مفاوضات المناخ في الدوحة تدخل مراحلها الحاسمة

دراسة: أوروبا الأفضل عالميا في حمايته بسبب أزمتها الاقتصادية

نشطاء البيئة يحملون اليافطات خلال مؤتمر المناخ في الدوحة يطالبون بتدابير سريعة تحد من ارتفاع حرارة الأرض وانبعاث الغاز (أ.ف.ب)
TT

قالت مسؤولة المناخ في الأمم المتحدة كريستيانا فيغويريس في مؤتمر صحافي في الدوحة أمس إن «ما يثير استيائي هو ابتعادنا الكبير عما يوصينا به العلم» لاحتواء الاحتباس الحراري. وأضافت: «لكن ما يمنحني الأمل هو إحراز هذه العملية منذ عامين أو ثلاثة تقدما أهم بكثير مما أحرزته في السنوات العشر الفائتة».

وبدأ مندوبو أكثر من 190 دولة الاثنين المرحلة الحاسمة في مفاوضات المناخ في الدوحة مع بدء المشاركة المترقبة للوزراء الذين عليهم حل ملفين رئيسيين هما إقرار مرحلة ثانية لالتزامات بروتوكول كيوتو والمساعدات المالية لدول الجنوب. ويشارك وزراء البيئة والطاقة بشكل خاص ونحو 20 رئيس دولة اعتبارا من اليوم الثلاثاء في الحوارات الدائرة.

ومن أهداف اجتماع الدوحة الذي ينتهي الجمعة الاتفاق على مرحلة التزامات ثانية لبروتوكول كيوتو الذي يعتبر الأداة الوحيدة الملزمة قانونيا التي تفرض على الدول الصناعية وغيرها تقليص انبعاثاتها من غازات الدفيئة، وذلك بعد انتهاء مرحلة الالتزامات الأولى في أواخر ديسمبر (كانون الأول).

ويجري العمل على إبرام اتفاق عالمي قبل نهاية 2015 يشمل جميع الدول ومنها الملوثان الأكبران أي الصين والولايات المتحدة اللتان لم توقعا على كيوتو، بحيث يدخل حيز التنفيذ عام 2020.

وقالت فيغويريس «في نهاية مؤتمر الدوحة ينبغي إقرار التعديلات الضرورية لبدء مرحلة التزامات ثانية في البروتوكول اعتبارا من الأول من يناير (كانون الثاني) 2013». بموازاة هذه المفاوضات الأممية الطويلة والمعقدة تتفاقم الأخبار السيئة حول ارتفاع حرارة الكرة الأرضية.

وأشارت دراسة أخيرة إلى أن وتيرة تضاعف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون قد تؤدي إلى ارتفاع في حرارة الكوكب يفوق 5 درجات مئوية عام 2100. ما يمثل زيادة 3 درجات على الحد الأقصى الذي حدده العلماء قبل أن تبدأ فوضى مناخية.

من جهة أخرى أثبت التقدير الأكثر دقة حتى اليوم لذوبان الجليد القطبي تسارع هذه الظاهرة في السنوات العشرين الفائتة لتساهم بنسبة 20% في ارتفاع منسوب البحار في الفترة نفسها.

لكن بعد أسبوع من المفاوضات لم تحدد التفاصيل بعد فيما يجري صراع قوة بين ائتلاف الجزر الصغيرة المعرضة إلى حد كبير لمخاطر ارتفاع مستوى البحار والاتحاد الأوروبي اللاعب الرئيسي في مفاوضات المرحلة الثانية لاتفاق كيوتو بعد تراجع اليابان وكندا وروسيا.

وأقر مفاوض أوروبي رفض الكشف عن اسمه «هناك دائما تشنج مع ائتلاف الجزر الصغرى» متحدثا عن «موقف جذري يهدد مستقبل البروتوكول». فمن بين نقاط التوتر الكثيرة يطالب الائتلاف بمهلة لمرحلة الالتزامات الثانية لا تتجاوز 5 سنوات عوضا عن 8 كما يريد الاتحاد الأوروبي «لتجنب جمود مطول في الأهداف القليلة الطموح لتقليص انبعاثات غازات الدفيئة».

وعلق المفاوض الأوروبي «لا يبدو الأمر محتملا، لكن يجب التوصل إلى حلول وسطية».

ويتطرق المشاركون إلى مساعدة الدول الأكثر عرضة لعواقب التغير المناخي. وطلبت الدول النامية 60 مليار دولار حتى عام 2015 لضمان مرحلة انتقالية بين المساعدة الطارئة المقررة في قمة كوبنهاغن في أواخر 2009 بقيمة 30 مليار دولار لفترة 2010 - 2012 والمساعدات بقيمة 100 مليار حتى العام 2020.

