بغداد تخلو من صالة مسرح واحدة صالحة للعرض.. ومسرحيون يصفون وعود إعمارها بـ«الكذبة الكبرى»

وهي تستعد للاحتفال باعتبارها عاصمة للثقافة العربية بعد أقل من 4 أشهر

بناية دائرة السينما والمسرح ببغداد وتبدو مهدمة منذ قصفها من قبل القوات الأميركية عام 2003 («الشرق الأوسط»)
TT

عرفت بغداد المسرح منذ أواسط العشرينات من القرن الماضي، خاصة بعد أن زارت فرقتا (جورج أبيض) و(فاطمة رشدي) المصريتان العاصمة العراقية عام 1926 وشجعت عروضها بعض الشباب العراقيين لتكوين فرق مسرحية، حيث أدار الفنان المسرحي الرائد حقي الشبلي الذي يعد مؤسس المسرح العراقي، الفرقة الوطنية عام 1927 ومن ثم الفرقة العصرية عام 1930، وقبل ذلك كانت هناك محاولات لتقديم عروض مسرحية في المقاهي أو في صالات العرض السينمائي أو النوادي قبل أن يزدهر المسرح المدرسي وتتأسس فرقة «حبزبوز». إلى جانب ذلك تم بناء قاعات للعرض المسرحي وأشهرها قاعة الملك غازي، التي سميت فيما بعد قاعة الشعب في منطقة الباب المعظم، كما تعد قاعة مدرسة التفيض واحدة من أجمل صالات المسرح وقتذاك، وتم تأسيس معهد الفنون الجميلة عام 1935 وبعدها أكاديمية الفنون الجميلة عام 1961 حيث تم تدريس فن المسرح أكاديميا في هاتين المؤسستين الفنيتين. وكانت صالة مسرح معهد الفنون الذي اتخذ فيما بعد من بناية البلاط الملكي في حي الكسرة قرب الأعظمية بجانب الرصافة من بغداد، من صالات العرض المسرحي المهمة قبل أن ينتقل المعهد إلى بنايته الجديدة في جانب الكرخ والمزودة بصالة كانت تعد حديثة للعروض المسرحية، إلى جانب صالات أكاديمية الفنون الجميلة.

وفي الخمسينات قامت فرقة المسرح الفني الحديث التي أسسها الفنان يوسف العاني مع مجموعة من المسرحيين العراقيين قد بنت مسرح بغداد، الذي قدم أعمالا مهمة في تاريخ المسرح العراقي رغم بساطة إمكانياته، وبنت الحكومة المسرح القومي في كرادة مريم والذي كانت تقدم عليه عروض الفرقة القومية للتمثيل، بينما تم بناء قاعة الخلد في جانب الرصافة وهي اليوم ضمن حدود المنطقة الخضراء. ومع عقد السبعينات اهتمت الدولة ببناء عدد من صالات العرض المسرحي التي افتتحت في الثمانينات مثل مسرح الرشيد والمنصور ومسرح الخيمة، إلى جانب صالات أنشأتها فرق مسرحية خاصة.

لكن عاصمة العراق التي عرفت تاريخ المسرح منذ ما يقرب من 5 آلاف عام، حيث المسرح البابلي لا يزال قائما في المدينة التاريخية (بابل) ونص ملحمة «كلكامش» يؤكد قيام المسرح في وادي الرافدين، هذه العاصمة تشكو اليوم غياب صالات العرض المسرحي وهي على أبواب تدشين موسمها عاصمة للثقافة العربية العام المقبل، وقد أبدى أكاديميون ومسرحيون عراقيون استغرابهم لتعطيل الحكومة العراقية إعمار صالات المسارح المخربة في عموم العاصمة بغداد منذ عام 2003 وحتى الآن، وعدم الشروع في بناء صروح جديدة منها على الرغم من اقتراب موعد الاحتفاء ببغداد عاصمة للثقافة العربية المقرر إقامته في مارس (آذار) من العام المقبل.

