رجل أعمال مصري يتبنى مبادرة لتبادل الخبرات بين الشباب المصري والأميركي

شفيق جبر لـ «الشرق الأوسط» : المتطرفون الذين يطالبون بهدم الأهرام صوتهم عال والعقلاء صامتون

رجل الأعمال المصري شفيق جبر («الشرق الأوسط»)
TT

في وقت تشهد فيه مصر والمنطقة العربية اضطرابات ومظاهرات، وترتفع فيها أصوات لبعض التيارات التي تنادي بهدم الأهرامات وتحريم الفن، كانت العاصمة الأميركية واشنطن تشهد انطلاق المبادرة التي تبناها رجل الأعمال المصري شفيق جبر لجعل الفن جسرا للتواصل بين الشرق والغرب وإعادة بعث البعد الإنساني للمجتمعات.

وشهدت قاعة أندرو ميلون التاريخية بشارع كونستيتيوشن افينيو بواشنطن معرضا لمجموعة اللوحات الفنية التي يقتنيها جبر، والتي رسمها مستشرقون جاءوا إلى مصر والمنطقة العربية وعاشوا فيها ونقلوا عبر لوحاتهم عادات وتقاليد شعوب المنطقة. وتنتقل المبادرة لجعل الفن جسرا للحوار بين الشرق والغرب إلى محطات أخرى في نيويورك وباريس وإسطنبول والقاهرة لتدشين مشروع للتبادل الثقافي بين شباب الشرق وشباب الغرب باستثمار 3 ملايين دولار لمدة عامين.

كان اللقاء مع رجل الأعمال المصري شفيق جبر قبل ساعات قليلة من افتتاح معرض اللوحات والجلسات التي تتحدث عن دور المستشرقين وتحديات الشرق والغرب وكيفية بناء جسور التعاون. وقد امتلأت قاعة أندرو ميلون بعشرات العمال والمسؤولين الفنيين لوضع اللمسات الأخيرة قبل افتتاح المعرض. وأعطت القاعة التاريخية بأعمدتها العملاقة أبعادا جديدة للوحات التي يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، والتي تثير الانبهار لدقتها في إبراز تفاصيل الحياة والملابس والزخرفة على الحوائط وتنقل بواقعية تفاصيل الحياة في مصر والدول العربية في تلك الفترات. وكان لـ«الشرق الأوسط» الحوار التالي مع شفيق جبر حول الأوضاع الحالية في مصر والعالم العربي.

* في البداية ما تفاصيل المبادرة التي تطرحها للتواصل بين الشرق والغرب؟ وما أهميتها؟

- أنا كمواطن مصري وعربي سمحت لي ظروفي الشخصية أن أتنقل في بلدان مختلفة مع والدي الذي خدم بالخارجية المصرية، وأشعر أن هناك سوء تفاهم كبيرا وعدم مقدرة على التواصل الجاد بين الشرق والغرب خاصة بين الولايات المتحدة وأوروبا الغربية وبين العالم العربي الذي أعيش فيه. ويقلقني ذلك ليس فقط لأنه يمس مصلحة مصر والبلاد العربية، لكن لأنه إذا استمر الأمر بهذا الشكل سينجم عنه خلافات شديدة تؤثر على الأجيال المقبلة. ويساورني قلق من انزلاق العالم إلى مزيد من الصراعات والاضطرابات بسبب المفاهيم الخاطئة لدى كل طرف عن الآخر، ولذا أؤمن أن أهم شيء لتحقيق النجاح هو تفهم أوضاع الآخرين من خلال تجربة حقيقة من التواصل المباشر.

والمبادرة تعتمد على اختيار شباب من العالم العربي من مختلف التخصصات (قانونية، تجارية، فنية وغيرها) ومجموعة من الشباب الأميركي والأوروبي لتأسيس برنامج لتبادل الخبرة، حيث يأتي الشباب الأميركي إلى مصر، ويذهب الشباب المصري إلى الولايات المتحدة لمدة أسبوعين ويتعامل مع المتخصصين في مجاله من خلال برنامج تقوم به جامعات في الولايات المتحدة ومؤسسات متخصصة في التواصل بين المجتمعات المختلفة، ونفس الشيء في مصر مع الجامعات المصرية والمؤسسات التي ترعى التواصل، ثم يجتمع الشباب المصري والأميركي لتنفيذ مشروع مشترك خلال 90 يوما بعد الزيارتين، ويقدم المشروع تجربتهم الشخصية. ويعقد مؤتمر لعرض تلك المشاريع مرة في الشرق على مجموعة أكبر من الشباب من مصر والمملكة السعودية والبحرين وشمال أفريقيا، ومرة أخرى في الغرب على شباب من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وأوروبا الغربية.

