سوق خيرية في فيينا بمناسبة أعياد الميلاد الغربية

مشاركة عربية ناجحة جذبت الحضور وتشارك فيها الأمم المتحدة

جانب من الجناح السعودي («الشرق الأوسط»)
TT

تشتهر العاصمة النمساوية فيينا هذه الأيام من العام بأسواق محلية لبيع منتجات خاصة قوامها زينة وهدايا ومأكولات أعياد الميلاد، أسواق مرحة ملونة تنتشر في أكثر من موقع يرتادها الصغار والكبار في فرح عارم من أهل البلد وزوارها.

من جانبها تشارك منظمة الأمم المتحدة هذه الأسواق بسوق خيرية خاصة تقام ليوم ونصف بمباني مركز النمسا «اوستريا سنتر» تشرف عليه وتنظمه جمعية سيدات الأمم المتحدة بفيينا يعود ريعه لمشاريع خيرية تهتم بالطفل والأم، وتهدف لرسم بسمة في وجه طفل محروم في مختلف أنحاء العالم ما أمكنها ذلك.

عضوية جمعية سيدات الأمم المتحدة متاحة للعاملات وزوجات منسوبي المنظمات الدولية العاملة بفيينا بالإضافة للدبلوماسيات ولمنسوبات السفارات المعتمدة لدى تلك المنظمات تأسست الجمعية عام 1967 وتضم حاليا 500 عضو من 100 دولة. يشرف على تصريف وإدارة أعمالها مجلس يتكون من 10 مناصب ورئيسة كثيرا ما يقولون عنها إنها من أقوى الشخصيات بمبنى الأمم المتحدة لكونها المرأة التي لا يرفض لها أي من المسؤولين طلبا فيما تأتمر بأوامرها كل النساء. يتم تعيين الرئيسة ومجلسها بالانتخاب الحر المباشر لدورة مدتها عام يمكن أن تتجدد بالانتخاب لعام آخر فقط. ويراعى عند الترشيح التنويع في جنسيات المترشحات لمزيد من التوازن الجغرافي دون أي اعتبارات دينية أو سياسية أو اقتصادية أو لمناصبهن أو مناصب أزواجهن مع ملاحظة أن عملهن عمل طوعي يتطلب المداومة الكاملة ويتوفر لهن مكتب يتمتع بجميع المواصفات المهنية ووسائل التقنية والتواصل والرقابة والإشراف حسب نظام تتفق عليه المنظمات العاملة من فيينا ومن أهمها الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية «اليونيدو» ومنظمة الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات واللجنة التحضيرية لمنظمة معاهدة حظر التجارب النووية.

تعتبر السوق الخيرية ويطلقون عليها الـ«بازار» المناسبة الأهم لجمع الرصيد الأكبر من دخل الجمعية الذي يصرف سنويا على ما يفوق الـ30 مشروعا خيريا في مختلف بقاع العالم. يتراوح عدد المشروعات طبقا لدخل البازار. فعلى سبيل المثال توفر من دخل بازار العام الماضي مبلغ 223.004 يورو تم توزيعها هذا العام على 36 مشروعا في 32 بلدا.

تشرف على اختيار المشروعات لجنة خاصة تتفرع إلى أفرع جغرافية تقوم بدراسة المشاريع واختيارها ومن ثم تعرض على الجمعية العمومية للموافقة أو الرفض.

تجدر الإشارة أن بالإمكان التقديم للحصول على دعم لمشروعات خيرية وفق مواصفات يمكن الاطلاع عليها بالصفحة الإلكترونية للجمعية وتتوفر استمارات التقديم باللغة العربية مع العلم أن التقديم للعام القادم ينتهي 15 يناير (كانون الثاني) 2013.

يبدأ العمل للبازار منذ أول العام ومن ثم تتسارع وتيرة الاستعدادات والتحضيرات لتعلو ولا يعلى عليها مع اقتراب موعده نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) بداية ديسمبر (كانون الأول) بحيث يصادف موعد صرف مرتبات أعياد الميلاد ويقصده الزوار بأعداد ضخمة كمصدر بضائع عالمية هي الأنسب والأكثر إثارة لتبادلها كهدايا تشرف على البازار هيئة هرمية كاملة تضم رئيسته على رأس الهرم تليها رئيسات لجان تليهن نوابهن وهكذا. يبدأ برنامج البازار وينجز وفق أسس ونظم أشبه ما تكون من حيث انضباطها ودقتها بالنظم والترتيبات التي تتبعها الجيوش سعيا لتجنب أي أخطاء أو هفوات أو نسيان أو تأخير ما أمكن هذا مع تركيز وابتكار لأساليب الدعاية والإعلان على نطاق فيينا بأكملها لجذب أكبر عدد من الزوار وإغرائهم ببرامج الترفيه والرقصات والأغاني القومية باعتبار أن مسرح البازار ركن أساسي من أركانه جنبا إلى جنب بيع المنتوجات المحلية والمأكولات الشعبية للمشاركات للتعريف بثقافاتهن وفنونهن وحضاراتهن وفي ذلك متسع كبير طالما توفرت مقومات الإبداع والموهبة والالتزام فالعدد كبير والمنافسة قوية والزمن محدود لذلك وكما هو طبيعي فإن الفرصة تمنح للأصلح.