وأظهرت دراسة دولية حديثة أن أوروبا هي الأفضل على مستوى العالم من حيث الجهود المبذولة لحماية المناخ، وأرجعت ذلك إلى أزمتها الاقتصادية وتبنيها سياسة مناخية جيدة مقارنة بباقي المناطق في العالم.

ورغم ذلك لم تحتل أي دولة في تقييم حماية المناخ، الذي تجريه منظمة البيئة والتنمية «جيرمان ووتش»، هذا العام أي من المراكز الثلاثة الأولى، حيث يرى القائمون على الدراسة أنه لا توجد دولة من الدول الثماني والخمسين الصناعية والصاعدة التي شملتهم الدراسة قامت بما يكفي للحد من تغير المناخ.

ووفقا لبيانات الدراسة التي نشرت نتائجها أمس الاثنين على هامش مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في الدوحة، احتلت الدنمارك أفضل مرتبة في التقييم. وتراجعت ألمانيا من المركز السادس إلى الثامن.

في المقابل، حذر ويندل تريو من ألا يتمكن الاتحاد الأوروبي من المحافظة على مراكزه المتقدمة في التقييم إذا لم يستطع الاتفاق على خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 30% بحلول عام 2020. وأشاد الخبراء بالانخفاض المستمر في الانبعاثات الكربونية وتشريعات حماية المناخ في الدنمارك، تليها السويد في المركز الخامس.

وجاء في التقرير: «مفاجأة هذا العام كانت احتلال البرتغال للمركز السادس». وأوضح أن الأزمة الاقتصادية العاصفة في دول مثل إسبانيا وإيطاليا وآيرلندا واليونان قد تسببت في تراجع ملحوظ في الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.

وأشار التقرير إلى أن البرتغال واصلت تبنيها سياسة إيجابية لحماية المناخ، على خلاف باقي الدول المتأزمة في منطقة اليورو. وأوضح التقرير أن الأزمة الاقتصادية مجرد «عامل قصير المدى» لا ينبغي لدولة الاعتماد عليه في حماية المناخ.

من ناحية أخرى، أشارت الدراسة إلى تراجع ملحوظ في موقع ألمانيا بين دول العالم في جهود حماية المناخ. وأوضحت الدراسة أنه رغم أن التحول الألماني للطاقة المتجددة من الممكن أن يصبح نموذجا للدول الأخرى التي تحاول التخلص من الاعتماد على الطاقة الحفرية، فإن الخبراء يخشون من تعثر التحول إلى الطاقة المتجددة وتوسيع الاعتماد عليها في ألمانيا.

وطالب التقرير ألمانيا بالتصرف بحسم أكبر في تلك القضية، مشيرا في المقابل إلى أن الاستثمارات في مجال الطاقة المتجددة كانت واعدة هناك.

وجاء في التقرير أن الصين والولايات المتحدة أيضا استثمرتا بشكل مكثف في مجال الطاقة المتجددة خلال الأعوام الماضية. واعتبر الخبراء ذلك «بصيص أمل» في حالة الصين على وجه الخصوص بسبب استمرار تدهور مستويات الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري بالبلاد.

وأشار الخبراء إلى أن الولايات المتحدة استطاعت خفض مستوى انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بشكل ملحوظ بسبب الأزمة الاقتصادية، بينما اعتبرت الدراسة كندا من أسوأ الدول الصناعية في حماية المناخ.

وجاء في التقرير: «بادرة أمل لاحت من إعلان السعودية وضع استراتيجية استثمار في مجال الطاقة المتجددة».

ويجري الخبراء هذا التقييم بناء على نسبة انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري التي تنطلق من كل دولة ونسبة اعتمادها على الطاقة المتجددة وسياستها في حماية المناخ. ويستند الخبراء في الدراسة على بيانات أعدت عام 2010، وشملت 58 دولة مسؤولة عن 90% من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في العالم.

وكان قد دعا الاتحاد الدولي لتجارة الانبعاثات (أيتا) الأطراف المشاركة في المؤتمر عدم جر مفاوضات الدوحة إلى نفس المواقف السابقة وإعادة إثارة الخطط التي اتفق عليها من قبل في ديربان. ودعا الاتحاد المتفاوضين بالدوحة إلى الخروج بجولة ناجحة وإنهاء كافة تفاصيل التفاوض حول فترة الالتزام الثانية ببروتوكول «كيوتو». وأضاف الاتحاد في بيان أصدره في الدوحة على هامش المؤتمر وأوردت وكالة الأنباء الألمانية مقتطفات منه أن هذه الخطوة تعد بالغة الأهمية لسوق الكربون.

