طابعة هجينة ثلاثية الأبعاد لإنتاج غضروف قابل للزرع محل الغضاريف التالفة والمصابة

من خلال الدمج بين تقنيتي الغزل الكهربائي والطباعة البيولوجية

TT

تعد الغضاريف جزءا مهما من نظام الهيكل العظمي للجسم البشري، فالغضروف نسيج يقدم الدعم للعظام والمفاصل، فنهاية كل عظمة تغطى بطبقة ناعمة من النسيج الغضروفي الذي يشكل السطح اللين للمفاصل التي هي مكان التقاء نهايات العظام، حيث تعمل الغضاريف كوسادة بين عظام المفصل، تعمل على تسهيل الحركة، ومنع احتكاك العظام بعضها ببعض، ولكن نتيجة لأسباب وعوامل مختلفة، منها التقدم في العمر أو حدوث إصابات، تتأثر الغضاريف، وتبدأ في التآكل والتلف، فتحدث خشونة المفاصل، نتيجة لفقد المفصل لطبقة الغضروف، فتبدأ عظام المفصل في الاحتكاك ببعضها، مسببة آلاما للشخص، وخاصة مع الحركة والقيام بالأنشطة اليومية من مشي وصعود وهبوط درجات السلالم.

وفي خطوة علمية واعدة، سوف تمكن من إحلال الغضاريف التالفة والمصابة، تمكن فريق بحثي في معهد ويك فورست للطب التجديدي في مدينة وينستون - سالم بولاية كارولينا الشمالية الأميركية، من التوصل إلى أسلوب علمي حديث يتمثل في طابعة ثلاثية الأبعاد هجينة تستخدم لإنتاج غضروف قابل للزرع، ويجمع هذا الأسلوب بين اثنتين من التقنيات منخفضة التكلفة، هما تقنية طباعة الخلية وتقنية الغزل الكهربائي، وقد نشرت نتائج دراستهم في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي 2012. بالنسخة الإلكترونية للمجلة الطبية (Biofabrication) التي تصدر عن معهد الفيزياء البريطاني، الذي يعد جمعية علمية عالمية رائدة، وسوف تصدر هذه الدراسة في النسخة الورقية للمجلة بعدد مارس (آذار) المقبل 2013. وتركز هذه المجلة على استخدام الخلايا والبروتينات والمواد الحيوية والعناصر الحيوية النشطة، كمجموعات بناء أساسية لتصنيع نماذج بيولوجية متقدمة، ومنتجات علاجية طبية وأنظمة بيولوجية غير طبية، حيث قام الفريق البحثي في دراستهم بالجمع بين تقنية الغزل الكهربائي مع تقنية الطباعة الطبية النافثة للحبر التي تسمى الطباعة الحيوية أو البيولوجية (Bioprinting)، والمستخدمة حاليا لإنتاج الأنسجة والأعضاء، وذلك لإنتاج بنيات أو تركيبات الغضروف الذي يمكن في نهاية المطاف زراعته في المرضى للمساعدة في إعادة نمو الغضروف في مناطق محددة مثل المفاصل. فقد استخدم الباحثون طابعة هجينة ثلاثية الأبعاد تجمع بين الطابعة البيولوجية النافثة للحبر مع آلة الغزل الكهربائي، وذلك لطباعة كل من المواد العضوية والصناعية، وأمكنها في النهاية إنتاج غضروف صناعي أقوى من المواد المنتجة بمفردها بواسطة الطابعة البيولوجية النافثة للحبر.

وتقنية «الغزل الكهربائي» (Electrospinning)، هي تقنية حديثة تحظى باهتمام عالمي متزايد في الآونة الأخيرة لمميزاتها وخصائصها، فهي تقنية فعالة وذات إنتاجية عالية، كما أنها بسيطة ورخيصة التكلفة، وتتمثل في إنتاج ألياف صناعية نانوية (متناهية الصغر) من البوليمرات ومركباتها، وتستخدم هذه التقنية في مجالات وتطبيقات كثيرة، منها المجالات الطبية والصناعية، ففي مجال الطب تستخدم في هندسة الأنسجة لتنمية الخلايا وفي توصيل الدواء، وفي صناعة ضمادات الجروح، والأجهزة التعويضية، كما تستخدم في تنقية المياه.

