تعالوا إلى «ليمود» الملجأ الآمن من نهاية العالم

عمدة قرية فرنسية استغل تنبؤات المواقع الإلكترونية لجذب السياح

توافد المصورون على قرية قمة «بوغاراش» الشهيرة، جنوب فرنسا، التي تداول الفلكيون اسمها منذ فترة طويلة باعتبارها مكانا آمنا ومحصنا من هزات الأرض وتقلبات القيامة. ثم تراجع الحديث عن «بوغاراش» ودخلت الموسوعة الإلكترونية التعاونية (ويكيبيديا) على الخط حين نشرت أن قرية «ليمود» الفرنسية، يمكنها أن تكون ملجأ آمنا من النهاية المفترضة للعالم، حالها حال «بوغاراش» (أ.ف.ب)
TT

في حال صحا القارئ هذا الصباح وتمكن من قراءة هذا التقرير عن نهاية العالم التي كان بعض المنجمين قد حددوا اليوم الحالي موعدا لها، فمعنى ذلك أن الصحف ما زالت تصدر، والطائرات تقلع وتحط، والأنهار تجري، والتلاميذ يذهبون إلى المدارس، والنساء يتسوقن في المراكز التجارية، وبشار يدمر عاصمته، وأن العالم لم ينته، وأن المنجمين قد كذبوا ولم يصدقوا. أما إذا انتهى العالم، فإن هذا التقرير لن يصل إلى قارئه لأن الصحف لم تتوصل بعد إلى إصدار طبعات خاصة بما بعد القيامة.

كان لا بد من هذه المقدمة المنطقية لتناول موضوع قد لا يقر به منطق، وهو حكاية الفرنسي هيرفيه سونسير، عمدة قرية «ليمود» في منطقة اللورين، (شرق البلاد). لقد استغل الرجل تنبؤات تداولتها بعض المواقع الإلكترونية وتصور أن في الإمكان تحويلها إلى عملية تجارية تشجع آلاف السياح والمغامرين والموسوسين بأن يزورا قريته. لماذا؟ لأنها المكان الأمثل للبقاء على ظهر البسيطة بعد أن يفنى العالم في الموعد الذي يحدده بعض الفلكيين في هذا اليوم بالذات، الحادي والعشرين من الشهر الحالي والسنة الحالية، دون أن نعرف الساعة، هل هي قبل الظهر أم بعده؟

العمدة نفسه يبدو غير مصدق للرواية. فهو قد أعلن أنه لن يغير عاداته، هذا النهار، وسيستعد له مثلما يستعد لأي جمعة تسبق عطلة نهاية الأسبوع. ويبدو أنه قد شعر بالغيرة من البلدة التي تقع فيها قمة «بوغاراش» الشهيرة، (جنوب فرنسا)، التي تداول الفلكيون اسمها منذ فترة طويلة باعتبارها مكانا آمنا ومحصنا من هزات الأرض وتقلبات القيامة. ثم تراجع الحديث عن «بوغاراش» ودخلت الموسوعة الإلكترونية التعاونية «ويكيبيديا» على الخط حين نشرت صفحة مخصصة لتنبؤات الشهر الأخير من عام 2012. فقد جاء في تلك الصفحة أن قرية «ليمود» الفرنسية، يمكنها أن تكون ملجأ آمنا من النهاية المفترضة للعالم، حالها حال «بوغاراش». ويستند أصحاب هذه التوقعات إلى نص قديم يعود إلى فترة مرور ملك «الهون» أتيلا بالقرية، وذلك في 4 من مايو (أيار) 451 ميلادية، وهو التاريخ الذي دفنت فيه قبائل «الهون» كنزا يسمى كنز القيامة، على شاطئ نهر «نييد» بعد أن أحرقوا مدينة ميتز. كان أتيلا يلقب بـ«ويلات الله». أما كنزه العجيب، فتقول الأساطير إنه يحمي الأحياء من نهاية العالم.

هذه الحكاية وردت في كتاب بعنوان «حياة أتيلا» للمؤرخ مارسيل بريون، صدر في عام 1928 عن منشورات «غاليمار» العريقة في باريس. أما سكان القرية الفرنسية الذين لا يتجاوز عددهم 315 نسمة، فإنهم وجدوا في الحكاية مصدرا للتسلية وتزجية ليالي الشتاء الطويلة، أو الحزينة كما تقول أغنية فيروز. لقد توقعوا أن يتقاطر الخوافون على المنطقة للاحتماء ببيوتها الحجرية، لكن الحركة ما زالت قليلة، والقادمون هم من الصحافيون ومصورو القنوات التلفزيونية الباحثون عن خبر يناسب الموسم.

أول المستخفين بالحكاية هو فيليب برونيلا، مدير متحف «ساحة الذهب» في ميتز. فهو قد صرح للصحافة بأن الغزاة «الهون» الذين جاءوا من أوروبا الوسطى كانوا يسعون لنهب المناطق التي مروا بها والعودة بالغنائم إلى ديارهم، فكيف يدفنون كنزا في أرض غريبة لا تبعد عنهم سوى مسافة بسيطة؟ ثم إن مدير المتحف لم يسمع ولم يقرأ أي نص تاريخي عن أن أتيلا أقام في ميتز، ولم تمر عليه تسمية «كنز القيامة»، بل كل ما ذكره المؤرخون أنه مر بها مرور الكرام. وبما أن موعد القيامة المفترض قريب، فقد أكد الآثاري المحنك أنه لا يملك الوقت للنبش في كتب الأقدمين، وكلها باللغة اللاتينية، للتأكد من أصل النبوءة وفصلها. ولعل رجل الثلج الذي نحته أطفال «ليمود» أمام مبنى البلدية هو الوحيد الذي لا علم له بحكاية الكنز ونبوءة القيامة.