62% من الممرضين والممرضات في لبنان يتعرضون للعنف اللفظي والجسدي

ملائكة الرحمة تحت المجهر النقابي للحد من هذه الظاهرة

TT

أظهرت دراسة أخيرة قامت بها دائرة الإدارة والسياسة الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت أن 62 في المائة من الممرضين والممرضات في لبنان يتعرضون للإساءة اللفظية، وأن 10 في المائة منهم يتعرضون للعنف الجسدي في أماكن عملهم. وبينت الدراسة أن 31.7 في المائة من الممرضين والممرضات الذين شملتهم الدراسة أشاروا إلى احتمال تركهم العمل، بينما قال 22.3 في المائة منهم إنهم مترددون.

وأظهر الممرضون والممرضات الذين استفتوا علامات واضحة للاستنفاد الوظيفي، وبينت الدراسة أن 54 في المائة منهم أبدوا مستويات عالية من الإنهاك النفسي والعاطفي. وظهرت على 28.8 في المائة علامات تجريد المرضى من شخصيتهم وعدم القدرة على التعاطف معهم، بينما أبدى 24.1 في المائة مستويات متدنية بالنسبة للإنجاز الشخصي.

وجاءت هذه الدراسة التي أجريت تحت عنوان «دراسة وطنية حول العنف ضد الممرضين والممرضات: الانتشار والعواقب والعوامل المسببة»، بعد استقصاء دقيق طال 593 ممرضا وممرضة يعملون في كل المناطق اللبنانية، وقُدّم ملخصان عنها في المؤتمر الدولي الثالث حول العنف في القطاع الصحي الذي عقد في أواخر شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في كندا.

وفي حديث أجرته «الشرق الأوسط» مع الأستاذ المساعد في دائرة الإدارة والسياسة الصحية في الجامعة الأميركية البروفسور محمد علم الدين الباحث الرئيسي لهذه الدراسة أشار إلى أنه أطلقها كتكملة لدراسة أجراها في عام 2009 حول العاملين في دوائر الطوارئ في خمسة مستشفيات رئيسية في لبنان. وقال إنه قلق حينها عندما اكتشف أن الممرضين والممرضات كانوا عرضة لمستويات من العنف تفوق العنف الذي يتعرض له الحراس الأمنيون والأطباء وعمال الطوارئ. وهذا ما دفعه إلى التوسع في أبحاثه عن الممرضين والممرضات على الصعيد الوطني. وقال: «لا يكفي أن نعلن نتائج الدراسة، بل علينا أن نقوم بخطوات فعالة على هذا الصعيد انطلاقا من وضع برنامج تدريبي شامل للممرضين يؤهلهم لمعرفة كيفية مقاومة العنف الذي يتعرضون له، إضافة إلى ضرورة خضوعهم لدورات تعليمية حول كيفية التعامل مع الناس، ولا سيما مع المرضى والأطباء وإدارة المركز الصحي الذي يعملون فيه». وأضاف: «نحن كأكاديميين أعضاء في هيئة التدريس في كلية العلوم الصحية وفي برنامج الصحة العامة واثقون بضرورة مشاركتنا في صناعة هذا القرار بالتنسيق طبعا مع النقابات المسؤولة مباشرة عن كل القطاعات المتورطة في هذا الموضوع». وذكر البروفسور علم الدين أن بعض مظاهر العنف اللفظي والجسدي التي يتعرض لها الممرضون عامة في بيئتهم العملية تتمثل في استعمال الشتم والسباب والكلام البذيء ضدهم أو تحطيم الزجاج ورمي المقعد أو الكرسي أو أي معدات أخرى موجودة في مكان العمل بوجههم من قبل الناس الذين يتعاملون معهم (المرضى وأهاليهم والزملاء في العمل). وختم بالقول: «لن ننتظر حصول حادثة وفاة أو أي وضع صعب مشابه لممرض أو ممرضة للبدء في تطبيق خطة العمل هذه، ولذلك عام 2013 سيشهد خطوات عملية فعالة في هذا الإطار».

