معرض مجموعة مسار الفنية في جدة يركز على مفردات التراث والعمارة

يعيد محاولة تأصيل الموروث المحلي بصريا

TT

افتتح الأسبوع الماضي بقاعة المركز السعودي للفنون التشكيلية في جدة معرض مجموعة مسار الفنية الخامس منذ تأسيسها عام 2001، وتضم كلا من الفنانين محمد الشهري وسعيد قمحاوي وأحمد الخزمري، والأخير كان له الفضل في إطلاق مبادرة تأسيس المجموعة، حيث أقامت حتى الآن أربعة معارض في جدة والرياض. ويتخذ الفنانون من مفردات التراث والعمارة والأصالة مفهوما بصريا معاصرا، ترتكز عليها تجاربهم الجمالية، مستلهمين أعمالهم من خصوبة التراث السعودي تحديدا. وقدم الفنانون 60 عملا تنطوي على صياغة مفاهيمهم الجمالية، التي تمثلت عند محمد الشهري في محورين: الأول حول المكان ومكانة المدينة المقدسة، مستلهما الكعبة المشرفة، وفق متخيلات بصرية تسعى إلى تعميق الصور الروحية والحسية لدى المتلقي، والعلاقة التي تربطه بها من خلال البعد الإنساني المتمثل في رسالة الإسلام وبلاغة منهجه، وليؤكد أهمية معطياته التي تسعى إلى التركيز على البعد النوراني الروحي للكعبة المشرفة التي يلتمسها كل مسلم عند زيارتها أو عند إحساسه بالانتماء إلى هذا الدين.

بينما اختار الخيل العربي محورا آخر في تجربته، لما يتمتع به من بعد جمالي يتجسد في صورته وشموخه، من خلال تصوير الإيقاعات التي تميزه في مخيلة الإنسان العربي ونقل الرسالة التي تعزز مكانته في الذاكرة البصرية. وقال الشهري لـ«الشرق الأوسط» إن تصويره لبيت الله الحرام في كثير من الأعمال يدل على الهوية الدينية النابعة من قيم الإسلام في الزمان والمكان. وأضاف أنه يتمنى أن تقام ندوات وحوارات تناقش المفاهيم الجمالية التي يطرحها هو وزملاؤه الفنانون في هذا المعرض، وألا تقف تجاربهم عند عرضها في القاعات الفنية فحسب.

بينما تناول أحمد الخزمري مفردات زخرفية وشعبية مستوحاة من البيوت القديمة، مستلهما من روح العمارة في مناطق متعددة في جنوب السعودية وأعمال الحرفيين البدائيين، وكل ما تقع عليه ذائقته الجمالية، مصورا تلك المفردات بشكل تبسيطي أقرب إلى التجريدية، وقال عن تجربته لـ«الشرق الأوسط» إنها تسعى إلى تأكيد مكانة التراث والتقاليد وأهمية بلاغة المفردات الزخرفية التي تزخر بها المدن السعودية من حيث خصوصيتها، وأضاف أن «تجربتي في هذا المعرض دفعت بي إلى التفكير في إقامة معرض شخصي يعيد صياغة هذا التراث بشكل جمالي يعزز من صورته في ذاكرة المتلقي أينما كان».

وقدم سعيد قمحاوي تجربة تركز على إسقاطات إيحائية تتعلق بالموروث العربي في الخط العربي، وفق تقنيات تعتمد على لونين فحسب، وتتماهى مع معطيات تأثيرية في اختزال اللون بدلا من البهرجة اللونية التي تتخذ من تعدد الألوان مناخا فنيا. وجاءت أعمال القمحاوي بأحجام كبيرة أقرب إلى التركيب منها إلى اللوحة، مما زاد حضورها جمالا على جدران المعرض، وكانت الأعمال التي تناولت مؤثرات الخط العربي التي تتماهى وكسوة الكعبة هي الأكثر جمالا في المعرض.

وقال صالح شبرق، ناقد فني، عن تجربة مجموعة مسار في مسيرته الخامسة، إنها ذات قيمة تأصيلية، وهي منذ ولادتها تتطلع إلى إعادة صياغة هذه المفاهيم بصورة فنية متجددة، وأوضح أنهم «أوفياء في تناولهم للتراث المحلي وكل ما تستحضره الذاكرة الجمالية عن إرثنا الحضاري، خاصة في العمارة أو البيئة أو حتى الخيل كما في تجربة الشهري». وأضاف أن «المعطيات الجمالية التي يصورها الفنانون الثلاثة تؤكد أن هناك فنانين محليين يستطيعون تقديم الموروث المحلي بصورة معاصرة»، متمنيا أن تلقى هذه التجربة حقها الإعلامي والفني.