* واشنطن هي المحطة الثانية للمبادرة بعد انطلاقتها في لندن، ما المحطات التالية؟

- سننتقل المبادرة والمعرض الفني إلى نيويورك وباريس وإسطنبول ومصر. وستبدأ في نيويورك في الثالث من ديسمبر (كانون الأول) ثم نتوقف لمدة شهرين لنقيم التجربة ومدى الاستجابة للمبادرة في كل من بريطانيا والولايات المتحدة، ثم نبدأ في اختيار الشباب لزيارة الولايات المتحدة في مارس (آذار) 2013 ثم مرحلة اختيار الشباب الأميركي للذهاب إلى مصر في مايو (أيار) 2013. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2013 سنقيم مؤتمرا في الولايات المتحدة لتقييم عام من الفعاليات، وخلال تلك الفترة نأمل أن تستقر الأمور في مصر ونعقد المؤتمر التالي في القاهرة.

* من الذي يرعى المبادرة؟ ومن الذي يمولها؟

- لا يوجد راعٍ أو ممول للمبادرة سواي، وأنا ملتزم بتنفيذها لمدة عامين، لأني أريد أن أعطي الشباب المصري المعرفة، واستثمر فيها ما يزيد عن 3 ملايين دولار. وقد كان لي تجربة سابقة منذ 12 سنة عندما أحضرت شبابا من سوهاج جنوب مصر إلى الولايات المتحدة وتعرفوا عليها وأقاموا علاقات أدت إلى نتائج إيجابية، وفي المقابل أخذت شبابا أميركيين إلى مصر وأتذكر موقفا لا أنساه عندما كنا نمشي في الشارع ووجدوا مجموعة من الشباب المصري تجري حاملين أعلاما حمراء، واعتقد الشباب الأميركي أنه انقلاب شيوعي بينما كانت الحقيقة أنهم جماهير النادي الأهلي يحتفلون بفوز ناديهم بإحدى المباريات.

* العالم أصبح الآن قرية صغيرة بسبب التكنولوجيا، ويتم التواصل بين الشرق والغرب والشمال والجنوب من خلال وسائل التواصل الاجتماعية على الإنترنت، إضافة إلى وسائل الإعلام فهل يمكن أن تؤدي تلك الأدوات إلى تواصل بين الحضارات والثقافات في رأيك؟

- نعم.. نحن نعيش في الوقت الحالي مع أنواع مختلفة من التواصل الإلكتروني من إيميل و«فيس بوك» و«تويتر» لكنه ليس تواصلا حقيقيا، فلكل مجتمع عاداته وتقاليده ولن يحقق التواصل الإلكتروني نفس القدر من التقارب الذي يحققه التعارف والتواصل المباشر. وأنا مؤمن أن الزيارات والتعارف هي أهم وسائل التواصل الإيجابي لأن التواصل الإلكتروني من الممكن أن يؤدي إلى تواصل سلبي وتعميق الخلافات، بل قد يزيد اعتمادنا على الإيميل والتلفزيون من اعتكافنا ويحد من قدرتنا على التواصل.

ويساورني القلق عندما أتحدث مع الأميركيين في المدن الصغيرة وأجد لديهم قلقا كبيرا من زيارة مصر والشرق الأوسط وأن الصورة الذهنية لديهم عن المنطقة وبلدانها هي الإرهاب والحرب. ونفس الموقف أجده في القرى الصغيرة في مصر حيث يعادون الولايات المتحدة. وعندما يتحقق التواصل سيتحقق فهم أكبر لكل مجتمع وسيظهر نتائج ذلك عند السياسيين، فالسياسي الأميركي يأتي للقاهرة لمدة 24 ساعة لعقد اجتماعات ولا يتعرف على المجتمع المصري الحقيقي.

وعندما كنت أتقابل مع أعضاء بالكونغرس الأميركي أتفاجأ أنهم لم يأتوا من قبل إلى مصر على الرغم من أنهم يأخذون قرارات تمس مصر وكل زيارتهم إلى منطقة الشرق الأول تقتصر على زيارة إسرائيل. ولا أنسى ما قاله عضو بالكونغرس عن ولاية كاليفورنيا إنه بعد دعوات ملحة، قرر الذهاب إلى مصر واستمتع بها، وأصبح يزورها كل عام وعندما يناقش أمرا يتعلق بمصر، أصبح لا يعتمد على التقارير المكتوبة بل على رؤيته الشخصية وعلى مقابلات يعقدها بنفسه في مصر.

