كيف يعيش الرؤساء والمستشارون الألمان السابقون؟

مداخيل بالملايين.. أسراب من السيارات الفاخرة.. مكاتب متعددة وطواقم من السكرتيرات والعاملين على خدمتهم

يمتلك المستشار الاشتراكي السابق هيلموت شميدت كل الحق بالتمسك بحياته وبسيجاره وبمنصبه في هيئة تحرير مجلة «تزايت» الأسبوعية رغم اقترابه من سن الخامسة والتسعين
TT

لا تضمن المناصب الرئاسية في ألمانيا، للرؤساء والمستشارين السابقين، حياة مرفهة طوال فترة الحكم فحسب، وإنما راتبا تقاعديا ضخما، وعقود عمل جديدة، وإجراءات رعاية تتضمن المكاتب والسكرتيرات والسيارات الفارهة، إلى حين رحيلهم عن هذا العالم.

واقع الحال أن حكومة المستشارة أنجيلا ميركل، وبعد إقرار تمتع الرئيس السابق كريستيان فولف، بكامل برنامج رعاية الرؤساء والمستشارين السابقين، رغم تورطه بفضائح تتعلق باستغلال المنصب، تدرس حاليا تقليص هذه الرعاية.

وتوصلت لجنة المالية، في البرلمان الألماني (البوندستاج) إلى مشروع قرار ينتظر إقراره من الحكومة والبرلمان، حددت فيه عدد مكاتب الرئيس أو المستشار ببرلين، بمكتب واحد داخل المجمع الحكومي، وحددت عدد الموظفين فيه بأربعة. ولم تشغل اللجنة نفسها لحد الآن بعدد السيارات الموضوعة تحت تصرف هؤلاء الساسة السابقين، لكنها عوضت المستشارين السابقين بأن زادت ما يسمى «منحة الشرف»، التي تمنح كمكافأة، بنسبة 18 في المائة، وهو ما يرفع هذه المنحة إلى217 ألف يورو.

من هذا منطلق يمتلك المستشار الاشتراكي السابق هيلموت شميدت كل الحق في التمسك بحياته، وبسيجاره، وبمنصبه في هيئة تحرير مجلة «تزايت» الأسبوعية، رغم اقترابه من سن الخامسة والتسعين. وحينما سئل شميدت، بمناسبة بلوغه التسعين، عن سبب احتفاظه بحيويته ونشاطه، قال إن ذلك يعود إلى قراءاته أولا، ثم إلى تدخين السيجار ثانيا. بعد ذلك بأيام قليلة أشعل سيجاره في دار الأوبرا في هامبورغ، وأقيمت عليه دعوى قضائية بسبب نسيانه قرار حظر التدخين في الأماكن المغلقة.

لا يعارض الألمان أن يتمتع القادة السابقون بشيء من الرفاهية بعد «خلعهم» من مناصبهم، أو بعد تقاعدهم، لكن الجميع يعترض بالطبع على المبالغة في رعاية هؤلاء القادة، لأنها تأتي على حساب دافعي الضرائب من الشعب. وإذا كان المواطن الألماني يرضى بهذه الرفاهية لمستشار «مثقف» مثل شميدت، ولمستشار الوحدة الألمانية هيلموت كول، وللمستشار «المزواج» جيرهارد شرودر، فإنه رفع صوت الاعتراض على تمتع الرئيس السابق كريستيان فولف، بكامل مزايا الرئيس «المتقاعد»، رغم أنه لم يحكم في قصر الرئاسة «شلوس بيليفو» أكثر من 18 شهرا، وأطاحت به فضائح استغلال المنصب والتلاعب.

ردا على استفسار برلماني وجه إلى وزارة الداخلية الألمانية، كشفت الوزارة بعض ما يتمتع به المستشارون السابقون من «رعاية». واتضح من خلالها أن إجراءات الرعاية وضعت تحت تصرف المستشار الأسبق هيلموت شميدت سيارتي إم دبليو (من طرازBMW530d E60،BMW316i)، وسيارتي مرسيدس من طراز 420 cdi.

