويل، وروزنامة تقويم، ومذكرة لكتابة اليوميات وكومبيوتر محمول. وقالت شارميلا: «أعترف أنه غيور جدا ويتم استفزازه من قبل السكان المحليين. وفي نفس الوقت، تنظر إلي عائلتي وأصدقائي على أنني شخصية عامة، ولكني لا أحب التدخل في حياتي الشخصية».

وفي الحقيقة، ترغب شارميلا بقوة في العودة إلى حياتها الطبيعية وأن تتزوج بمجرد تحقيق هدفها. وحتى الآن، لم تتأثر عزيمتها الفولاذية بأي شكل من الأشكال. وفي النهاية، تساءلت شارميلا: «هل كان يمكن لرئيس الوزراء مانموهان سينغ أن يتجاهلني لمدة 10 سنوات لو كنت أنتمي إلى ولاية من الولايات الكبرى في الهند؟».