بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة.. ناشطات وأكاديميات عراقيات يصفن وضع المرأة بـ«الخطير»

الداخلية العراقية تنفي تعذيب النساء بهدف انتزاع اعترافاتهن

عراقية بلا مأوى ببغداد.. من صور معرض الفنان أدهم يوسف
TT

رغم مضي أكثر من تسع سنوات من عمر تغيير النظام الحاكم في العراق، فإن الكثير من النساء العراقيات اليوم، لا زلن يعشن تحت وطأة عنف مجتمعي وحكومي متواصل، وحرمان من أبسط مستلزمات العيش الكريم في بلد الثروات والخيرات، ووصفت عدد من الأكاديميات والناشطات النسويات، وضع المرأة في العراق بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة بـ«بالتراجيدي والخطير» في وقت لم تزل فيه مؤسسات ودوائر حكومية في العاصمة بغداد، تجتهد بإحياء يوم مناهضة العنف بطريقة إلقاء الكلمات والقصائد والمناشدات المكررة كل عام دون تقديم دعم حقيقي لها.

وزارة الدولة لشؤون المرأة في العراق، والمعنية بأحوال النساء، عقدت يوم أمس، على قاعة فندق المنصور مليا، مؤتمرا نسويا حمل شعار (نحو حياة آمنة للمرأة العراقية) بمشاركة ممثلين من صندوق الأمم المتحدة للسكان، جددت فيه مناشدة الحكومة العراقية لأجل الحد من مظاهر العنف الموجه للمرأة وإقرار قانون حمايتها من العنف الأسري ودعوة الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي لأجل إدراج استراتيجية مناهضة العنف ضد المرأة المقدمة له مؤخرا ضمن جدول أعمال المجلس لدراستها وإحالتها إلى مجلس النواب لاحقا.

وأكدت وزيرة الدولة لشؤون المرأة ابتهال كاصد الزيدي في كلمة افتتاحها للمناسبة على التزام الوزارة بالسعي لإنشاء دور إيواء حكومية خاصة للنساء اللواتي يعشن بلا مأوى مناسب.

وعلى هامش المؤتمر افتتح المصور الصحافي أدهم يوسف معرضه الفوتوغرافي الذي يتحدث عن معاناة المرأة في العراق، والأعباء الملقاة على عاتقها، في أول معرض من نوعه يتحدث بجرأة عن الأهوال والمشاق التي تقع على المرأة في السنوات العشر الأخيرة من عمر التغيير بعد عام 2003. وعن صوره ومعروضاته قال يوسف لـ«الشرق الأوسط»: «حاولت في معرضي هذا إبراز أهم الصور التي تحكي واقع المرأة في العراق، بشكل يجرح المشاعر الإنسانية بشأن النصف الأهم والأكبر من المجتمع العراقي، وآثرت فيها مخاطبة المسؤولين والمعنيين لأجل أخذ فكرة ولو بسيطة عن أحوال النساء المهمشات والمعنفات والعاملات بمهن رجالية صعبة وشاقة في بلد الثروات».

وأضاف: «لدي الكثير من الصور التي تحكي معاناة المرأة وركزت على 18 صورة فقط هنا في المعرض كي ألفت عبرها انتباه من يعنيه الأمر من رجال الحكومة العراقية لما آلت إليه أحوال المرأة في العراق في ظل النظام الجديد».

وعن أحوال المرأة في العراق تقول الناشطة النسوية هناء أدور رئيس جمعية الأمل العراقية لـ«الشرق الأوسط»: «سعينا كمنظمات مجتمع مدني بقوة ولا نزال لأجل تبني استراتيجية العنف ضد المرأة وعملنا مع صندوق الأمم المتحدة ووزارة شؤون المرأة، لكن لا نزال ننتظر مصير هذه الاستراتيجية رغم مرور سنين على تقديمها، إذ لم يظهر شيء للعلن حتى الآن».