في سياق آخر وبينما يتم الدخول للبازار مجانا تحصل الجمعية على نصف دخل كل الطاولات والأركان التي تشرف عليها أعضاؤها السيدات بينما يتم تأجير مواقع كأرضيات للراغبين في البيع من غير الأعضاء مقابل مبلغ محدد.

تشجع الجمعية مبدأ التنسيق والتعاون بين الأعضاء سواء كن من السفارات أو منظمات الأمم المتحدة للوقوف سويا وراء طاولة تحمل اسم وطنهن ولهن في ذلك مطلق حرية اختيار متعاونات من أفراد جالياتهن غير الأعضاء بشرط أن يكون الإشراف لعضو من أعضاء الجمعية.

ورغم أن الجمعية منظمة غير دينية فإن سفارات بعض الدول المسلمة تصر أحيانا ألا تكون طاولاتها مجاورة لطاولة دولة تبيع خمرا وبالطبع لا يخلو الأمر أحيانا من مشاكل ومضايقات تعود لاختلافات ومشاكل سياسية مما قد يحدث بين الأعضاء السيدات حتى من جنسية واحدة ومن ذلك مثلا أن تكون بعضهن من سفارة ممثلات لحكومتهن فيما أخريات من منسوبات منظمات دولية ناشطات في معارضة تلك الحكومة وهكذا حالات وعند فشل المشرفات على البازار في التنسيق ومد الجسور للتعاون تحت علم البلد الواحد لا يتوفر أمامهن غير عرف تتبعه الجمعية ولا تحيد عنه يلزم بتطبيق مبدأ «الأولوية» بمعنى خدمة التي طلبت أولا وفي ذلك تطبيق عادل لمبدأ المساواة بين الأعضاء.

وفيما ترفع الجمعية أسماء الدول وأعلامها لا تسمح البتة ولأي من أعضائها برفع أي شعار سياسي أو صورة ملك أو رئيس أو حاكم أو قائد فيما تشجع وتوفر الإمكانات والبرامج لعرض مختلف الثقافات والحضارات.

من جانبهن تلعب الأعضاء العربيات دورا كبيرا في إنجاح البازار. وكان لهن في بازار هذا العام الذي أقيم مساء الجمعة ويوم السبت الماضيين مشاركة واسعة في المسرح حيث تبارى الصغار كالعادة سنويا في تقديم الرقصات والأغاني بينما حفل المطعم العربي بتقديم أطعمة ومأكولات شعبية أرضت زبائن دائمين ومتجددين من المغرمين بالكسكس والطعمية والفول والكفتة وبابا غنوج وأم علي والعوامات. كما جذب الركن العربي المخصص للمصنوعات اليدوية والشعبية بمختلف طاولاته الكثير من الحاضرين مثل الطاولة السودانية التي لم تكتف ببيع الحناء كمسحوق جاف بل وفرت السودانيات حنانة رسمت ونقشت وأبدعت مما تناسق تماما وفكرة التزيين والتصوير بزي العروس السودانية بالإضافة لما وفرنه من مشروب الكركديه المثلج والقهوة المبهرة بالجنزبيل والقرفة والكحك وما أحسن انتقائه وتسعيرة وترويجه لبضائع مختلفة من منتجات سوق «أم درمان» الودود الولود مما أهل الطاولة السودانية للفوز بالمرتبة الثانية عربيا ولم تسبقها غير الطاولة السعودية التي تربعت في المرتبة الأولى بمنتجات تقليدية قمة في المهارة والإبداع نصبت بجانبها خيمة بدوية حققت تواصلا ودبلوماسية شعبية بأرفع مستوى.

بدورها جاءت المشاركة القطرية فاعلة سيما الخيمة الفخمة وكان للزي النسائي القطري حضورا مميزا بمختلف أنواعه دراعات وبخنق وعبايات حريرية واتواب نشل بينما افتقدت «الشرق الأوسط» غياب الخيمة الكويتية التي حظيت العام الماضي بحضور طاغ بما حفلت به من ابتكارات وتجديدات. وبالطبع غابت دون عزاء «خيمة القذافي» الليبية وحلت مكانها طاولة «ثورية» أشرفت على ترتيبها سيدة بنغازية من أكثر السيدات حماسا للتغيير لدرجة أنها حرصت أيما حرص كما شهدت «الشرق الأوسط» أن تكون مفارشها من أي لون عدا اللون الأخضر. من جانبها حفلت الطاولة التونسية بأطعمة معلبة ومنتجات زيت الزيتون والجزائرية بحلوى اللوز وتمور والمصرية بالجلاليب ومنتجات وإكسسوارات خان الخليلي والحسين والغردقة، واليمنية بالسلال والمصوغات الفضية بالإضافة لنماذج من الدمى واللوحات التقليدية والرسومات، فيما فاضت الطاولة اللبنانية بمنمنمات وبياضات وخشبيات والمغربية بطناجر وفخاريات ونحاسيات وكانت هناك منتجات عراقية وأخرى أردنية في حين جذبت الطاولة الفلسطينية المهنئين ممن تابعوا نتائج التصويت بالجمعية العمومية في نيويورك وكم أعجبتهم منتجات غزاوية وأخرى من حيفا ورفح ورام الله.

هذا، فيما بدا واضحا وظهر جليا من حيث موقع الطاولة السورية بعيدا عن صفي الطاولات العربية أن سوريا بسبب جرائم النظام الأسدي تعيش حالة عزلة عربية..!!