«هون رجوليتك؟ فتش عا إنسانيتك»

سؤال تطرحه منظمة «كفى عنف واستغلال» لمفاهيم مغايرة للذكورة

TT

هل الرجولة تكمن في قوة العضلات؟ أم في حمل السلاح؟ أو في التعنيف الكلامي؟ انطلاقا من هذه الأسئلة التي تدور حول المعنى المنقوص للرجولة أقامت منظمة «كفى عنف واستغلال» حملتها السنوية لمكافحة العنف ضد المرأة تحت عنوان «نحو مفاهيم مغايرة للذكورة» تزامنا مع إطلاق اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة الواقع في 25 الجاري ولفترة تمتد لـ16 يوما متتاليا في عدد من المناطق اللبنانية. وفي المناسبة عرض على شاشات التلفزة المحلية إعلان تجاري يتناول هذه المشكلة الاجتماعية من فكرة وإعداد وإخراج الممثل اللبناني بديع أبو شقرا الذي تطوّع شخصيا للمشاركة في الحملة المناهضة للعنف ضد المرأة فوقف أمام الكاميرا يستعرض حينا عضلاته وأحيانا أخرى سلاحه الذي يلف خصره وما إلى ذلك من مظاهر تتبعها شريحة من الرجال في لبنان والعالم العربي لإبراز المفاهيم السائدة لمعاني الرجولة بنظرهم.

وتقوم المنظمة في المناسبة بسلسلة جلسات توعية حول العنف الأسري وأهمية إشراك الرجل فيها وذلك في مختلف المناطق اللبنانية وبينها صيدا وبعلبك وبرج البراجنة وبيروت وتتضمن نقاشات حول طاولات مستديرة تعقد مع قادة المجتمع المحلي ورجال دين إضافة إلى مسيرات صامتة تضاء فيها الشموع على شكل الشارة البيضاء المعتمدة كرمز يحمله كل من يدعم هذه الحملة.

وكانت آخر الدراسات التي قامت بها المنظمة قد أظهرت أن هناك امرأة كل شهر تلاقي حتفها في لبنان من جراء ممارسة العنف عليها من قبل الرجل وتؤكد إحدى المسؤولات في منظمة «كفى» المحامية ليلى عواضة أن مكاتب المنظمة تستقبل ما بين الـ300 إلى 500 امرأة في السنة تتعرض للعنف الأسري وأن مساندة نفسية وقانونية تقدّم إليها من أجل التخفيف من معاناتها ووضع حدّ جذري لمعاناتها. وأشارت المسؤولة في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط» أن أهم ما أنجزته المنظمة على هذا الصعيد هو توعية المجتمع على هذه المشكلة من خلال الحملة المقامة الحملة قائلة: «إننا لا نركز على مناهضة الرجل بل على المفهوم الذكوري السائد في مجتمعنا العربي ككل وإن انخراط الرجال في هذه الحملة ودعمها ساهم في إبراز ذلك بصورة واضحة مما جعلنا نجتاز أول وأهم مرحلة في نظرنا».

ورغم أن عددا ضئيلا من النواب اللبنانيين وقّعوا على مشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري (نحو الـ27) فإن المنظمة متفائلة في إصداره قريبا بعدما توصلت إلى إعطائه عنوانا أكثر شمولية (مشروع قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري) وبمتابعة المعركة من أجل سنّه حتى النهاية. وأوضحت المحامية ليلى عواضة أن رجال الدين في لبنان لا يشكلون عائقا حقيقيا لإصدار القانون لأن جميع الأديان ترفض مبدأ العنف ولكن هناك نقاط يتم مناقشتها إذ يعتبرها بعضهم تدخل ضمن الحقوق البديهية للزوج.

