لا تكمل.. فالإنترنت ستفهم قصدك

خاصية «الإكمال التلقائي» تكشف عن ميل الأشخاص لطرح الأسئلة الحساسة والخاطئة سياسيا

تأتي الأسئلة من قبل مرتادي «غوغل» من الخاصية التي يطلق عليها «الإكمال التلقائي»
TT

هناك بعض الأسئلة التي نطرحها على الأصدقاء والعائلة والمقربين، وهناك أسئلة أخرى نطرحها على الإنترنت، ولطالما زودت محركات البحث الناس بإشارات للموضوعات التي يبحثون عنها، ولكن بعض المواقع، مثل «غوغل» و«بينغ»، تقوم الآن بإظهار بعض الأسئلة المحددة الأكثر شيوعا، مما يعطي الجميع فرصة فعلية لتدقيق النظر في الأسئلة الفضولية التي يطرحها الآخرون، وهو ما يكشف عن أنماط مثيرة للاهتمام بالفعل.

وتتضمن هذه الأسئلة الشائعة بعض الأسئلة مثل: متى سينتهي العالم؟ هل نيل آرمسترونغ مسلم؟ هل كان جورج واشنطن شاذا؟ وتأتي هذه الأسئلة من الخاصية التي تطلق عليها شركة «غوغل» اسم «الإكمال التلقائي» (autocomplete)، بينما تسميها شركة «مايكروسوفت» اسم «الاقتراح التلقائي» (autosuggest)، وهي خاصية تتوقع الأسئلة التي من المحتمل أن تقوم بطرحها اعتمادا على الأسئلة التي طرحها الآخرون بالفعل. فيمكنك ببساطة كتابة سؤال يبدأ بكلمة مثل «هل يكون..؟» أو «هل كان..؟»، وسوف تبدأ محركات البحث في إكمال باقي السؤال.

ويؤكد المتخصصون في دراسة سلوكيات الأشخاص على الإنترنت أن خاصية الإكمال التلقائي تكشف عن نماذج أوسع نطاقا، بما في ذلك مؤشرات تؤكد أن الأسئلة التي يطرحها الأشخاص على محركات البحث غالبا ما تميل نحو الموضوعات الحساسة والخاطئة سياسيا. ويقول داني سوليفان، رئيس تحرير موقع «سيرش إنجين لاند»، الذي يقوم بتغطية قطاع البحث: «إن محرك البحث الخاص بك هو أفضل أصدقائك، حيث تتحدث معه عن كل شيء تقريبا، حتى تلك الأشياء التي لا تستطيع التحدث فيها مع أصدقائك الحقيقيين. إنها الطريقة التي تعكس بها محركات البحث المجتمع.» وهناك نوعية من الأسئلة تأتي بتكرار مثير للحيرة مع خاصية الإكمال التلقائي، وهي الأسئلة التي تتعلق بما إذا كان شخص معين شاذا أم لا، مثل: هل إيلتون جون شاذ؟ هل بول ريان شاذ؟ هل مايكل بلومبرغ شاذ؟ كما يغلب ظهور هذا السؤال أيضا عند بدء أي عمليات بحث عن جورج كلوني ولاعب البيسبول أليكس رودريغيز والممثلة إيلين بيدج وجانكيز خان والعديد من الشخصيات الكارتونية؛ بل وحتى البابا. ويعتبر هذا النمط من الأسئلة شائعا إلى درجة أن استفسارا بسيطا على «غوغل» يبدأ بكلمة «هل» قد يجعل خاصية الإكمال التلقائي تتنبأ بأنك على وشك أن تسأل: هل فرانك أوشن شاذ؟ وإذا فعلت الشيء نفسه مع محرك بحث «مايكروسوفت بينغ»، فإنه سيكمل السؤال في الغالب على أنه: هل روبرت روبرتس شاذ؟ ورغم أن هناك أسئلة لا تظهر في كل مرة، فإنها تظهر بتكرار يبعث على الاستغراب.

ويذكر نيك إنتفين، وهو كبير مديري البرامج في محرك بحث «مايكروسوفت بينغ»، أن النتائج تعكس جوانب الفضول الجمعي لدى مستخدميه (وأن نتائج مشابهة تظهر على «غوغل» أيضا)، ولم يستطع تحديد عدد المرات الذي يتعين على الناس أن يكتبوا فيه سؤالا كي يصبح سائدا في هذه الخاصية، إلا أنه أشار إلى أنه بالنسبة للمصطلحات المنفردة الشائعة مثل «فيس بوك»، فإن هذا العدد يتجاوز ملايين المرات. ويقول خبراء محركات البحث إنه لا يمكنهم استبعاد أن تكون هذه الظاهرة نتيجة لعيب ما في النظام، إلا أنهم يضيفون أن احتمالية ذلك بعيدة للغاية. ويوضح إنتفين: «نحن نعتمد في ذلك على الخبرة، على ما يسأل عنه المستخدمون في جميع أنحاء العالم. نحن نحاول أن نعبر عن المقاصد الجمعية للعالم»، فإذا كان الناس يتساءلون عما إذا كان الناس الآخرون شواذا، «فإن هذا يكون هو المقصد الجمعي، ونحن ملتزمون به.» وأضاف إنتفين أنه هو وزملاءه في شركة «مايكروسوفت» كثيرا ما يناقشون بعض الأسئلة الغريبة، فمنذ أشهر قليلة أثارت اهتمامهم التساؤلات المتكررة التي تأتي من مستخدمي محركات البحث عن القوالب الثقافية. اكتب مثلا «لماذا يعتبر الأميركيون..؟»، وسوف تتضمن اختيارات الإكمال التلقائي: «بدينين» و«أغبياء» و«وطنيين»، فإذا ما استبدلت بها كلمة «الصينيون»، فإن نتائج الإكمال التلقائي سوف تتضمن: «نحيفين» و«خشنين» و«أذكياء». وإذا كان من الممكن الاعتماد على خاصية الإكمال التلقائي بصفتها مؤشرا، فإن مستخدمي محركات البحث يتساءلون بانتظام عما إذا كان اليهود أكثر ذكاء، وعما إذا كان الأميركيون الأفارقة أفضل بوصفهم رياضيين.