وتعاني المسارح القليلة الموجودة في بغداد، من دمار وإهمال كبيرين بسبب العمليات العسكرية التي رافقت الاجتياح الأميركي للعراق عام 2003 وما رافقها من تدمير معظم البنية التحتية فيه، أو استخدامها مقرات لها، أو قصفها لها بالطائرات مثلما حدث لبناية المؤسسة العامة للسينما والمسرح التي تضم أرقى مسارح العراق (مسرح الرشيد)، مقابل استمرار وعود إعمارها وتأهيلها من قبل الجهات الحكومية أو القطاع الخاص منذ أكثر من عشر سنوات بلا نتيجة تذكر.

«الشرق الأوسط» تحدثت في بغداد مع عدد من الفنانين المسرحيين حول هذه المشكلة، حيث قال الفنان المسرحي الدكتور فاضل خليل رئيس قسم المسرح في أكاديمية الفنون الجميلة إن «الاحتفال ببغداد عاصمة للثقافة، فكرة جديرة بالاهتمام وتستحق التعاون، لأن بغداد قبلا وحاضرا هي عاصمة للثقافة ومصدر إشعاع للعالم كله مهما مرت بها من ظروف صعبة، وهذا سيستقطب كثيرا من الضيوف العرب المهمين، وبادرة جديدة للبدء بمشاريع أكبر يسهم بها المثقف العراقي».

وأضاف: «لكن الغريب وما أتساءل عنه هنا ومن خلالكم هو أن هناك أكثر من 10 عروض مسرحية تنتظر المخرجين العراقيين، ولا مسرح واحد يصلح لاستقبالها، فكل القاعات الموجودة ليست صالحة للعرض المسرحي، فمسرح كلية الفنون الجميلة مازال قيد الإعمار، والمسرح الوطني هو مسرح احتفالات وليس مسرح دراما، كما يقع عليه حمل احتفالات جميع وزارات ومؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية».

وزاد بالقول: «أقترح أن تستثمر وزارة الثقافة العراقية وهي معنية بالأمر الأشهر القليلة المتبقية لأجل صيانة المسارح المخربة وأهمها مسرح الرشيد، فهو لا يحتاج لكثير من المبالغ أو الوقت وكذلك مسارح؛ بغداد والمنصور والخلد والفنون الجميلة، كما أن فترة 9 سنوات على وعود إعمارها فترة مبالغ فيها كثيرا، لكني أعتقد أن الثقافة في آخر اهتمامات الحكومة الحالية، وليس هناك من يفكر بأن تسود الثقافة في البلاد»، وتساءل قائلا: «أين سيعرض المسرحيون مسرحياتهم؟»، واستدرك قليلا ليضيف: «في مهرجان المسرح الشبابي العربي المقام مؤخرا في بغداد لاحظنا أن المسرحيات عرضت في أماكن غير مهيأة تماما لذلك، وهي ليست مسارح للعروض الدرامية».

بدورها قالت الفنانة إقبال نعيم: «كنت أتمنى أن يصار إلى إعمار مسارح الرشيد ومسرح المنصور في ساحة الاحتفالات وبناء مسارح جديدة قبل 3 سنوات على أقل تقدير من موعد مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية».

وأرجعت نعيم سبب تأخر إعمار تلك المسارح لعدم وجود شركات متخصصة بالإعمار، مقابل وجود مقاولين تربحوا على حساب البنية المعمارية والحضارية لأعمال الصيانة والترميم». وأكدت: «ما أهمية وجود مهرجان تدعى فيه شخصيات معروفة دون أن يصار قبلها إلى تأهيل المتفرج العراقي ابن البلد الذي تعرضت ذائقته لأكبر تخريب عبر إشاعة المسرح التجاري وما جلبه من مسرحيات هزيلة أسهمت في ابتعاد العائلة العراقية عنها، ودمار عقلية جيل كامل من الشباب العراقي».

