ندوة في اليونيسكو لمناقشة إعداد الأجيال العربية لمجتمع المعرفة

6 ملايين تغريدة عربية على «تويتر» يوميا معظمها صادرة عن الشباب

إيرينا بوكوفا المديرة العامة لليونيسكو
TT

حضرت إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لليونيسكو، جانبا من حلقة النقاش التي التأمت في مقر المنظمة الدولية في باريس، أول من أمس، حول تقرير المعرفة العربية الأخير، والذي جاء بعنوان «إعداد الأجيال الناشئة لمجتمع المعرفة». وقالت بوكوفا في كلمتها إن شعوب العالم في حاجة إلى تقاسم المعرفة، لأن الوصول المحدود للمعارف يسيء إلى التقدم والنمو وخلق فرص العمل. كما استشهدت بكلمات من تقرير للأمين العام للأمم المتحدة، بهذا الخصوص، حيث جاء فيه أن تقدم وسائل التكنولوجيا قد أسقط الحواجز بين الشعوب لكن حواجز أخرى جديدة قامت بسبب الهوة في فرص المعرفة بينها. ووصفت بوكوفا تقرير المعرفة العربية بأنه من وسائل ردم الهوة، لأنه يتطرق إلى سبل تطوير المهارات والقيم بين الشباب وإشاعة مجتمعات المعرفة.

مديرة اليونيسكو قالت إن نحوا من 10 ملايين شاب في المنطقة العربية، بين سن 15 و24 عاما، لم ينه المدرسة الابتدائية، حسب تقديرات منظمتها. ورغم أن عدد اليافعين الدارسين قد ارتفع بنسبة 33 في المائة فإن هناك 4 ملايين مراهق ما زالوا خارج المنظومة التعليمية، أغلبهم من أبناء الفقراء ومن البنات، وهو أمر ينتهك كرامة الإنسان، حسب بوكوفا التي أعلنت أن اليونيسكو ستستضيف، في العام المقبل، القمة العالمية لمجتمع المعلومات، تحت شعار «من أجل السلام والمعرفة».

دعا إلى الندوة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، بحضور مديرها التنفيذي سلطان لوتاه، وأشرفت على تنظيمها المندوبية الدائمة للمملكة العربية السعودية لدى اليونيسكو، وجرى فيها تقديم موجز لتقرير المعرفة لعام 2010/ 2011، مع كلمات ومداخلات لعدد من المتحدثين، بينهم الدكتورة ميثاء الشامسي، وزيرة الدولة في الإمارات، والصحافي الفرنسي المتخصص في القضايا العربية ألان غريش، نائب مدير صحيفة «لوموند دبلوماتيك».

وفي حين أشار سلطان لوتاه إلى أن الوضع المعرفي العربي لا يلبي الطموح، لأن عدد المواقع العربية على الشبكة الإلكترونية، مثلا، لا يزيد على 5 ملايين موقع في حين أن لدولة مثل فرنسا، وحدها، ستة أضعاف المواقع العربية، فإنه أوضح جهود مؤسسته التي دعمت تدريب 200 ألف معلم عربي على وسائل التكنولوجيا الحديثة. أما الدكتور غيث فريز، مدير تقرير المعرفة والذي قام بتلخيص صفحاته التي زادت على 500 في عرض موجز وواضح، فقد أكد في كلمته على أن المعرفة حق إنساني، وأن بناء الإنسان هو أساس كل تنمية وهو محور بناء مجتمع المعرفة.

ولاحظ الدكتور زياد الدريس، سفير المملكة لدى اليونيسكو، أن العقد الأخير شهد تحول المنطقة العربية من الاعتماد على معلومات متداولة وغير مؤكدة إلى منطق التقارير القائمة على البحث الميداني، ومنها تقرير التنمية ومجتمع المعرفة الذي عمل باحثوه على الأرض في 4 دول عربية هي المغرب والأردن والإمارات واليمن. وقارن الدريس بين ما كانت صحراء العرب تثري به العالمين الشرقي والغربي من معارف والمرحلة القاحلة التي تلت ذلك، مؤكدا صعوبة فرز القيم السائدة إذا لم يتوفر لها التقويم والتمكين، أي ضرورة تمكين الشباب من اعتماد قيمهم، وهو أمر لن يتحقق دون غرسة ثمينة هي الحرية. وأضاف: «إن تقرير المعرفة يحرك ماء الحرية ونحن نحتاج إليه لا إلى من يعبث به، ذلك أن للشباب العربي قدرات أكبر بكثير مما يتخيله الآخرون عنه، فهناك 6 ملايين تغريدة عربية يومية تنطلق على موقع (تويتر)، أغلبها من الشباب». وهي مساهمة تحتاج إلى ترشيد، بحسب المتحدث، لكنها تؤشر إلى أن الشباب العربي ليس غائبا عن مجتمع المعرفة.

