مهرجان دبي: بيت السينما العربية

بانوراما لفيلم الافتتاح وبعض المحطات المهمة هذا العام

Life of Pie «حياة باي»
TT

هناك نقاد لا يعجبهم العجب، وريك غوون، في صحيفة «ذ غلوب آند مايل» الكندية هو واحد منهم. لذلك حين يمنح خمسة نجوم لفيلم «حياة باي» فإن ذلك، في معيار نقدي بحت، حدث مهم. لا بد أن يكون الفيلم على مستوى كبير من الإتقان حتى يعجب به الزميل غوون وأمثاله نحو 40 ناقدا عالميا شاهده.

«حياة باي» هو فيلم الافتتاح للدورة التاسعة من مهرجان دبي السينمائي الدولي الذي انطلق مساء أمس. هو أيضا الفيلم الجديد للمخرج آنغ لي، الذي غاب عن الرادار في الأعوام الماضية، منذ «بروكباك ماونتن» تحديدا، لكنه يعود بقوة هذا العام طارحا فيلما صوره في جنوب الهند طوال ربيع وبعض صيف هذا العام اقتباسا عن رواية يان مارتل بالعنوان نفسه.

إذا يعود مهرجان دبي في دورة جديدة والصورة الذهنية التي في البال مستوحاة من تلك الأفلام التي يتابع فيه مسؤولون وعلماء ومهتمون، على شاشات الكومبيوتر والمونيتور حدثا يقع في مكان بعيد عنهم يقوده بطلهم المحبب. فجأة تختفي الصور، تنقطع الأصوات، يرسل البطل كلماته الأخيرة ثم يخيم الصمت والوجوم.. ينتظرون ثم يتبادلون نظرة هلع وخوف. شرا وقع. خسر البطل معركته وخسروا معه.. لكن فجأة.. يأتي صوته من بعيد. تهتز الصور ثم تثبت وها هو يرفع راية النصر. لقد نجا البطل.. لا يزال حيا.. يصيح الجميع بغبطة.. يحتضنون بعضهم بعضا.. يرمون القبـعات في الفضاء.. الخوف مشروع. أنت تحب شخصا. حيوانا. شجرة. بيتا. وطنا فتخاف أن تخسره حتى ولو كانت الشكوك في ذلك ليست. المهرجان لا يختلف عن ذلك. سنوات التأسيس كانت ولت. تبعتها سنوات التوسع والنمو وفجأة وجد نفسه محاطا بالمنافسة. مهرجانات أخرى من حوله تريد لنفسها، ولها الحق في ذلك، ما حققه دبي لنفسه. لدورات، بدت بعض تلك المهرجانات الأخرى وكأنها لم تكسب مكانتها فقط، بل سحبت البساط (أو هل أقول السجادة الحمراء) من تحت قدمي دبي. لكن.. ها هي دورة جديدة تعزز ما سبقها وتنتقل بالمهرجان خطوة تصاعدية تمهيدا لدورة عاشرة تكون ختام عقد ومطلع عقد جديد.

83 فيلما في المسابقات المختلفة التي تنقسم إلى إماراتية وعربية وآسيوية - أفريقية. وفي كل منها أقسام: روائية وتسجيلية وقصيرة. وكل هذه المسابقات هي قسم من أقسام شتى: هناك مظاهرة «ليالي عربية» التي تجذب إليها جمهورا غفيرا ومظاهرة تحتفي بمرور 100 سنة على السينما الهندية وأخرى بعنوان «أصوات خليجية» ومظاهرة باسم «سينما العالم» وقسم لسينما الأطفال لجانب سوق سينمائية الذي بدا قبل عامين فكرة غير صائبة لكثيرين على أساس أن لا أحد يشتري ولا أحد يبيع هنا خارج الشركات المؤسسة سلفا هنا وكلـها تتعامل والفيلم الأميركي السائد. هذا العام نحو 300 فيلم ومشروع مشترك في هذا السوق ومنتجون وموزعون من جميع أنحاء العالم يتجالسون ويتحدثون ويوقعون.

لكن ككل مهرجان آخر حول العالم، ما يرفع وما يهبط بدورة ما هو مستوى الأفلام. وهذا الناقد كان خسر رهانه في العام الماضي حين اعتقد أن الأوضاع العربية الراهنة في الدول المنتجة للسينما لا بد أنها أثرت سلبيا على المنتج، فجاء ما عرض في أبوظبي ودبي السنة الماضية ليعلن خطأ هذا الاعتقاد. هذا العام، تلك الظروف لم تتغير بل تزداد تعقيدا.. وعلى الرغم من ذلك يؤكد المدير الفني للمهرجان لـ«الشرق الأوسط»: «عدد الأفلام التي وصلتنا من سينمائيين عرب يريدون الاشتراك أكبر بكثير مما كنا نعتقد».

