التقييم الأخير: من استحق فوزه ومن كان جديرا ولم يفُز

يوميات مهرجان دبي السينمائي الدولي ـ 8

صورة جماعية للفائزين بجوائز مهرجان الفيلم الدولي ويتوسطهم الشيخ منصور بن محمد بن راشد آل مكتوم في دبي مساء أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

بقدر ما جاء منح الممثل المصري عمرو واكد جائزة أفضل ممثل عن دوره في «الشتا اللي فات»، بقدر ما جاء منح الطفلة وعد محمد في غير مكانه.

من الممكن أن أفهم أن خروج طفل أو طفلة بجائزة أولى هو من نوع اللفتات الحضارية لموهبة ناشئة، لكن هذا الفهم لا يبرر الجائزة على الإطلاق، خصوصا أن تمثيلها، وما هو عليه من قدرة معينة على استحواذ الاهتمام، والفضل في ذلك يكون للمخرجة هيفاء المنصور وليس للممثل الصغير، لا يتجاوز قدرات ممثلات أخريات لعبن أدوارا أولى في أفلام المسابقة.

في «محاولة فاشلة لتعريف الحب» لعبد الكريم بلعباس، تؤدي المغربية زينب النجم دورا لافتا يستند إلى تجسيد شخصية عاطفية تؤديها برهافة وإجادة. زينب أكبر سنا من رابحة الجائزة بسنوات قليلة، لكنها كافية لأن تعرف كيفية بلورة الشخصية التي تؤديها.

الجزائرية جميلة صحراوي تماسكت داخل شخصية قوية الإيحاء في «يما» الذي أخرجته بنفسها. ربما لم يخلُ الفيلم من هوان، لكن شخصيتها ملعوبة جيدا.

تهاني سليم في الفيلم الأردني «لما ضحكت مريم» تنتقل من دون المعتدل إلى ما هو فوقه، لكن لديها بضع مشاهد جيدة، ولو أنها سقطت في ركاب العمل الركيك الذي قدمه المخرج فادي حداد.

ربما، والأمر جائز جدا، أن تكون لجنة التحكيم تحركت عاطفيا حيال الفتاة التي في فيلم «وجدة»، ولهذا عليها أن تكافأ، لكن في هذا الصدد الفيلم الذي يكافأ وليس الممثل، وفيلم «وجدة» كوفئ بجائزة أفضل فيلم، فلمَ الاستزادة في غير موضعها؟

الأكثر من هذا كله أنه لا داعي للبحث بين الممثلات خارج فيلم «وجدة» عمن تكون قدمت دورا أفضل. يكفي النظر إلى داخل «وجدة» نفسه لنستشف أداء جيدا (حقيقيا وليس موجها بالكامل ويفتقد العفوية) من الممثلة عهد في دور أستاذة المدرسة. طبعا هي ليست في البطولة، لكن المقارنة بين مستويين جائز هنا بغاية التعريف.

حين يأتي توجيه جائزة أفضل فيلم للفيلم السعودي «وجدة» فإن المسألة تأخذ حيزا مختلفا. من ناحية، الفيلم لافت ومحمل بالرمزيات ورغبات التطلع، لكن ما يطرحه فيلم ما أو لا يطرحه هو جانب خلفي أمام متانة الصنعة الفنية ذاتها.

والجدير بالذكر أن فيلم «وجدة» أول فيلم سعودي تخرجه سيدة يحصل على جائزة أفضل فيلم في مهرجان دبي، بالإضافة على حصول الطفلة وعد محمد على جائزة أفضل ممثلة، وهو من إنتاج شركة «روتانا» التي يرأسها الأمير الوليد بن طلال.

في هذا الإطار نجد سبعة أفلام عربية أخرى تتجاوزه في الإجادة. يكفي ذكر أربعة منها، هي: «الشتا اللي فات» (مصر)، و«زابانا» (الجزائر / فرنسا)، و«عصفوري» (لبنان)، و«هرج ومرج» لنادين خان (مصر).