كما طرح موضوع مشكلة التطرف التي يمكن أن يقع النشء العربي فريسة لها، وانعدام الثقة بين العرب والغرب بحيث يأخذ الغرب دور العدو بدل أن يكون شريكا في تقاسم المعرفة. وتحدث بعض الحاضرين في الندوة عن قضية الهوية وعن تمكين الشباب العربي المهاجر من لغته الأم والجهود شبه الفردية التي تبذل في هذا المجال. وهي موضوعات لا تدخل في صلب تقرير التنمية لكنها لا تبتعد عن دائرته. فماذا يقول التقرير عن حالة الشباب العربي وعن ضرورات إعدادهم لمجتمع المعرفة؟

إنه يضع المشتغلين على إعداده في خضم عمليات إعداد الإنسان العربي لبناء مهاراته، وكذلك غرس القيم الضابطة والموجهة لقراراته وتعاملاته، بالإضافة إلى أساليب تمكينه بما يعظم من فرص مشاركته الفاعلة في بناء مجتمع المعرفة وفي الاستفادة من ثماره، ومن ثمّ توظيف المكتسبات ضمن الإطار الأوسع والهدف الأسمى المتمثل في تحقيق التنمية الإنسانية المستدامة، دعما لعزة الإنسان العربي وكرامته. وتستند رؤية التقرير لعمليات إعداد الأجيال على التلازم بين ثلاثية المهارات والقيم والتمكين. وتشتمل عمليات التنشئة على تزويد الجيل الناشئ بالمهارات المطلوبة التي تمكنه من بناء مجتمع المعرفة المأمول ومن التماشي مع التطورات المعرفية والتقنية والعلمية ومع الأنماط التفكيرية للحاق بالركب العالمي في هذا المجال. ويؤكد التقرير أن المهارات بمحض ذاتها لا يمكن أن تؤتي ثمارها المنشودة إلا إذا اقترنت بمنظومة محكمة من القيم المشتملة على جملة من المبادئ العامة التي تنظم وتؤطر القناعات ومن ثم الممارسات التي تسخر المهارات وتوجهها في المسارات المطلوبة.

يعتمد التقرير منهجية تقوم على نظرتين، أولاهما الدراسات المنهجية المعتمدة على المعلومات المتوافرة حول الموضوع وعلى التجارب والأفكار العالمية في هذا المجال، وثانيتهما، إجراء «دراسات حالة» لعدد من الدول العربية لاستقصاء الوضعية والجاهزية والفرص والثغرات والمتطلبات اللازمة لتسهيل ولوج الأجيال القادمة إلى مجتمع المعرفة. وقد تم إنجاز بحث ميداني في 4 دول عربية، كما أسلفنا، شمل المدن الرئيسية فيها، فقط، أي العاصمة عمّان والرباط وصنعاء وأبوظبي ودبي.

يتكون تقرير المعرفة العربي لعام 2010/2011 من جزأين رئيسيين. الأول هو «التقرير العام» عن إعداد النشء لمجتمع المعرفة في المنطقة العربية ككل. أما الجزء الثاني فيتضمن دراسات الحالات الأربع في الأردن والإمارات والمغرب واليمن. واشتملت هذه الدراسات على تقييم شامل لحال إعداد النشء في هذه الدول في ضوء متطلبات مجتمع المعرفة إلى جانب عرض مفصل لنتائج المسوح الميدانية في كل منها. وقد ركزت رؤية التقرير على الإنسان كمحور وركيزة وهدف لبناء مجتمع المعرفة. كما يتطرق التقرير العام لأوضاع التعليم باعتباره المدخل الرئيسي لإعداد النشء العربي وتجهيزه بالمعرفة والمهارات والقيم التي تمكن هذه الأجيال من المساهمة في بناء مجتمع المعرفة، ومن المنافسة العالمية. ويبين التقرير أن جوهر مجتمع المعرفة هو الإبداع والتجديد والاختراع، ولا بد أن تمتلك الأجيال العربية الجديدة ناصية هذه الخصائص من خلال توافر بيئات محفزة وداعمة. كما يتعامل التقرير العام مع «التنشئة الاجتماعية والإعداد لمجتمع المعرفة»، مؤكدا أنه رغم أهمية الأسرة باعتبارها مؤسسة أولية للتنشئة الاجتماعية، فإنها لم تعد المصدر الوحيد لنقل القيم وتنشئة لأجيال الجديدة، متناولا مواضيع إدارة الحكم، وفضاء الحريات، والتنمية السياسية والاجتماعية، وتمكين المرأة، والبيئات الاقتصادية والاجتماعية وما تنطوي عليه من مشكلات الفقر والبطالة، وكذلك البيئات التمكينية المعرفية الحاضنة للثقافة باعتبارها من العوامل الهامة في بناء مجتمع المعرفة.

كشف البحث الميداني حول استعداد النشء للدخول إلى مجتمع المعرفة، عن تدني نتائج عينة التلاميذ التي شملها البحث في المهارات المعرفية، مثل البحث عن المعلومات ومعالجتها، والتواصل الكتابي وحل المشكلات واستخدام التقنية، مقارنة بالمهارات الاجتماعية كالتواصل مع الآخرين والعمل الجماعي والمشاركة في الحياة العامة، وكذلك مقارنة بالمهارات الوجدانية، مثل تقدير الذات والتخطيط للمستقبل. أما على مستوى القيم، فقد جاءت النتائج مشيرة إلى امتلاك التلاميذ للقيم التي تؤهلهم لمجتمع المعرفة. وقد أظهرت عملية المقارنة حسب النوع تفوق الإناث على الذكور بشكل عام.

ويختتم التقرير العام بتقديم رؤية لمنظومة تحرك دينامية مقترحة لإعداد الأجيال القادمة تشتمل على 4 محاور رئيسية تتقاطع فيما بينها للتصدي للقضايا الرئيسية في عمليات إعداد النشء، وفي مقدمتها الإرادة السياسية والمجتمعية و«المقدرة على التحرك» و«كيفية التحرك».