ولعل أهم ما توصلت إليه هذه الحملة هو التعاون المثمر الذي جرى بينها وبين مديرية قوى الأمن الداخلي والتي نتج عنها لجنة مكوّنة من ضباط في المديرية وممثلين عن الجمعية انبثقت عنها البطاقة التعليمية حول مكافحة العنف الأسري والتي ستدرّس كمادة في الورش التدريبية لعناصر قوى الأمن الذين حملوا على صدورهم طيلة أيام الحملة الشارة البيضاء للدلالة على دعمهم لها. ومن المنتظر أيضا أن يصار إلى تدريب عناصر منهم ليصبحوا مؤهلين بدورهم لتدريب آخرين على كيفية التعامل مع النساء المعرضات للعنف الأسري والتي تطال أسلوب استقبالهن وتهدئتهن والتعاطف معهن وغيرها من الأمور التي يكونوا بحاجة إليها عندما يلجأن إلى مخافر الشرطة.

وكانت المنظمة قد كرّمت في اليوم الأول لانطلاق الحملة ستة رجال اعتبرتهم ساهموا مساهمة مباشرة في دعمها وهم اللواء أشرف ريفي (المدير العام لقوى الأمن الداخلي) والنواب جان جانجنيان وميشال الحلو ونبيل نقولا والممثل بديع أبو شقرا وحارس مرمى المنتخب اللبناني زياد الصمدي الذي شارك أيضا في الإعلانات المصورة للحملة.

ومن النشاطات الجديدة التي أطلقتها منظمة (كفى عنف واستغلال) مفكرة شهرية بعنوان (النشرة) يحررها شبان لبنانيون وغيرهم من سوريين ومصريين وفلسطينيين يروون فيها تجربتهم الخاصة في هذا الموضوع (العنف) والمفاهيم الخاطئة للذكورية التي تربوا عليها وأسفرت عن قيامهم لأفعال عنفية تجاه المرأة والتي تنبع عن خوف لديهم من سرقة السلطة منهم.

ومن المشاكل التي أشارت إليها المسؤولة في المنظمة تلك التي تعاني منها النساء فقط أثناء تواجدها مع زوجها في المجتمع وبالتحديد مع أهله إذ تبين أن عددا منهن يعشن في سلام تام مع أزواجهن فيشكلان ثنائيا جيدا ضمن علاقة متوازية فيها اللطف والحنان والحب إلى حين تواجدهما في جلسة واحدة مع أهل الزوج عندها تنقلب شخصية الزوج ليصبح عنيفا ومستهترا بأحاسيسها من أجل التأكيد على رجولته أمامهم ضمن المقاييس والمفاهيم التي يرونها ضرورية بنظرهم ولكي لا يحاكم من قبلهم بالخنوع والاستسلام لمشيئة المرأة مما ينقص من مركزه كرجل في بيئته.

وأثنت المحامية ليلى عواضة على تطوع كل من الممثل بديع أبو شقرا ولاعب كرة القدم زياد الصمدي في هذه الحملة بحيث قدّم الأول فكرة الإعلان الخاص بها وقام بتنفيذها دون أي مقابل وكذلك بالنسبة للثاني الذي تفاجأت المنظمة في إعلانه عن التبرع بالمبلغ الذي سيحصده من خلال اشتراكه في برنامج (ديو المشاهير) لدعم منظمة (كفى عنف واستغلال).

هذه الحملة التي تقام بالاشتراك مع الاتحاد الأوروبي ومنظمة (أوكسفام) العالميين تحت عنوان تعزيز العمل مع الرجال والشباب لمناهضة العنف ضد المرأة ستشمل نشاطات تقام أيضا في عدد من الجامعات اللبنانية بينها الـ(LAU) والـ(AUT) بهدف إشراك الشباب الجامعي فيها مباشرة.

وكانت آخر الإحصاءات قد أشارت إلى أن سبع من كل عشر نساء حول العالم تعرضن للعنف الجسدي في فترة معينة من حياتهن مما يضع هذه المشكلة في أولوية جدول الممارسات العنفية التي ترتكب في مختلف المجتمعات ولا سيما العربية والآسيوية منها.