أما سرب السيارات التي وضع تحت تصرف المستشار الأسبق هيلموت كول، رغم أنه مقعد ويتحرك على كرسي المقعدين، فعبارة عن 6 سيارات «مرسيدس» فاخرة. ويتفوق عليه جيرهارد شرودر، الذي هزم كول عام 1998 في الانتخابات، لأنه يتمتع بسبع سيارات فاخرة، منها خمس سيارات «مرسيدس» فاخرة، وحافلتي «فولكسفاجن» مجهزة أحسن تجهيز.

ويشير تقرير وزارة الداخلية إلى أن حركة وصيانة وشحن هذه السيارات كلفت دافعي الضرائب حتى الآن 1.256 مليون يورو. ولا يشمل هذا الرقم كلفة سائقي السيارات، وقيمة التأمين، وتكاليف الوقود، ومرتبات الحرس الخاصين (بودي غاردز). وعدا عن مرتب تقاعدي صاف يتراوح بين 100 - 150 ألف يورو سنويا، ينال رؤساء الحكومات السابقة مئات الآلاف الأخرى عن مشاركاتهم في المناسبات، وإلقاء المحاضرات، وعقود الاستشارات، وبيع الكتب، والمناصب «الفخرية» التي ترد الملايين سنويا.

طواقم السكرتيرات والموظفين والعاملين في المكاتب تستهلك مليون يورو كل سنة من خزينة الدولة. ويشمل هذا الرقم طواقم عمل المستشارين العجائز الثلاثة مجتمعين. ويحتفظ كل مستشار بمكتب خاص به في العاصمة برلين، ويعمل في مكتب شميدت 6 موظفين، و7 موظفين في مكتب كول، ونفس العدد من الموظفين في مكتب شرودر. ويستخدم شرودر محامين خاصين، رغم أنه يعمل لشركة «غازبروم» الروسية، ويتقاضي كل منهم 8600 يورو شهريا.

ويبدو المستشارون الثلاثة المذكورون كثيري السفر رغم تقدم السن بهم. وكان العجوز شميدت أنشطهم لأنه سافر سبع مرات إلى برلين عام 2012، إضافة إلى سنغافورة وروما وبكين وتينجن. وطبيعي كانت الدولة تتحمل، على الأقل، كلفة السفر.

شيء روتيني، ومعروف للقاصي والداني، أن يتبوأ الساسة الألمان الكبار بعض المناصب الاقتصادية الرفيعة في الشركات العالمية، التي ترغب في استخدام علاقاتهم الدولية السابقة في أنشطتها. وكمثل فقد تبوأ المستشار العجوز هيلموت كول مقعدا شرفيا في مجلس مجموعة من البنوك السويسرية لقاء مليون مارك. وأصبح الثعلب الاشتراكي العجوز هيلموت ناشرا وعضو رئاسة تحرير الصحيفة الأسبوعية المرموقة «تزايت». وكما ارتبط شميدت بـ«صديقة» جديدة بعد وفاة زوجته، تزوج كول، وهو على كرسي المقعدين، من امرأة تصغره بـ35 سنة، وضمن لها بالتالي تقاعدا وامتيازات لم تكن تحلم بها.

وبوسع المستشار الاشتراكي السابق جيرهارد شرودر أن يفتخر بأنه صار حامل الرقمين القياسيين، بين سلسلة 8 مستشارين حكموا ألمانيا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية: في الزواج (4 مرات)، وفي عدد المهن التي حققها بعد انسحابه من السياسة (3 مهن).