وفي تصريح آخر له قال: «لا أدري إذا ما كان ذلك له علاقة بتفضيل السينمائيين العرب لهذا المهرجان أو بسبب كونه آخر المهرجانات العربية، لكني أعتقد أن المهرجان برهن خلال سنواته الماضية عن ثباته وقوته وأن ذلك بات واضحا».

القدامى يعودون والجدد يأتون ومعهم «الهرج والمرج» كحالة عربية شاملة هذه الأيام وليست حكرا على فيلم يحمل هذا الاسم لمخرجة جديدة واعدة اسمها نادين خان. الفيلم مصري ومثل «بعد الموقعة» و«الشتا اللي فات» (المشترك في أعمال هذه الدورة) يتناول ما حدث في الساحة المصرية قبل عام.. وما أن ما حدث فيها قبل عام ما زال يحدث هذا العام فالفيلم موقوت.

من مصر أيضا فيلم سعد هنداوي الجديد «دعاء.. عزيزة» والغالب أنه لا يبتعد عن بحث الإحباط الاجتماعي الحاصل هذه الأيام. كذلك «تقاسيم الحب» وهذا الفيلم اكتشاف للسينما العربية أنجزه المصري يوسف الديب كعمل إماراتي - مصري - لبناني - كندي وكان هذا الناقد أول من شاهده بموافقة خاصة من مخرجه مباشرة بعد انتهاء نسخته الأولى.

ولا يفاجئنا هذا الفيلم وحده، بل يفاجئنا أيضا، وعلى نحو كبير وجود فيلم جديد للمخرج خيري بشارة، ذلك الذي ابتعد عن السينما منشغلا بمشاريع تلفزيونية، معظمها طلبا للعمل بصرف النظر عن مستوياتها. فيلمه الجديد بعنوان «كلب قمري» أو Moon Dog وهو أول فيلم باللغة الإنجليزية ينجزه المخرج.

لبنانيا تقوم إيليان الراهب بتقديم فيلمها الجديد «ليالي بلا نوم» وما نستطيع أن نستشفه هنا هو أنه فيلم يضرب على وتر الحرب الأهلية اللبنانية (تلك السابقة) فيسخنها من جديد. والمخرج فؤاد عليوان، الذي سبق له وأن أنجز عددا مهما من الأفلام القصيرة يقدم باكورة أفلامه الروائية وعنوانه «عصفوري» الذي يغزل من سنوات تلك الحرب ذاتها ولو عبر موضوع مختلف تماما.

ويعرض دبي من الأفلام المغربية ربما أكثر مما عرضه مهرجان مراكش نفسه. مثل الأفلام المصرية واللبنانية، هناك اشتراكات مغربية في الأقسام جميعا (قصيرة وتسجيلية) لكن الفسحة هنا لا تتسع للإلمام بها جميعا. لكن في المجال الروائي الطويل نجد «أخي» لكمال الماحوطي و«زيرو» لنورين لخماري و«محاولة فاشلة لتعريف الحب» يقدمها حكيم بلعباس (أحد أفضل المواهب المغربية قاطبة).

فيلم «وجدة» للمخرجة السعودية لهيفاء المنصور مشترك في مسابقة المهر وهو كان عرض في مهرجان فينيسيا حيث استقبل بحفاوة فوق المتوسط من قبل الصحافة العالمية.

السينما الجزائرية لديها حضور مشهود هنا أيضا عبر عدة أفلام من بينها الفيلم الجديد لسعيد ولد خليفة وهو «زبانا»، عن الضحية الجزائرية الأولى خلال حرب الاستقلال وفيلم جميلة صحراوي الجميل «يما».

الأردن هنا ومشترك، شأن معظم الأفلام المنتقاة في هذه البانوراما، في مسابقة المهر العربي. واشتراكه آت عبر فيلمين «على مد البصر» لأصيل منصور و«لما ضحكت الموناليزا» لفادي حداد.

أما السينما التونسية فيمثلها في المسابقة فيلم «نسمة» لمخرج جديد هو حميدة باهي، ابن المخرج المخضرم رضا الباهي آخر أفلامه «ديما براندو».

لا يمكن حصر 87 فيلما عربيا وأكثر منها من بلاد غير عربية، لكن الفكرة هي أن «دبي» الذي جمع هذا العام كل هذا العدد الكبير من الأفلام العربية لا يتصدى فقط لما يردده البعض من أن قطارا ما فاته وسجادة حمراء سحبت من تحت قدميه بل يضيف كيانا من الأعمال التي تقصد أن تعرض فيه. «مهرجان دبي» في هذه النظرة الأولى ومن قبل الحكم على مستوى أفلامه، يبدو كما لو نجح في التحول إلى بيت السينما العربية.