فوز فيلم «وجدة» هو تقدير مغالى به للأسف. الفيلم يستحق كل التشجيع ويستأهل حدا كبيرا من التقدير، لكنه محمل بضعف وهفوات التجربة الأولى.

رقص على الأطراف

* كمال الماحوطي، مخرج «خويا» (المغرب / فرنسا) فاز بجائزة أفضل إخراج، وهو يستحقها بسبب المعالجة التي صاغ بها حكاية في ذاتها صعبة ولم تستطع تشكيل فيلم جيد فعلي. بطله شاب واقع في شتات أفكاره يكتب لأخيه رسائل لا يبدو أنها تصل، ويلقي بنفسه من حين لآخر في جنون مرحلي، باحثا عن ذاته في رسومات متشابهة (وجه ذو بشاعة) لا تحقق ما يبحث فيها. في أحد المشاهد يمرغ نفسه في الطين ليطبع نفسه على الورق. هذه أفكار جيدة التنفيذ لكن الضعف مستأصل في صعوبة إيصال تلك الهواجس الذاتية من دون أن يفك المخرج رموزه ويحلل الشخصية الأولى لكي يترك رد فعل مناسبا.

أما عمرو واكد في «الشتا اللي فات» فيمارس التمثيل بلقاء ممنهج مع معالجة المخرج وأجواء الفيلم. قبل الثورة تعرض بطل هذا الفيلم للتعذيب وخرج نائيا بنفسه عن المجتمع، مقررا أن لا يتدخل بعد ذلك في رأي أو يتعاطى الشأن السياسي بأي حجم. لكن المظاهرات تحيط به. إنها على شاشة التلفزيون وفي الشوارع القريبة وفي الأجواء كلها ولا بد له أن يترك ذلك الحذر ويشارك.

«الشتا اللي فات»، كما سبق وتحدثت عنه حين شوهد في مهرجان «فينيسيا» السينمائي الأخير، أفضل فيلم مصري تم تحقيقه عن أحداث مصر منذ 2011، وذلك لأنه في الوقت الذي يتخذ فيه موقفا واضحا مما يحدث، يرفض استغلال الحدث لصالح الغاية التجارية السهلة. كان يستطيع أن يرقص على أطراف قدميه فرحا بـ«الثورة» أو أن يلطم على وجهه ضدها، لكنه اختار الطريق الأصعب الذي يحيط بموقفه الواضح منها (والمؤيد لها) إنما المبتعد عن التهليل كما لو أنها ختام الفصل. وهذا الحذر مبرر حين نتابع ما يجري الآن في مصر.

ما لم يشترك

* ومن استعراض نتائج المهر العربي الروائي، إلى تقييم الدورة بكاملها إذا أمكن. ليس تقييمها من حيث التنظيم والإدارة، حيث هناك هفوات تتسع باتساع رقعة المهرجان وحجمه، بل من حيث اختيار الأفلام بحد ذاتها.

للأسف، يبقى ما شاهده ورفضه المهرجان من أفلام تقدمت للاشتراك به (نحو 2000 فيلم حسب المعلن) طي الكتمان. لا أحد يعلم أي فيلم تم رده أو استبعاده. من خلال متابعة مهرجانات العالم ومهرجان دبي من بينها فإنه دائما ما يكون هناك أفلام تثير غرابة المرء إما لقبولها وإما لرفضها. لسان الحال إذا ما تم ضم فيلم ضعيف المستوى هو: هل هذا معقول؟ كيف ولماذا تم قبول هذا الفيلم؟... وهذا الوضع تكرر في عدد من دورات مهرجان «كان» ودائما ما يستخلص المرء أن لكل لجنة اختيارا وذوقا مختلفا، وهو لا يلتقي بالضرورة مع ذوق الناقد، ناهيك بذوق الجمهور.