وعن رأيه بالموضوع قال المؤلف المسرحي مثال غازي مدير الفرقة الوطنية للتمثيل إن «وزارة الثقافة العراقية نفسها أسهمت في اغتصاب المسرح العراقي عندما اقتطعت جزءا مهما من مسرح الرشيد وحولته إلى فضائية تابعة لها مقابل رفض جميع الفنانين والمغنيين هذا الإجراء الذي جاء على حساب المسرح وقاعاته».

وأضاف: «في مهرجان بغداد لشباب المسرح العربي الذي دعيت فيه نحو عشر دول عربية، شاركت بعشرة عروض مسرحية، واجهتنا مشكلة نقص كبير في قاعات العرض المسرحي، في حين كان بالإمكان أن يحتضن تلك العروض مسرح الرشيد كونه واجهة حضارية للعراق، وفيها قاعة متوسطة تتحمل العروض المسرحية».

وحول رأيه بوعود الوزارة التي أطلقتها أكثر من مرة لإعادة إعماره قال: «أعتقد أن مسألة إعادة إعمار المسارح كذبة كبرى وليس هناك أي جدية في العمل، ما سمعناه مجرد شعارات وكلمات فقط لأن الإعمار لا يتطلب سبعة أشهر فقط لو كانت هناك نيات صادقة لكن ليس هناك أي نية صادقة لإعمار مسرح الرشيد أو غيره من المسارح».

وزارة الثقافة العراقية، دافعت عن نفسها بالقول إن سبب تأخير تلك المشاريع يعود إلى أنها مشاريع استثمارية قيد الإنجاز، وتحتاج إلى الوقت، منها دار الأوبرا ومسرح الرشيد وساحة الاحتفالات، إضافة إلى ترميم المسرح الوطني.

وقال فوزي الأتروشي وكيل وزارة الثقافة والمشرف على مشروع بغداد عاصمة للثقافة العربية عام 2013: «قسم من تلك المشاريع الاستثمارية وضع له حجر الأساس مثل مشروع دار الأوبرا العراقية، ومدينة الطفل الثقافية، أما المنجز من المسارح فهو إنجاز بناء وصيانة 35 مسرحا مدرسيا في جانبي الكرخ والرصافة، سيتم افتتاحها مع بدء فعاليات مشروع بغداد القادم.

وعن إمكانية إنجاز أعمال ترميم وصيانة خشبات المسارح في بغداد خلال الفترة المتبقية من بدء مشروع بغداد عاصمة للثقافة العربية قال: «لن نستطيع إكمالها خلال الفترة المتبقية، والسبب في التأخير هو الإجراءات الروتينية التي رافقت عملية إحالة العقود وتنفيذها من قبل الشركات المكلفة».

وفي تصريحات صحافية سابقة، مضى عليها أكثر من عام، كان قد أعلن مدير عام دائرة السينما والمسرح، في بغداد شفيق المهدي عن تخصيص مبلغ 294 مليار دينار من أجل إعادة بناء مسرح الرشيد وإصلاح المسرح الوطني وإعادة إعمار ثلاثة من دور السينما في شارع الرشيد وفتح مسارح وساحة للاحتفالات الجماهيرية، لكن ذلك لم يتحقق حتى الآن.

يذكر أن معظم صالات السينما في بغداد تحولت بعد عام 2003 إلى مخازن وورش للعمل، بسبب الأوضاع الأمنية وعزوف المواطنين عن ارتياد هذه الصالات لأسباب كثيرة، حسب أصحاب دور السينما. وهناك فقط 5 دور عرض ما زالت عاملة إلى اليوم من بين 40 دار عرض معطلة، وتركز هذه الدور الـ5 على عرض الأفلام الإباحية التي تجتذب الزبائن من الشباب، بحسب متابعين لواقع السينما في بغداد.