وأضافت: «عملنا أيضا مع وكالة المرأة للأمم المتحدة ووزارة المرأة حول صياغة قانون للحماية من العنف الأسري وانتهينا من صياغة القانون بأكمله الشهر الماضي وكنا نتمنى مع حملة الـ(16) يوما التي تقام هذه الفترة بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف، أن تعلن الحكومة موافقتها على مسودة القانون للبدء بإجراءات تحويله إلى مجلس النواب لمناقشته، وتطبيقه لاحقا.

وأكدت: «في صيغة القانون أعلاه، هناك آليات محددة ومهمة لمعالجة المشكلة، وليس فقط بنود رقابية، منها بنود لحماية الضحية وتأهيلها وتأهيل الجناة أنفسهم، وهذا مسألة في غاية الأهمية، إضافة إلى تأمين الملاذ الآمن لضحايا العنف وتشكيل محاكم خاصة للعنف الأسري وقضاة خاصين، وتحديد صيغ جديدة للعمل المشترك بين أجهزة الدولة مع منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام وغيرها».

وكيف تصفين وضع المرأة في العراق اليوم بعد تسع سنوات من عمر التغيير، قالت أدور: «وضع المرأة اليوم، وضع تراجيدي وخطير، ورغم أملنا بتحسن وضعها، فإن هناك تدهورا واضحا في وضعها الاقتصادي والتعليمي، مثال ذلك الإحصائيات الرسمية المعلنة تقول: إن نسبة الالتحاق بالصفوف الثانوية بين النساء هي أقل من 42% وهي مسألة خطيرة جدا يعني أن نحو 60% من النساء لا يكملون دراستهن، فأين يذهبن؟.. المسألة تعني أن هناك جيشا من الأمية مع علمنا أن التعليم الابتدائي في العراق، هو جزء من الأمية مع استمرار تدني مستويات التعليم، كما أن معظم المتسربات يقعن ضحية الزواج المبكر وبالتالي العنف والطلاق المبكر ونحن نشهد ارتفاع هذا النوع من الطلاقات في المحاكم الشرعية العراقية».

وزادت: «لا يجب أن ننسى ما أثارته وسائل الإعلام المحلية عن أوضاع السجينات العراقيات إذ أن هناك 31 سجينة محكومة بالإعدام في السجن بموجب المادة 4 إرهاب وقد تعرضن للتعذيب بالصعق الكهربائي والضرب والاغتصاب من المحققين خلال التحقيق معهن، كما تعرضن أيضا للاغتصاب من الشرطة والضباط المرافقين خلال نقلهن من سجن التسفيرات إلى سجن النساء في بغداد».

المهندسة وجدان ميخائيل وزيرة حقوق الإنسان سابقا، أكدت في حديثها عن أحوال المرأة في العراق بالقول: «المرأة العراقية جزء من المجتمع، وهي تعاني مثلما يعاني الآخرون، والملاحظ هو أن معظم الكتل السياسية تمارس تعمدا واضحا لإبعاد المرأة عن أداء دورها في المناصب السياسية والمواقع الإدارية المهمة التي تسهم في بناء البلاد وتطوره.

وأضافت: «لم يزل الدور الذي تلعبه وزارة الدولة لشؤون المرأة قاصرا بسبب عدم وجود تخصيصات مالية لأنها وزارة بلا حقيبة، يعني لا تملك قوة التنفيذ وهي وزارة استشارية فقط». ووصفت دور الحكومة العراقية في معالجة أوضاع المرأة في العراق بأنه لم يحالفه النجاح لأسباب عدة، منها غياب التخطيط الإداري الحقيقي لأوضاع المرأة وما تتطلبه من أدوات لأجل معالجة مشاكلها».