أما حين يرد مهرجان ما فيلما جيدا فإن رفضه محتمل. الغالب أن الناظر إليه (سواء فرد أو لجنة اختيار) لا ترى الفيلم من مستوى واحد (هذا إذا ما لم تكن هناك ممانعة قائمة على أساس خرق الفيلم نظام المهرجان وقوانينه). المشكلة هنا هي أن أحدا لا يستطيع أن يعلم فعلا ماذا كانت مستويات الأفلام الأخرى التي لم تدخل المسابقة أو المهرجان بأسره سواء على صعيد الروائي أو التسجيلي أو القصير.

بوضع هذا الأساس في البال، فإن مختارات مهرجان دبي هذا العام لا تشي إلا بأن ما اختير كان يستحق الاختيار بالفعل حتى مع افتراض أن هناك أفلاما جيدة أخرى ردت على أعقابها. هذا على أفق الاختيارات الذي يمتد في خط مستقيم إلى أن يأتي دور الفيلمين الأردنيين المشتركين في المسابقة الروائية وهما «لما ضحكت مريم» و«على مد البصر».

معهما يفتقد المشاهد تلك اللحظات الجميلة التي عاشها مع ثلة الأفلام الأردنية التي خرجت في السنوات الخمس الأخيرة من «الكابتن رائد» وصولا إلى «الجمعة الأخيرة». «لما ضحكت مريم» يبدأ منتعشا بلقطات وحوارات كوميدية. قال هذا الناقد في نفسه والفيلم لا يزال في إطار دقائقه العشر الأولى: «أخيرا فيلم جيد لا يستحي أن يكون كوميديا». لكن «الحلو ما يكملش» كما يقول المصريون، وما يلبث الفيلم، الذي أخرجه فادي حداد كأول عمل له، أن يسقط في الهوة التي حاول أن يتفرج عليها. فالفيلم يريد سرد حكاية يستعيد فيها تلك الرومانسيات المصرية القائمة على مشاهد الحب الساذجة، فإذا به يتجاوزها. يقع في محظور الاستنساخ الذي لا يمكن أن يتجاوز الأصل.

المشكلة في الفيلم الثاني، وهو لمخرج جديد أيضا هو أصيل منصور، أنه يبدأ وينتهي بوتيرة واحدة صاغها مخرج لا بد أن المسلسلات التلفزيونية كانت استلهامه الأول، ذلك لأن الفيلم ينتمي إلى ما تحفل به من مواقف. تستطيع، إذا ما كنت مشاهدا محترفا، أن تدرك غلبة التأثير التلفزيوني على مخرج يريد تقديم فيلم سينمائي، من خلال اختيار الزاوية وتوقع اللقطة التالية وعبر الحوار وكيفية التعامل مع حدود الميزانية وحل المخرج لأزمات التعبير بالاتكال على المغالاة فيه. وهذا كله موجود في فيلم ذكر من قدمه إلى الجمهور بأنه «نموذج لسينما نعتمد عليها وتشكل عمودا نحن بحاجة إليه فعلا» (!!).

مع هذين الفيلمين تدرك أن المهرجان لا بد أنه تسلم أعمالا أفضل، وهو إما صرفها صوب تظاهرات أخرى وإما بعث برسالة شكر لمرسليها معتذرا عنها.

* عشرة أفلام من عروض المهرجان العالمية الأولى تستحق التنويه:

- «أبي يشبه عبد الناصر» | فرح قاسم (لبنان).

- «تقاسيم الحب» | يوسف الدين (مصر / لبنان / الإمارات).

- «زابانا» | سعيد ولد خليفة (الجزائر).

- «الصرخة» | خديجة السلامي (اليمن).

- «عصفوري» | فؤاد عليوان (لبنان).

- «متسللون» |خالد جرار (فلسطين / الإمارات).

- «محاولة فاشلة لتعريف الحب» | عبد الكريم بلقاسم (المغرب).

- «موندوغ» | خيري بشارة (مصر).

- «هرج ومرج» | نادين خان (مصر).

- «ليالي بلا نوم» | نادين لبكي (لبنان).