كيف أفادت منافسة المهرجانات الأخرى دبي؟

دبي: محمد رُضا

من «وجدة» لهيفاء المنصور
TT

ليس هناك من عنصر قادر على تفعيل هذا المهرجان بأي وجه أو على أي صعيد إلا وقد انضم إلى نشاطاته وشكل جزءا عضويا من فعالياته. من توفير التمويل والقروض المادية عبر برنامج «سند»، إلى ورش السيناريو ولقاءات صانعي الأفلام، ومن البرنامج الرسمي بتظاهراته المتعددة إلى سوق المهرجان المؤسس منذ ثلاث سنوات، يبدو هذا المهرجان مثل سفينة نوح تحمل على متنها مشارب العمل السينمائي المتعددة.

حفلة ما بعد الافتتاح فيها من كل الوجوه والمهن: من المسؤولين إلى الفنانين ومن السينمائيين القادمين من أنحاء العالم إلى النقاد وأهل المهنة الإعلامية. والشهرة امتدت لساعات صباحية من دون كلل حتى لأكثر من ساعة بعد أن أنهت الفرقة المستقدمة من بريطانيا غناءها الذي تلون بأنواع مختلفة من الألحان وأغاني البوب.

هذا ليس تمييزا. مهرجانات أخرى تفعل ذلك وتعتبره، بطبيعة الحال، ملحقا ضروريا احتفاء بانطلاق الدورة. لكن هنا - أكثر من أي مكان عربي آخر - يلتحم الموجودون متسامرين وراقصين أو مجرد متحدثين. يسود الشعور بأن الخطوة الأولى صوب دورة كبيرة تم القيام بها. اليوم التالي هو يوم المحك الحقيقي. واليوم التالي يبدأ باكرا. الجميع مستفزون لمشاهدة الجديد: 158 (بعد سحب ثلاثة أفلام سورية) من 61 دولة تتحدث 43 لغة، منها 50 فيلما في عرض عالمي أول، ومنها 78 فيلما عربيا معظمها غير معروض، وهذا هو شأن الأفلام الأجنبية: جديد إما إقليميا وإما عالميا. وإذ تتوزع الأنظار صوب أقسام ونشاطات متعددة وعلى نحو أفقي شامل، كمن يوجه كاميرته إلى لقطة بانورامية تلتقط ما أمامها على نحو متتابع، فإن السوق السينمائية تشكل تحديا مهمّا تم تجاوز مشكلاته على نحو ربما من الصواب القول إنه غير متوقع. وكما مر معنا هنا، فإن فكرة إقامة سوق سينمائية بدت غير صائبة قبل عامين، لكنها اليوم باتت حقيقة بالغة الأهمية ورديفا متفجرا بالاحتمالات. سبب أن الفكرة لم تكن صائبة إلى حد كبير: لا توجد سوق عربية حقيقية لتجارة الأفلام وتوزيعها، لأن معظم ما يتم بثه على شاشات العواصم العربية في منطقة الخليج كما في دول تقع غربها موزع من قبل شركات تمثل مؤسسات هوليوود الراسخة. لكن حين يحضر 1500 صناعي يمثل نحو 80 بلدا (من آسيا إلى أوروبا وأفريقيا وسواها) فإن ما لم يكن متوقعا هو السائد.

والسوق لا تقام بمنأى عن خطة متكاملة: هناك «دبي فيلم كونكشن»، وهذا قصة نجاح منفصلة: أقيم قبل خمس سنوات لأول مرة ومن حينها أثمر عن رعايته لنحو 45 مشروعا سينمائيا، من بينها 30 مشروعا تم إنتاجها، والباقي في مراحل مختلفة من الإنتاج من بينها «حكاية كلب» لرامي ياسين (الأردن)، و«بيروت صولو» لصباح حيدر (لبنان)، و«اقبض على القمر» لسامح زعبي (فلسطين - وهو المخرج الذي قدم قبل عامين فيلما كوميديا جيدا بعنوان «بدون موبايل»)، و«صيد شبح» لرعد انضوني (فلسطين)، و«كيلو 56» لمحمد حامد (مصر)، و«أنت الجزائر» لفريد بنتومي (الجزائر).

شأن الأقسام الأخرى مواكبة الفيلم عبر مراحل إنتاجه المختلفة: قسم «إكستشينج» لتبادل الخبرات والتدريبات حيث يتم إرسال بعثات لمهرجانات أخرى وبالعكس، وقسم «إنجاز» المتخصص بتقديم الدعم المادي قبل المباشرة بالإنتاج، ومن الأفلام التي استفادت من هذا الدعم «وجدة» للمخرجة السعودية هيفاء المنصور، و«نسمة» للتونسي حميدة باهي، و«تكاد تمطر» للعراقي حيدر رشيد. وكلها أنجزت بالفعل وهي إما سبق عرضها وإما تعرض هنا للمرة الأولى. إلى جانب ما سبق هناك «دبي فيلم فورام» لإقامة المؤتمرات وورش العمل ثم السوق نفسها. ما هو مؤكد أن تقدم المهرجان على كل هذه الجبهات له أسباب مهمة كنجاح المهرجان كفكرة وكمشروع، ومثل خبرة ومعرفة القائمين عليه (كل في حقله) ثم، وإلى حد بعيد، المنافسة التي برزت في السنوات الأخيرة عبر إقامة مهرجانات كبيرة أخرى في المنطقة العربية، ما جعل «دبي» يدرك أن التحدي قائم وأن عليه مضاعفة الجهود. هنا يصح المثل «رب ضارة نافعة».