وأظهرت الدراسة أن أكثر الإساءات الكلامية انتشارا هي بين أعضاء الكادر الطبي والإداري، مما يكشف عن مستوى مرتفع من الصراع بين الموظفين في مكان العمل. كما أظهرت أن المرضى وعائلاتهم هم أيضا مصدر لهذه الإساءات، خصوصا حين يشعرون أن الممرضين والممرضات لا يهتمون بمرضاهم بشكل كافٍ. أما العنف الجسدي فمصدره الرئيسي خارج مكان العمل، أي من قبل المرضى وعائلاتهم.

ورغم أن طبيعة مهنة الممرض تأتي ضمن نطاق الدعوة (vocation) لأنها بحد ذاتها رسالة إنسانية كمهنة الأطباء تماما التي انطلاقا منها يعرف أصحابها بـ«ملائكة الرحمة» فإن انتقادات كثيرة توجه إلى العاملين في هذا القطاع في لبنان، الذين وبتصرفات البعض منهم غير المقبولة تجاه المرضى وأهاليهم تركوا فكرة سيئة لدى شريحة من اللبنانيين، إذ صاروا يعتبرونهم بمثابة كابوس يرافقهم خلال وجودهم في المراكز الصحية التي يوجدون فيها، إن سعيا وراء الاستشفاء أو لاضطرارهم إلى البقاء فيها إلى جانب مريضهم، فإن شريحة أخرى من هؤلاء ترى في المقابل أن وجود بعض الممرضات اللطيفات واللاتي يحسن معاملة المرضى بشكل جيد يشعرهم بالراحة ويعزيهم أثناء وجودهم في المركز الصحي.

نقيبة الممرضات والممرضين في لبنان هيلين سماحة نويهض أكدت في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن عددا لا يستهان به من الممرضات تركت مهنتها أو هي على وشك القيام بذلك بسبب المعاملة السيئة التي تلاقيها في مركز عملها من قبل أطراف عدة، وبينهم الطبيب والزميل والمسؤول الإداري والمريض وأهله. وأوضحت أن العلة تكمن في البداية من المعهد أو الكلية التي تتلقى فيها الممرضة دروسها التخصصية في هذا المجال، وأنها اضطرت شخصيا في فترة سابقة إلى المطالبة بإقالة أحد الأساتذة المدرسين لتعامله الفظ مع طلابه الذين كانوا دون شك سيتأثرون سلبيا بأسلوبه ويترجمونه لاشعوريا على الأرض بتصرفات سيئة.

ورأت النقيبة نويهض أن برنامج تدريب جديدا سيخضع له طلاب كليات التمريض من شأنه أن يعرفهم إلى حقوقهم وواجباتهم أثناء ممارستهم عملهم، وأنهم كنقابة سيتبعون أسلوب التقرير اليومي الذي ستكتبه الممرضة بعد انتهاء دوام عملها لتذكر فيه المشكلات التي صادفتها خلال تأدية عملها، على أن يصير إلى تهيئة الأرضية اللازمة لتبني توصيات النقابة في هذا الموضوع في مراكز الدراسة والمستشفيات على السواء في مختلف مناطق لبنان، للحد من تفشي هذه الظاهرة الموجودة أيضا في عالم الغرب، وليس استثنائيا في لبنان.

وقالت: «سنقوم بتدريبات للعاملين في مجال المهارات الحياتية ليكتسبوا القدرات اللازمة لحل النزاعات التي تحصل معهم مثلا، كما سنولي اهتماما كبيرا لتثقيف الطلاب وتحصينهم من أجل عدم الوقوع في المحظور، خصوصا أنهم يستغلون بطريقة سيئة من قبل عدة أطراف تجبرهم مهنتهم على التعاطي معها أثناء دوام العمل، لا سيما أن المشكلة تدور في حلقة مقفلة مما يساهم في تأجج الأوضاع أكثر فأكثر».

وكانت الدراسة قد ختمت بالقول إن تعرض أفراد الجسم التمريضي بكثرة للعنف هو مدعاة للقلق الشديد، وإن تأثيره العاطفي بالإضافة إلى تدهور وضعهم الصحي يعيق قدرتهم على العناية بمرضاهم أو القيام بواجباتهم الأخرى.