رحيل الدكتور ميلاد حنا بعد رحلة عطاء خصبة على مدى 88 عاما

دافع عن حقوق الإنسان والوحدة الوطنية واعتقله السادات في أحداث سبتمبر

د. ميلاد حنا
TT

غيب الموت في القاهرة أمس الدكتور ميلاد حنا، بعد رحلة عطاء خصبة امتدت لـ88 عاما، إثر أزمة صحية ألمت به أول من أمس الاثنين. وبرحيله تفقد مصر كاتبا ومفكرا وسياسيا من الطراز الرفيع، وشخصية عامة مميزة أثرت في الحياة الثقافية والفكرية والسياسية في مصر.

ولد الدكتور ميلاد حنا بالقاهرة في 24 يونيو (حزيران) 1924. وحصل على بكالوريوس الهندسة المدنية من جامعة القاهرة عام 1945. وبعدها حصل على الدكتوراه في هندسة الإنشاءات من جامعة سانت أندرو في أسكوتلندا عام 1950.

تميز حنا بتفوقه الأكاديمي، حيث عين معيدا بكلية الهندسة بجامعة الإسكندرية عام 1945، ثم أستاذا متفرغا بهندسة عين شمس عام 1984، هذا إلى جانب كونه مناضلا يساريا يتبنى الفكر الاشتراكي، فكان عضوا مؤسسا لحزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، إلا أنه بعد فترة رأى أن فكرة التغيير من خلال الأحزاب غير واردة وغير ممكنة، وأن الظرف التاريخي غير مهيأ لهذا التغيير، ففضل أن يصبح شخصية عامة بلا أي آيديولوجية حزبية.

حنا شغل أيضا مناصب رفيعة ومميزة أخرى، فكان عضوا في عدد من الهيئات العلمية والثقافية، منها الجمعية الدولية لمهندسي الكباري والإنشاءات بزيوريخ في سويسرا، والجمعية الدولية لمهندسي المنشآت القشرية بمدريد في إسبانيا، ومعهد الخرسانة بنيويورك في أميركا، هذا إلى جانب كونه عضوا في المجلس الأعلى للثقافة في مصر، وكاتبا متفرغا بجريدة «الأهرام»، وخبيرا لقضايا الإسكان في العالم الثالث، بالإضافة إلى ارتباطه بالشأن السوداني ارتباطا شديدا، واهتمامه الدائم بقضايا النيل العظيم ومشكلاته وقضية الأمن المائي.

وقد كان لحنا موقف مميز لا ينسى باستقالته من رئاسة لجنة الإسكان بمجلس الشعب المصري، التي تولى رئاستها ما بين عامي 1984م و1987م، معللا استقالته تلك بشعوره بأنه عاجز عن طرح أفكاره الحقيقية وممارسة دوره الوطني المطلوب. وكان يرى أن الحزب الوطني هو حزب دولة وليس حزبا جماهيريا يستمد قوته من مؤيديه وأنصاره، مشيرا إلى أن مصر بحاجة ماسة إلى شفافية كبيرة كي تتخلص مما يحدث بها من انتخابات مزورة وحريات مسلوبة.

ومن المواقف التي تركت أثرا عميقا بحياته اعتقاله في أحداث سبتمبر (أيلول) الأسود عام 1981 قبيل اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات مع رموز الحركة الوطنية، حيث إنه بعد خروجه من المعتقل زاد اهتمامه بقضية الوحدة الوطنية على حساب اهتماماته اليسارية، كما أصبح أكثر إحساسا بحجم المشكلات، وأكثر رغبة في الإصلاح الديني والاجتماعي والسياسي. حنا عرف عنه رفضه إقحام الدين في السياسة، وكمفكر قبطي، كان دائم التصريح بأن الكنيسة القبطية ما هي إلا مؤسسة دينية يذهب إليها الأقباط للصلاة كل أحد، وينبغي ألا يكون لها دور سياسي، مشيرا إلى أنها ليست دولة داخل الدولة كما يردد الكثيرون.

وعلى مدار حياته نجح حنا في حصد الكثير من الجوائز عن التسامح الإنساني والرقي المعرفي من دول أوروبية، حيث حصل على جائزة فخر مصر من جمعية المراسلين والصحافيين الأجانب بمصر عام 1998م، ووسام النجم القطبي الذي لا يخبو بدرجة كوماندوز، من ملك السويد عام 1998م، وجائزة سيمون بوليفار من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) عام 1998م، وجائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية عام 1999م.

ومن أشهر مؤلفاته «أريد مسكنا»، و«نعم أقباط لكن مصريون»، و«دراسات وأوراق عمل حول قضايا الإسكان في مصر»، و«ذكريات سبتمبرية»، و«الأعمدة السبعة للشخصية المصرية»، و«حاجة الإنسان العربي للإسكان»، و«صراع الحضارات والبديل الإنساني»، و«ساسة ورهبان وراء القضبان»، و«قبول الآخر».

وسوف تشيع جنازة الدكتور ميلاد حنا الخميس من البطريركية المرقسية بالعباسية.