وقال: «نأمل أن تمنح الأطراف المجتمعة في الدوحة كل وقتها وجهدها ومواردها لحسم القضايا الرئيسية التي تحيط بالتزامات الفترة الثانية لكيوتو والتي أخذت الكثير من الوقت في المفاوضات».

ودعا «أيتا» إلى بحث واسع لآليات سوق كيوتو بما في ذلك آليات التنمية النظيفة بحلول يناير من عام 2013 «وهو ما يساعد على مواجهة النقص الحالي في الطلب على خفض الانبعاثات الكربونية، وكذلك يجب القيام بمزيد من الخطوات من حيث رفع طموحات الأطراف لأجل حل عدم التوازن في الإمدادات على المدى الطويل وأيضا الطلب الحالي في سوق الكربون وفق اتفاقية كيوتو».

ودعت المنظمة إلى تجنب فتح «ثغرات جديدة عبر النقاش في موضوعات جرى بحثها من قبل الأطراف في ديربان». وقالت: إن فترة الاتفاق الثانية لكيوتو يجب أن تنتهي في غضون 8 سنوات حتى عام 2020 تزامنا مع بدء الترتيبات الجديدة لمنهاج ديربان.

ويعد موقف أيتا في هذا الخصوص منسجما مع موقف الدول الصناعية المتقدمة وعكس ما تطالب به الدول النامية في مفاوضات الدوحة والتي تدعو إلى اختصار هذه الفترة إلى 5 سنوات فقط كبادرة على الجدية في تنفيذ اتفاق كيوتو.

ومن جانب آخر أكد وزراء البيئة الأفارقة على موقف تفاوضي موحد للدول الأفريقية المشاركة في المؤتمر.

وقد انتهت المؤتمرات الخاصة للمفاوضين يوم السبت وأشار الدكتور إيمانويل دلاميني رئيس مجموعة المفاوضين الأفارقة أمام الوزراء الأفارقة أنه قد تم التوصل في المرحلة الأولى من التفاوض إلى اتفاقات في بعض الموضوعات المدرجة في اجتماع الأطراف في المؤتمر.

وقال: إن المفاوضات المستمرة في الدوحة تتضمن الرؤى المشتركة، والتكيف، وخفض الانبعاثات الكربونية، والتمويل ومراجعة الصياغات القانونية، وخفض الانبعاثات بالنسبة للدول المتقدمة، والطرق والمناهج واليات سوق الكربون الجديدة والتي أحرزت تقدما تجاه توسعة السوق الدولية للكربون وسمحت بخفض تكلفة الانبعاثات.

وتابع أن هناك عددا من الدول المتقدمة تقدمت بتعهداتها لخفض الانبعاثات وفقا لمعاهدة كوبنهاجن واتفاقية كانكون. ووعد الاتحاد الأوروبي بخفض الانبعاثات بمقدار 20% مقارنة مع مستويات التسعينات والولايات المتحدة 17% مقارنة بعام 2005. وقال دلاميني أن الدول الأفريقية ترى أن مستوى هذه التعهدات لا يزال منخفضا للغاية وتقل عن 15% بالسنة لجميع الدول المتقدمة.

وحول تمسك الدول المتقدمة بتعهداتها الحالية بخفض الانبعاثات قال دلاميني «إنه أمر لا يجب أن تقبل به أفريقيا ما دام يتعارض مع مبادئ الاتفاق»، داعيا الدول الصناعية المتقدمة إلى أن تأخذ دورا قياديا في التحرك لتنفيذ نظام التغير المناخي الجديد، وأن يكون تحركها قياسيا موثوقا به.

* اتفق وزراء البيئة الأفارقة على موقف تفاوضي موحد للدول الأفريقية المشاركة في المؤتمر يتضمن الرؤى المشتركة، والتكيف، وخفض الانبعاثات الكربونية، والتمويل ومراجعة الصياغات القانونية

* طلبت الدول النامية 60 مليار دولار حتى عام 2015 لضمان مرحلة انتقالية بين المساعدة الطارئة المقررة في قمة كوبنهاغن في أواخر 2009 بقيمة 30 مليار دولار لفترة 2010 - 2012 والمساعدات بقيمة 100 مليار حتى عام 2020