* هل يمكن التواصل بين أي ثقافات أو حضارات مع غياب أو تهميش البعد الإنساني للمجتمع؟ وكيف نبعث إنسانية المنطقة العربية في وقت تنادي بعض الآراء لتيارات في مصر بهدم الأهرامات وتحريم الفن والهجوم على المبدعين والفنانين؟

- لا بد من البعد الإنساني لأنه جزء لا يتجزأ من التواصل المباشر، والمشكلة في تلك الأصوات أن المتطرفين هم أصحاب الصوت العالي، والهدف من المبادرة التي أطرحها هي أن يكون للعقلاء من السيدات والرجال صوت يرد على هذا التطرف. وقد أشار خبير بريطاني إلى أن المجتمع العربي به طرفان: السياسيون الذين لهم رؤية قصيرة لأنهم دائما في حلقة انتخابات، والمتطرفون أصحاب الصوت العالي، أما فئة العقلاء فهي تقف صامتة في المنتصف. والمبادرة تعطي فرصة للصامتين أن يعبروا عن أنفسهم.

* تقدم في المعرض مجموعة من مقتنياتك الخاصة من اللوحات الفنية للمستشرقين كدليل على دور الفن في التواصل بين الحضارات، كيف بدأت قصتك مع تلك اللوحات؟ وفي رأيك ما الدور الذي يمكن أن يقوم به الفن في التواصل بين الشرق والغرب في الوقت الحاضر؟

- بدأت تجربة الاقتناء في عام 1993 وأصبح لدي الآن مجموعة تبلغ 135 لوحة من لوحات الفنانين المستشرقين. وقد درست فن الاستشراق وانبهرت بالمستشرقين الذين جاءوا من الشرق والغرب إلى المنطقة العربية، وقاموا بتصوير الأشخاص والأماكن. ومنهم مستشرقون روس جاءوا إلى مصر في افتتاح قناة السويس وانبهروا بمصر، ومكثوا فيها وفهموها تقاليدها وسجلوها في لوحاتهم وكانت لوحات المستشرقين سببا في معرفة الغرب والشرق لتلك الحضارة والثقافة المصرية ومنهم الفنان ايكوفسكي وهو من أشهر الفنانين في روسيا وجاء لمصر مندوبا عن القيصر في افتتاح قناة السويس ورسم خمس لوحات لمصر. وقد يستغرق البحث عن لوحة لفنان مستشرق فترة طويلة ومجهودا كبيرا وقد استغرق مني الأمر ثلاث سنوات لأجد لوحة تصور نابليون في سيناء. وكل لوحة في المجوعة لها قصة وأعتبر كل لوحة جزءا من عائلتي. وكانت تلك اللوحات للمستشرقين الإلهام الأساسي وراء المبادرة، لأن الفن دائما له دور إنساني يعيدا عن السياسة والآيديولوجيات ويوفر مساحة للتعبير دون أن يكون هناك حساسيات.

* أنت رجل أعمال أقمت الكثير من المؤتمرات الاقتصادية لتحقيق روابط اقتصادية بين مصر والولايات المتحدة، ولديك تواصل سياسي مع أعضاء الكونغرس ومسؤولين كبار بالإدارة الأميركية، هل لجأت إلى الفن لتحقيق هذا التواصل بعد إخفاق السياسة والاقتصاد؟

- المسألة لا تتعلق بالإخفاق وإنما برغبتي أن أعطي الفرصة للجيل المقبل. وأفضل شيء للأجيال المقبلة هو تسليحهم بالمعرفة وما أتمناه لمصر هو أن يتوافر بها أفضل تعليم. وترعى مؤسسة شفيق جبر الخيرية 17 مدرسة حكومية في مصر وتساهم في عدد من الجامعات ووفرت الكثير من المنح للمصريين لاستكمال رسائل الماجستير والدكتوراه في الخارج سواء في الولايات المتحدة أو آسيا. وأريد من الشباب أن يتعرف على المجتمعات الغربية لكي يكون حكمه عليها مبنيا على معرفة.

* كرجل أعمال ما تقييمك للأوضاع في مصر؟ وهل تخشى على استثماراتك في مصر أو تخشى على نفسك؟

- أنا لا أخشى على نفسي، أو على استثماراتي في مصر لأني دائما أعقلها وأتوكل ولا أخاف، وإذا أراد الله الخير فسيأتي، ولدي اقتناع أن اسعي بأقصى جهد والباقي على الله. وقد قمت باستثمار 152 مليون جنية في العام الماضي لكي أكون قدوة للآخرين لكن التحدي أكبر من الأشخاص. ولدي قلق وخوف كبير على مصر، وأتمنى أن يكون لدى القيادات السياسية والاقتصادية نوع من المسؤولية لأنه من دون تحقيق الاستقرار والأمن والأمان، لا يمكن لأي مجتمع أن يتقدم. وأتمنى من السياسيين أن يطالبوا الشعب المصري بالعمل سبعة أيام في الأسبوع لتعويض الاضطرابات التي لاحقتنا خلال العامين الماضيين. وأتمنى أن يتوحد المصريون مرة أخرى لأن الفرقة لن تؤدي إلى خير لأي طرف من الأطراف.