جودة الحياة.. كيف نحققها؟

مؤسسة «ميرسر»: دبي وأبوظبي أفضل مدن الشرق الأوسط في جودة الحياة والبنية التحتية

TT

جودة أو نوعية الحياة هي واحدة من مجالات البحوث والسياسات الأسرع نموا واهتماما في العالم حاليا، وهو مفهوم يعد مقياسا لرفاه الأفراد والمجتمعات والشعوب، ويتم الترويج له بشكل متزايد كوسيلة مساعدة لاتخاذ القرارات السياسية والتمويل العام. ولكن ماذا يعني هذا المفهوم، وكيف يمكن تفعيله؟

تعرف «منظمة الصحة العالمية» مفهوم جودة الحياة بأنها «إدراك وتصور الأفراد لوضعهم ومواقعهم في الحياة في سياق نظم الثقافة والقيم التي يعيشون فيها، وعلاقة ذلك بأهدافهم وتوقعاتهم ومعاييرهم واعتباراتهم، وهو مفهوم واسع النطاق يتأثر بالصحة الجسمية للشخص وحالته النفسية ومعتقداته الشخصية وعلاقاته الاجتماعية، وعلاقة ذلك بالسمات البارزة لبيئته».

ويشير كل من ديريك غريغوري ورون جونستون وجيرالد برات وآخرون في «قاموس الجغرافيا البشرية»، الطبعة الخامسة (2009)، إلى أن مصطلح جودة الحياة يشير إلى تقييم الرفاه العام للأفراد والمجتمعات، ويستخدم هذا المصطلح في مجموعة واسعة من السياقات، بما في ذلك مجالات التنمية الدولية والسياسة والرعاية الصحية، ولا ينبغي الخلط بين مفهوم جودة الحياة ومفهوم مستوى المعيشة الذي يقوم أساسا على الدخل، فالمؤشرات القياسية لجودة الحياة لا تشمل فقط الثروة وفرص العمل، ولكن أيضا البيئة العمرانية والصحة البدنية والعقلية والتعليم والترفيه وقضاء أوقات الفراغ والانتماء الاجتماعي.

وجودة الحياة هي مفهوم واسع متعدد الأبعاد، يتضمن عادة التقييم الشخصي لكل الجوانب الإيجابية والسلبية للحياة، وعلى الرغم من أن الصحة هي واحدة من المجالات المهمة لجودة الحياة عموما، فإن هناك مجالات أخرى مهمة أيضا وتدخل في الحسبان ضمن جودة الحياة، مثل الوظائف والإسكان والمدارس والجوار، كما أن جوانب الثقافة والقيم والجوانب الروحية هي أيضا جوانب رئيسية لجودة الحياة عموما، حيث إن وضع تصور وقياس لهذه المجالات المتعددة وكيفية ارتباطها بعضها البعض، يفيد في معرفة وتقييم جودة الحياة بصفة عامة.

فمصطلح جودة الحياة، يستخدم للإشارة إلى الرفاه العام للأفراد والمجتمعات، وفي كثير من الأحيان يرتبط مع مصطلح مستوى المعيشة، ولكن الاثنين لا يعنيان بالضرورة نفس الشيء، فمستوى المعيشة هو مجرد تقييم للثروة والوضع الوظيفي للشخص في المجتمع، وعلى الرغم من أنهما عاملان مهمان لتحديد جودة الحياة، فإنهما ليسا وحدهما مؤشرين لها، فبيئة الشخص وصحته الجسمية والعقلية والتعليم والترفيه والرفاه الاجتماعي والحرية وحقوق الإنسان والسعادة هي أيضا من العوامل المهمة في تحديد جودة الحياة.

ويتم قياس جودة الحياة في مجموعة متنوعة من السياقات. وبصرف النظر عن الرعاية الصحية، فإن جودة الحياة تستخدم أيضا في مجال التنمية الدولية والعلوم السياسية، وقد قام الكثير من المنظمات الدولية والوطنية والمحلية بإجراء الكثير من الدراسات الاستقصائية والاختبارات النفسية لتحديد جودة الحياة للفرد والمجتمع لأغراض مختلفة.

وخلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي، صدر أحدث مسح أجرته مؤسسة «ميرسر» العالمية، وشمل 221 مدينة حول العالم، في معيار جودة الحياة ومعيار البنية التحتية، وفيه جاءت عالميا، على مستوى جودة الحياة، مدينة فيينا النمساوية في المركز الأول، تلتها على الترتيب مدن زيورخ السويسرية، ثم أوكلاند النيوزيلندية، ثم ميونخ الألمانية، ثم فانكوفر الكندية. وشرق أوسطيا من حيث جودة الحياة جاءت مدينة دبي في المركز الأول و(73) عالميا، وتلتها مدينة أبوظبي في المرتبة الثانية و(78) عالميا، وجاءت العاصمة العراقية بغداد في المركز الأخير إقليميا وعالميا، حيث احتلت المرتبة (221)، وسبقتها العاصمة السودانية الخرطوم في المرتبة(217). وفيما يتعلق بمعيار البنية التحتية، جاءت على المستوى العالمي، مدينة سنغافورة في المركز الأول، تلتها مدينة فرانكفورت الألمانية في المركز الثاني، ومدينة ميونيخ الألمانية في المركز الثالث، ثم كوبنهاغن الدنمركية وديسلدورف الألمانية في المركزين الرابع والخامس على التوالي. وشرق أوسطيا، احتلت دبي المرتبة الأولى، والمركز(34) عالميا، تلتها أبوظبي وفي المركز (72) عالميا، وجاءت مدينة مسقط في المرتبة الثالثة شرق أوسطيا، والمرتبة(94) عالميا، وجاءت بغداد في المرتبة الأخيرة (220) إلى جانب مدينة صنعاء اليمنية (219).

يذكر أن مؤسسة «ميرسر»، ومقرها مدينة نيويورك الأميركية، هي شركة استشارات عالمية رائدة، تساعد العملاء حول العالم في النهوض بالصحة والثروة والأداء، ومن بين الأمور التي تركز عليها: كيفية بناء علاقات أوسع مع العملاء، وتحقيق نمو في الأرباح، والاستثمار في أفضل الأفراد، والتفوق في المنافسات، وتضم المؤسسة 20 ألف موظف في أكثر من 180 مدينة في 40 دولة حول العالم.

وجودة الحياة، هي إحدى القضايا بالغة الأهمية التي تواجه العالم اليوم، وتعد من الأمور الأساسية لتطوير السياسات، لتلبية الاحتياجات الأساسية والاجتماعية والاستقلالية والاستمتاع بالحياة والاتصال الاجتماعي، وقد بدأ الكثير من الدول في الآونة الأخيرة في الاهتمام بهذا المفهوم وإدخاله في مجال التدريس والدراسات والبحوث، وبخاصة دراسات الصحة وعلم الاجتماع والسياسة الاجتماعية. وهناك حاليا مراكز ووحدات عالمية في المؤسسات والجامعات، تختص ببحوث ودراسات جودة الحياة، كما أن هناك دوريات ومجلات وكتبا متزايدة في هذا المجال الحديث. وفي كتاب صادر حديثا (2011) بعنوان «دليل بحوث جودة الحياة والمؤشرات الاجتماعية»، من تحرير كل من كينيث لاند واليكس ميكالوس وجوزيف سيرجي، أشاروا إلى أهمية المؤشرات الاجتماعية في معرفة وتقييم جودة الحياة، فالمؤشرات الاجتماعية تستخدم لمراقبة النظام الاجتماعي، مما يساعد على التعرف على التغيرات الحادثة وتوجيه التدخل لتغيير مسار التغيير الاجتماعي، فمعدلات البطالة والجريمة وتقديرات متوسط العمر المتوقع للأفراد ومؤشرات الحالة الصحية ومعدلات الالتحاق بالمدارس والتحصيل ومعدلات التصويت بالانتخابات ومقاييس الرفاه مثل الرضا عن الحياة بصفة عامة ومع مجالات محددة في جوانب الحياة، كلها مؤشرات ذات دلالات مهمة في تقييم جودة الحياة، ويرتبط بمفهوم جودة الحياة الكثير من المفاهيم الأخرى ذات الأهمية مثل السعادة والشعور بالرضا الشخصي والجوانب الروحية والدينية والمشاعر والأنشطة الإيجابية مثل التفاؤل والأمل والإيثار والحب والحكمة والمرونة التي تمثل جميعها قوة بشرية فريدة من نوعها في تحقيق جودة الحياة. فخصوصيات الجودة في مختلف مجالات الحياة وعلى وجه التحديد المشاعر الإيجابية ونقاط القوة تسهم في حياة أكثر سعادة وصحة ونجاحا في مواجهة شدائد الحياة.

لقد أصبح من الضروري أن نعلم أبناءنا وأفراد المجتمع عموما مفاهيم ومفاتيح جودة الحياة وأنها ليست في تحقيق الثروة والوضع الوظيفي، بل أيضا في كيفية تحقيق جودة الحياة في مختلف صورها وأشكالها ومجالاتها، من خلال الاهتمام بتحقيق التوازن بين الجوانب الجسمية والعقلية والاجتماعية والعلمية والروحية والترويحية وغيرها، والعمل على تنمية قدرات ومهارات ومفاتيح النجاح في الحياة والتغلب على مشكلاتها وشدائدها، وغرس الأفكار والمشاعر الإيجابية، حتى يستطيع الفرد أن يفيد نفسه ومجتمعه، فيشعر بأهميته وقيمته ونجاحه في الحياة والمجتمع.