المراكشيون يتوحدون في عشق السينما الهندية.. إلى حد الهوس

عشقهم تحول إلى ظاهرة.. ومنهم من تعلم التحدث والغناء باللغة الهندية

الممثل شاه روخ خان أحاطت به حراسة مشددة خلال وجوده في مراكش لتفادي فضول المعجبين (تصوير: منير أمحميدات)
TT

يتوزع حب المراكشيين في كرة القدم بين الفريقين الإسبانيين الغريمين، ريال مدريد وإف سي برشلونة، أما في الفن السابع فتخفق قلوبهم وتتوحد في عشق السينما الهندية والتعلق بنجومها.

لكل مراكشي حكاية خاصة في عشق السينما الهندية، تجعله يعيش وسط عالمين، أحدهما مغربي، هنا في مراكش، في أقصى شمال أفريقيا، والآخر هندي، بعيدا، هناك في آسيا، حيث تمتد الجغرافيا وتتألق الثقافة بلسان مختلف.

ويستحضر الكاتب عبد الرحيم عاشر علاقته الخاصة بالسينما الهندية ونجومها، في لقاء مع «الشرق الأوسط»، فيقول: «في صغري، عملت في معظم المهن المعروفة، نادلا في المقاهي، وقصابا وحدادا وبائع خضراوات، وقادني شغفي بالسينما إلى بيع البيض أمام قاعة سينما (مبروكة) في شارع البرانس، القريب من ساحة جامع الفنا، حيث كنت أبيع بعض البيض المسلوق وألتهم معظمه. في هذه الفترة توطدت علاقتي بالأفلام الهندية. يناديني معارفي بلقبي العائلي (عاشر)، بينما يناديني آخرون بلقب (شاعر) دون أن يعرف أكثرهم سر هذا التلاعب بمواقع الحروف في لقبي العائلي. والحقيقة أني أخذت لقب (الشاعر)، خلال طفولتي، بعد تأثر وبكاء، إثر مشاهدة فيلم (الحب هو الحياة)، الذي مثل فيه أميتاب باتشان وشامي كابور وريشي كابور. بكاء جر علي تفكه الأصدقاء، الذين أطلقوا علي لقب (الشاعر) لأن الشعراء يغرقون في الرومانسية وتجدهم (في كل وادٍ يهيمون)».

ويمضي عاشر قائلا في شهادته: «طبع عشقي للأفلام الهندية ومتابعتي لأخبار وصور نجومها حياتي، بشكل لافت، خصوصا وأن أبطالها غالبا ما يكونون متحدرين من عائلات فقيرة أو ولدوا أيتاما، مثل حالتي. كنت في صغري مبهورا بأبطال السينما الهندية، وكنت أقول لأصدقائي إني سألتقي هؤلاء النجوم حين أكبر، وذلك ما حصل إذ التقيت كثيرا منهم، مثل أميتاب باتشان وشاه روخ خان، وأجريت مع بعضهم حوارات صحافية. ولعل من حسنات عشقي للأفلام الهندية، وأثرها في حياتي، أنه أسهم في نمو ملكة الخيال في داخلي، الشيء الذي دفعني إلى كتابة الشعر والقصة والرواية».

والمثير في علاقة أبناء مراكش بالسينما الهندية ونجومها أن أغلب المراكشيين لا يتقن اللغة الهندية، بل إن منهم من لا يعرف إن كانت تكتب من اليمين أم من اليسار، من الأسفل صعودا أم من الأعلى نزولا، لكنهم قادرون على بناء حوارات كاملة، قد لا تفهم فيها كلمة واحدة، إما لأنك مغربي لا يفهم اللغة الهندية، وإما لأنك هندي يتحدث أمامك مراكشي بأي شيء سوى اللغة الهندية.