وفي بيان لها، كتبت كريستينا رادوزافليفيتش سيلاغي، وهي متحدثة باسم شركة «غوغل»: «إن أسئلة البحث التي ترون أنها جزء من خاصية الإكمال التلقائي هي انعكاس لنشاط البحث الذي يقوم به جميع مستخدمي الويب». وقد رفضت إجراء حوار معها حول خاصية الإكمال التلقائي، إلا أنها أضافت في رسالتها أن شركة «غوغل» تحاول أن تعبر بدقة عن تنوع ما هو موجود على الإنترنت، سواء كان جيدا أم سيئا.

وهناك احتمالات أخرى للسبب وراء إعطاء هذه الأسئلة نتائج حمقاء، وأحد هذه الاحتمالات هو طبيعة اللغة، فالأسئلة التي تبدأ بكلمة «هل» ربما يكون ارتباطها بالسؤال عن الميول الجنسية لشخص ما أكبر من الأسئلة التي تبدأ بكلمة «أين» مثلا. ولكن مع ذلك، ففي محرك البحث «بينغ»، تعتبر الميول الجنسية أيضا موضوعا شائعا مع الأسئلة التي تبدأ بكلمتي «هل كان» (مثل: هل كان إدغار هوفر شاذا؟) وربما يكون أحد التفسيرات الأخرى لأنماط الإكمال التلقائي وجود تطفل ما من قبل محبي المزاح الذين يحاولون التلاعب بالنظام، ومن الممكن أن يحدث ذلك مع محركات البحث، ففي وقت قريب، طلبت بيتينا فولف زوجة كريستيان فولف، أحد رؤساء ألمانيا السابقين، من موقع «غوغل» أن يتوقف عن اقتراح مصطلحات مثل «عاهرة» بعد اسمها، إلا أن الموقع رفض، قائلا إن هذه المصطلحات كتبها أفراد لمرات كثيرة للغاية.

ويعكس تطور خاصية الإكمال التلقائي الطلب الشديد على السرعة بين مستخدمي الكومبيوتر، وأحد الأسباب التي تجعل محركات البحث تقدم هذه الخدمة هو تقليص عدد الأخطاء الهجائية، بحيث يمكن الوصول إلى صفحات الويب بسرعة ودقة أكبر، غير أن أحد الأسباب الأخرى لذلك هو مساعدة الناس على أن يشعروا كما لو أن الأمور تسير بسرعة أكبر، مما يوفر عليهم وقت كتابة بضع كلمات إضافية.. ففي تجربة أجريت قبل عدة أعوام، توصلت شركة «غوغل» إلى أن الناس أبدوا سعادة أكبر بالبحث عندما كانت النتائج تظهر بسرعة أكبر بمقدار أجزاء بسيطة من الثانية، وهو معدل أقل مما يستطيع العقل الواعي أن يدركه في الواقع. ومنذ ذلك الحين، أنفقت شركتا «غوغل» و«مايكروسوفت» المليارات على تقديم نتائج بحث أسرع لمستخدمي الكومبيوتر الذين يفتقرون إلى الصبر.

إذن ما الذي قد يفسر هذا الشغف الواضح بالميول الجنسية للناس؟ يقول ريتش سافين ويليامز، وهو أستاذ في «جامعة كورنيل» يدرس القضايا المتعلقة بالشواذ، إن تكرار مثل هذه الأسئلة يعد من أعراض الطبيعة المسيسة للجنسية المثلية، حيث يشير على سبيل المثال إلى أن الشواذ أو من يدافعون عن حقوق الشواذ ربما يبحثون عن حلفاء وأشخاص لهم طريقة التفكير نفسها، في حين أن من يعارضون تلك الحقوق ربما يسعون إلى ذم وتشويه صورة أحدهم، سواء كان سياسيا أو رياضيا أو ممثلا. ويتابع قائلا: «الناس يسألون لأنهم يريدون شيئا ما، إلا أن ذلك الشيء لا يكون واحدا على الدوام».

ويقول شين غورلي، المؤسس المشارك والرئيس التكنولوجي لشركة «كويد» لتحليل البيانات، إن نتائج الإكمال التلقائي تبرز الطبيعة الشخصية للحوارات التي يرى الناس أنهم يجرونها مع أجهزة الكومبيوتر الخاصة بهم. ويستطرد قائلا: «إن الكمبيوتر الخاص بنا لا يحكم علينا، ونحن لا نشعر كما لو كنا في سياق الحكم علينا. إننا نميل إلى طرح الأسئلة دون أي نوع من الحواجز».

* خدمة «نيويورك تايمز»