بدورها أكدت البرلمانية انتصار علي الجبوري رئيس لجنة المرأة والأسرة والطفولة في مجلس النواب العراقي: «لم تزل المرأة العراقية ضحية شتى أنواع العنف والتعذيب وحرمانها حتى من بعض حقوقها. وسواء أكانت طرق التعنيف مباشرة أو غير مباشرة، جسدية أو نفسية، فلا بد من الوعي إليها والحد منها لحلها وعدم محاولة الاختباء وراء أعذار معينة».

وأضافت: «الانتهاكات المستمرة والتي آخرها تعرض نساء سجينات عراقيات للتعذيب والاعتقال من دون تهم تنسب إليهن، ليست محرجة للحكومة العراقية فحسب، بل أيضا للمجتمع الدولي. إن اغتصاب السجينات العراقيات: جانب آخر من الجريمة اللاإنسانية، تمارسها إدارة السجون فضلا عن عمليات إذلال متنوعة».

يذكر أنه خلال العقود الثلاثة الماضية التي تخللتها الحروب والنزاعات والعنف والعقوبات والحروب الأهلية كان على المرأة العراقية أن تتحمل أعباء مضاعفة كبيرة لملء الفراغ. ومن الجدير بالذكر أن أسرة من بين كل عشر أسر عراقية ترأسها امرأة كما أن 90% من هؤلاء النسوة هن من الأرامل، وتبقى نسبة البطالة بين النساء العراقيات من بين أعلى النسب في المنطقة العربية، حيث إن امرأة واحدة فقط من بين كل عشر نساء لديها عمل أو تبحث عن عمل مناسب.

ويأتي اليوم العالمي لمكافحة العنف ضد المرأة في كل عام عنوانا للتذكير بواجب حماية المرأة من أي عنف يطالها أو انتهاك تتعرض لها أو حرمان لحقوقها من قبل الطرف الآخر. في عام 1999. أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 25 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام يوما عالميا للقضاء على العنف ضد المرأة. ويحيي هذا اليوم ذكرى الاغتيال الشنيع الذي استهدف، في عام 1960، الأخوات الثلاث ميرابيل اللائي كن من الناشطات السياسيات في الجمهورية الدومينيكية، وذلك بأمر من الديكتاتور الدومينيكي رافائيل تروخيلو (1930 - 1961).

ويأتي الاحتفال بهذه المناسبة وسط تقارير إعلامية وجهات سياسية تحدثت عن اعتقال نساء عراقيات دون أوامر قبض قضائية مصدقة والاعتداء على الموقوفات داخل أماكن التوقيف التابعة لوزارة الداخلية وتعذيبهن من أجل انتزاع اعترافات مزعومة ضد أزواجهن للإطاحة بهم وإحالتهم على القضاء، على حد زعم هذه الجهات.

وردت وزارة الداخلية العراقية في بيان لها أمس تسلمت «الشرق الأوسط» نسخة منه قالت فيه «إن وزارة الداخلية تؤكد رفضها لمثل هذه الأفعال المشينة، وتنفي بشكل قاطع هذه الاتهامات التي لا أساس لها من الصحة، وتؤكد أن جميع الأوامر التي تنفذها الوزارة بحق المتهمين من الذكور أو الإناث تتم وفق سياقات قضائية وقانونية إذ إن القانون يجيز لأعضاء الضبط القضائي ضبط المتهمين في حالة الجرم المشهود وكذلك تنفيذ مذكرات قبض صادرة من السلطة القضائية والتحقيقية المختصة وتؤدي الوزارة هنا دورها التنفيذي الذي فرضه الدستور عليها»، مشيرة إلى أن «أبواب مواقف الوزارة مفتوحة أمام جميع اللجان المحلية والدولية المختصة وذوي الشأن للتحقق من زيف وكذب الادعاءات الباطلة، وأن وجود الدوائر الرقابية ومديرية حقوق الإنسان في وزارة الداخلية لهو خير دليل على شفافية عمل الوزارة وقانونيته، حيث عملت هذه المديريات على تعزيز المنظومة الأخلاقية لدى منتسبي الوزارة ومحاربة أي أفعال فردية قد تصدر هنا أو هناك».