ويقول القاص والناقد السينمائي محمد شويكة، لـ«الشرق الأوسط»، إن سر هذا العشق الذي يكنه المغاربة للسينما الهندية مرده إلى «طبيعة المواضيع التي تتطرق إليها، خصوصا الصراع بين الخير والشر وبين الأغنياء والفقراء، فضلا عن طبيعة المعالجة الفنية التي تقدمها، التي تعتمد خصوصا على الدراما الاجتماعية التي لا ينهزم فيها البطل العاشق الشجاع، مع توظيف الموسيقى والرقص، واستثمار المؤهلات الطبيعية للبلد، مع اعتماد تقنيات التمويه على مستوى التصوير والحركة واللجوء إلى خدمات المغامرين السينمائيين، وهي مواضيع يجد فيها الجمهور المغربي نوعا من التلاقي مع همومه ومشكلاته وأحلامه، فيغدو الدخول إلى الفيلم الهندي بمثابة التطهر من الضغط اليومي والهروب من مشكلات الحياة عموما».

وعن سر تغلغل السينما الهندية، بشكل لافت، بين المراكشيين، يتحدث شويكة عن «خصوصية وجود كثير من القاعات السينمائية في قلب الأحياء الشعبية بالمدينة، مثل سينما «الريف»، التي يجيد بعض ساكني منطقة الداوديات التي توجد بها اللغة الهندية ويحفظون، عن ظهر قلب، أغاني الأفلام، كما أن الكثير منهم يزينون منازلهم بصور بعض نجوم بوليوود، ويقلدونهم، ليتحول العشق إلى ظاهرة تثير الانتباه والدهشة، كما صار العشاق يتجمعون في منتديات وجمعيات لعشاق السينما الهندية».

وأبرز شويكة أن وجود عدد من شركات توزيع الأفلام التي يديرها بعض الهنود في الدار البيضاء ساهم في انتشار هذه الأفلام في قاعات السينما المغربية، التي تنتعش منها جراء الإقبال الكبير عليها من طرف المغاربة، وبالتالي ظلت هذه الأفلام تساهم في إنقاذ مستغلي هذه القاعات من الإفلاس.

وإلى وقت قريب، مثلت قاعات السينما الفرصة الوحيدة التي ظلت تضع المراكشيين في قلب قصص سينمائية هندية تؤثثها الدموع وحب الأرض وصراع الخير مع الشر وقيم الصداقة والتسامح والعائلة، مع ما تتضمنه مشاهدها من إثارة وتشويق، قبل أن تدخل ثورة التكنولوجيا على الخط، لتضع بين يدي العالم أقراصا مدمجة، صار يحصل عليها المراكشيون مقرصنة بأقل من دولار أميركي. ثم جاءت فعاليات المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، الذي أتاح للمراكشيين مشاهدة نجومهم المفضلين مباشرة على الأرض وليس على الشاشة فقط.

ودأب المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، خلال الدورات الماضية، على توجيه الدعوة، خلال كل دورة، إلى نجم هندي يحضر سواء كضيف شرف أو كأحد المكرمين. ورغم أن هذه الدعوات كانت تقتصر على الأفراد فقد كان حضور نجم هندي واحد، فقط، كفيلا بأن يلهب مشاعر الفرحة في نفوس عشاق السينما الهندية في مراكش. مثلا: «خلال الدورة الماضية من المهرجان، أظهر تكريم (ملك بوليوود)، الممثل شاه روخ خان (أو شاروخان كما ينطقها المراكشيون)، العشق الكبير الذي يكنه المراكشيون، بشكل خاص، والمغاربة، بشكل عام، للسينما الهندية ولنجومها البارزين. ففي ساحة جامع الفنا، حيث تم تقديم بعض أفلامه، كانت أمواج بشربة في انتظاره، أما على أبواب قصر المؤتمرات فقد حمل المراكشيون صورا ولافتات تلخص عشقهم لـ«الكينغ» شاه روخ خان. استقبال ملكي لنجم هندي عاش لحظات انبهار وتأثر لا تنسى بعد كل ما عاينه من عشق وتعلق به من طرف المراكشيين.

أما حكاية النجم أميتاب باتشان فتبدو أكثر إثارة، إذ وجد نفسه، وهو يهم بدخول سينما «الريف»، التي توجد بحي الداوديات الشعبي، في دورة 2003، لتقديم أحد أفلامه، يستمع إلى تحايا وهتافات عشاقه المراكشيين باللغة الهندية، قبل أن يدخل في حوارات مع أبناء مراكش جعلته يغرق في صمت ممزوج بالتأثر وعدم تصديق ما يسمعه ويشاهده، في مدينة مغربية تبعد عن شبه الجزيرة الهندية بآلاف الأميال.