والحقيقة أن المهنة الثالثة لا علاقة لها بالسياسة لأنها تنتظر منه التحول إلى «خطيب» في وكالة «هاري - ووكر» المعروفة على الإنترنت. وتفتح هذه الوكالة الأبواب أمام كثير من السياسيين السابقين، بينهم بيل كلينتون وجيرالد فورد وجيمي كارتر والرياضي كارل لويس، أمام استخدام خبرات هذه الشخصيات السياسية والاقتصادية في المعاملات التجارية والاقتصادية والمحاضرات والخطب.. إلخ.

وبعد صمت عجيب، وسط تكهنات متعددة حول مصير شرودر السياسي، بعد خسارته نزال المستشارية ضد المسيحية أنجيلا ميركل، تم الإعلان في البداية عن امتهان شرودر لمهنة صحافي في جريدة تعتبر من الصحف «الشعبوية». وتفاجأ كثيرون بقبول المستشار «المثقف» بكتابة الأعمدة اليومية لهذه الصحيفة لصالح وكالة «رينجير» النمساوية.

ولم تكد أولى النكات حول مهنة شرورد الجديدة تتردد بين الجمهور، حتى جاء الإعلان عن مهنته الثانية في مجلس شركة «غازبروم» الروسية وثيقة العلاقة بصديقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وكان العمل في «غازبروم» أقرب إلى الفضيحة بسبب عقد بأكثر من 4 مليارات يورو وقعه شرودر مع بوتين و«غازبروم» قبل أيام من توديعه السياسة. وأثار توقيع العقد كثيرا من التكهنات حول الوعود التي أسبغتها الشركة النفطية الروسية لشرودر. خصوصا أن فرنسا وبريطانيا اعترضتا على العقد، الذي وقعه المستشار في الوقت الضائع من دورته الحكومية، أي بعد فوز ميركل في الانتخابات. كما تعرض العقد، الذي ينص على تزويد ألمانيا بالنفط والغاز الروسيين عبر أنابيب تمر تحت قاع البحر، انتقاد بولندا وبلدان البلطيق وفنلندا التي كانت تستفيد من مرور خط الأنابيب البرية على أراضيها. ووصفت إحدى الصحف البولندية اتفاق «غازبروم» بين شرودر وبوتين بأنه يشبه اتفاق هتلر - ستالين قبل الحرب العالمية الثانية، الذي أطلق يد ألمانيا في احتلال بولندا.

تبقى قائمة الحساب: يتلقى شرودر 250 ألف دولار سنويا لقاء خطبه بوساطة «هاري - ووكر»، 1.2 مليون يورو لقاء عمله في غاز بروم. أما الصفقة مع «رنجير» فلم يتم الإعلان عنها، لكن صحيفة «نويه زيوريخر» الواسعة الانتشار أشارت إلى أن ما سيناله شرودر هنا ليس أكثر من «مقبلات» بالنسبة لدار «رينجير» الوثيقة العلاقة بالمطاعم الفاخرة.

هذا يعني أنه لا فرق بين«محافظ» و«اشتراكي»، حينما يتعلق الأمر بحصاد ما بعد المستشارية. مع ذلك قاد الحزب الديمقراطي الاشتراكي الحملة ضد الرئيس السابق، والديمقراطي المسيحي، كريستيان فولف، بغية تجريده من بعض امتيازات الرؤساء السابقين، لكن المحكمة العليا أقرت له الاحتفاظ بسيارة وسائق، ومكتب وموظفين، إضافة إلى مبلغ منحة الشرف البالغ 200 ألف يورو.

وقتذاك، أي قبل 6 أشهر، أجرت القناة الأولى في التلفزيون الألماني استطلاعا للرأي بين ملايين المشاهدين الذين يتابعون برامجها، وتوصلت إلى أن نسبة 84 في المائة تطالب الرئيس فولف بالتخلي طوعا عن تقاعد الشرف. نسبة عالية أخرى تمنت لو أن الرئيس السابق (52 سنة) تخلى عن جزء من هذا المبلغ، إلا أن الرئيس، الثري أصلا، لم يلب نداء «الشرف» حتى الآن.