يقول الفريق البحثي بأن الأسلوب العلمي الحديث والهجين المستخدم في دراستهم، تمثل في نظام لبناء منصات الغضروف، مكون من طبقات ميكروسكوبية متعاقبة متتالية (طبقة بعد طبقة) من ألياف الغزل الكهربائي البوليمرية وخلايا الغضروف الحية المطبوعة التي تم تنميتها من آذان الأرانب، وقد ساهم ذلك في النهاية في إنتاج وسادة غضروفية صناعية مناسبة للزرع. وقد أظهرت الدراسة أنه بعد ثمانية أسابيع من زراعتها في الفئران أن الوسادة المزروعة ساهمت في إنماء وتطوير بنية خلوية مماثلة للغضروف الطبيعي، كما أن اختبارات القوة الميكانيكية أثبتت أنها كانت تعادل الغضروف الطبيعي.

يقول الفريق البحثي بأن هذه التطورات لها الكثير من الإمكانات في المجال الطبي، فالغضروف الطبيعي المصاب يكون بطيئا وصعب الشفاء، وليست لديه القدرة على النمو ذاتيا، فالأضرار التي تحدث للغضاريف والمتسببة عن الإصابة أو الأمراض، يتم معالجتها حاليا بالجراحة، بواسطة تقنيات تزيل قطعا صغيرة من الأنسجة الممزقة أو بواسطة إنشاء طعوم مجهرية مثل العمليات الجراحية بالمنظار وتقنية الكسر الدقيق، ولكن بعد ذلك ليس لدى الجراحين القدرة على التجديد الكامل للوسادة الغضروفية وتشحيم الأنسجة التي تحافظ على حركة المفاصل بحرية ومنع احتكاك العظام ببعضها البعض.

ولكن هذا الإجراء الجديد قد يساهم بفعالية في القضاء على هذه الإجراءات الجراحية وإغاثة أعداد لا تحصى من الأفراد الذين يعانون أضرار الغضروف.

ويقول الفريق البحثي بأن هذه الدراسة لا تزال في مراحلها الأولى، ولكن نتائجها الأولية المشجعة، سوف تمكن من التوصل إلى حل أسرع وأرخص لعلاج إصابات الغضروف عند البشر.

يقول البروفسور والطبيب الجراح الأميركي العالمي الشهير أنتوني عطا الله، مدير معهد ويك فورست للطب التجديدي، إن «الطابعة ثلاثية الأبعاد الهجينة، المستخدمة في هذه الدراسة توضح أن الجمع بين المواد وأساليب التصنيع، قد مكنا من إنتاج تركيبات غضروفية قابلة للزرع، التي تمت زراعتها في الفئران لمدة 204.8 أسبوع لمعرفة كفاءتها وأدائها في نظام الحياة الطبيعية الحقيقية»، وأضاف عطا الله أنه «بعد 8 أسابيع من الزرع، أظهرت هذه التركيبات الغضروفية تطورا في الهياكل والخصائص التي هي نموذجية في الغضروف المرن، مما يدل على قدرتها على الزرع في المريض».

وقال البروفسور عطا الله إن: «دمج أنظمة الطباعة العضوية والصناعية كان صعبا، ولكن النتيجة النهائية كانت التوصل لنظام بتركيب غضروفي قوي ومتين يعزز نمو الخلايا»، وأضاف أن «أسلوب الطباعة البيولوجية يبشر بآفاق واعدة في هندسة الأنسجة واستبدال الأعضاء».

وقال عطا الله إن «أملنا في المستقبل، أن نتمكن من تطبيق التركيبات الغضروفية سريريا على المرضى من البشر باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي لجزء من الجسم مثل الركبة، كمخطط لإنتاج بناء متطابق. ومن شأن الاختيار الدقيق والمتطابق لمواد تركيبات السقالات (الدعامات) لكل مريض، التي تنمو عليها الخلايا فتعطي شكلا للغضروف المراد طباعته، أن تسمح للغضروف الجديد المزروع بتحمل القوة الميكانيكية وتنظيم وملء الأضرار والعيوب الموجودة بالغضروف المصاب».