في كل مرة، على مدى الدورات الماضية من مهرجان مراكش، أمكن لنجم واحد أن يلهب حماس المراكشيين، فما بالك اليوم ومهرجان مراكش يكرم السينما الهندية في دورته الـ12، ويوجه الدعوة إلى وفد كامل يتعدى الأربعين نجما، كل واحد منهم ينسي المراكشيين الآخر، بداية من أميتاب باتشان، وانتهاء بريانكا شوبرا وشاه روخ خان، مرورا بريشي كابور وإيشواريا راي؟! وأرجع المنظمون اختيار تكريم السينما الهندية في دورة هذه السنة إلى «ثراء» و«حيوية» هذه السينما «الشعبية» خلال السنين الأخيرة، التي تنتج ما بين 1000 و1200 فيلم سنويا، وأيضا إلى «عمق العلاقات التي جمعت المغاربة بالسينما الهندية». وتحدث الأمير مولاي رشيد، شقيق العاهل المغربي، الملك محمد السادس، ورئيس مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، عند افتتاح المهرجان، عن تقديم «النجوم الأكثر شهرة لما أجمع على تسميته بوليوود، ذاك المسار الرائع لحلم تسلكه كل يوم أنظار الملايين من الجماهير العاشقة لهذا النوع من السينما».

وإلى فقرة تكريم السينما الهندية، برمج مهرجان مراكش تكريما خاصا للمخرج والمنتج الراحل ياش شوبرا، أحد رموز السينما الهندية، الذي وقع على عدد من الأعمال الكلاسيكية الكبيرة، من قبيل «ديوار» (1975)، الفيلم الذي أعطى فرصة البروز للكثير من المواهب، بينها الممثل شاه روخ خان، و«سلسلة» (1981)، و«لامهي» (1991)، و«فير - زارا» (2004) الذي، على حد تعبير رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ، «أمتع الكثير من الأجيال بفضل إبداعاته الاستثنائية، وجعل السينما الهندية تحظى بشعبية أكبر على المستوى الدولي».

نجوم السينما الهندية، الذين جاءوا فرادى خلال الدورات الماضية عادوا ضمن وفد من السينمائيين. بين هؤلاء يأتي النجم أميتاب باتشان، بعد نحو عشر سنوات، على آخر زيارة قادته إلى المدينة الحمراء، على رأس الوفد السينمائي الهندي. ونقل مشاعره إلى إدارة المهرجان، قائلا: «إنه لشرف عظيم بالنسبة لي أن أتلقى الدعوة من قبل المهرجان الدولي للفيلم بمراكش لحضور دورة هذه السنة. وهي مناسبة أود أن أتقدم فيها بالشكر لمؤسسة المهرجان لاختيارها تكريم الصناعة السينمائية الهندية. أتذكر، بامتنان كبير، زيارتي الأخيرة إلى مراكش، في أكتوبر (تشرين الأول) من سنة 2003، وما حظيت به من حفاوة الاستقبال. أتمنى النجاح الأكبر للمهرجان وأشعر بسعادة مسبقة كوني حاضرا من جديد في دورة هذه السنة».

وكما حدث مع شاه روخ خان، خلال الدورة الماضية، وخلال دورة هذه السنة أيضا، حين وجد نفسه وسط أمواج بشرية من المراكشيين بساحة جامع الفنا، سيتكرر نفس المشهد مع أميتاب باتشان، الذي وجد نفسههو الآخر، مرة أخرى، وسط نفس الأمواج البشرية وفي خضم نفس اللهفة والعشق الجارف.

وإلى عشق المراكشيين للسينما الهندية ونجومها، فإن احتفاء المغاربة، خلال دورة هذه السنة من المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، لم يتوقف عند حفلات التكريم ولقاءات تقديم الأفلام، سواء في قصر المؤتمرات أو في ساحة جامع الفنا، بعد أن وشح الأمير مولاي رشيد الممثل الهندي شاه روخ خان بـ«وسام الكفاءة الفكرية»، على هامش حفل العشاء الرسمي الذي أقامه العاهل المغربي، الملك محمد السادس، بمناسبة الافتتاح الرسمي للدورة، على شرف ضيوف المهرجان.