عاملات المنازل في الأردن.. شكاوى مستمرة وحقوق منقوصة

أمين وزارة العمل: عدد الشكاوى ضئيلة مقارنة مع انتهاكات تحدث في دول أخرى

TT

لم تكد نورهينا تفر من ظلم ربة منزل عملت به حتى وقعت بين يدي مغتصبها الذي لم تستطع حتى الإبلاغ عنه بسبب وضعها غير القانوني، شأنها شأن آلاف عاملات المنازل اللاتي تعرضن لانتهاكات مختلفة لحقوقهن في الأردن.

وتقول نورهينا هيرال، 27 عاما، التي لجأت إلى ملجأ تابع لسفارة بلادها الفلبين في عمان مخصص لمثل هذه الحالات: «وصلت إلى مطار عمان في أبريل (نيسان) الماضي، وأخذ مكتب الاستقدام جواز سفري مباشرة، ثم أرسلني إلى منزل لأعمل به»، وأضافت في تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية: «عملت لدى أسرة أردنية مكونة من ثمانية أفراد بمنزل كبير، ربة المنزل شعرت بالغيرة وكانت تضربني دائما، فهربت بعد نحو ثلاثة أشهر»، وتابعت وهي تبكي: «إثر هروبي عملت بدوام جزئي لأحصل على المال، وقبل أسبوع، طلبني أحدهم لتنظيف منزل ريفي، وهناك تحرش بي وعندما حاولت منعه كمم فمي وهددني بسكين وجرني إلى غرفة، حيث ضربني واغتصبني».

وتكشف هيرال ذراعيها وساقيها لتظهر آثار الضرب واضحة، وتقول: «لم أعرف ماذا أفعل. لم أستطع الإبلاغ عنه لأني هاربة ووضعي غير قانوني». ويؤوي الملجأ التابع لإدارة العمل وراء البحار الفلبينية «بولو»، وهو من ثلاثة طوابق، 76 عاملة منزل هربن من أماكن عملهن بشكاوى مختلفة وهن بانتظار تسوية أوضاعهن أو العودة لبلدهن.

ووفقا لمنظمة «هيومان رايتس ووتش» الأميركية المدافعة عن حقوق الإنسان، فإن أكثر من 70 ألف عاملة منزل، خصوصا من سريلانكا وإندونيسيا والفلبين، يعشن في الأردن، وتواجه كثيرات منهن الانتهاكات نفسها التي تتعرض لها العمالة المنزلية الوافدة في بلدان المنطقة الأخرى.

وتشمل الانتهاكات، بحسب تقرير المنظمة لعام 2011 الضرب، ومصادرة جوازات السفر، وتحديد الإقامة في المنزل، والإهانات، وعدم دفع الأجور، وساعات عمل طويلة دون أيام عطلة أسبوعية.

من جانبها، تقول سفيرة الفلبين في عمان أوليفيا بالالا إن «هناك حالات عديدة لاغتصاب عاملات منازل فلبينيات في الأردن وسوريا والخليج.. في كل مكان في الشرق الأوسط»، مشيرة إلى وجود 30 ألف عاملة منزل فلبينية في المملكة.

وتضيف أن «السفارة في عمان تستقبل نحو 210 عاملات منزل شهريا بشكاوى مختلفة».

وتتابع بالالا: «نريد أن نتأكد من أن العاملات يحظين بمعاملة أفضل، وأن نضمن أن تكون حقوقهن الأساسية بصفتهم بشرا مصانة»، مضيفة أنه «ما لم يتحقق ذلك، فأنا لا أعتقد أننا سنرى أعدادا أكبر منهن يأتين للعمل هنا».

وكانت الفلبين رفعت قبل شهرين حظرا فرض لخمس سنوات على إرسال عاملات منازل إلى الأردن بعد توقيع البلدين اتفاقا لحمايتهن يضمن رفع الحد الأدنى للراتب الشهري إلى 400 دولار أميركي.

لكن ماريو انطونيو الذي يدير الـ«بولو» (الملجأ) يؤكد أن «الانتهاكات مستمرة، وحتى بعد رفع الحظر ستجد عاملات منازل برواتب شهرية بين 150 و250 دولارا أميركيا وبعضهن لا تدفع لهن أجور». وأضاف أن «هناك 952 عاملة منزل لجأن للمركز هذا العام، ساعدنا 596 منهن على العودة إلى الفلبين».

وتقول مايلين ماغنو، 20 عاما، بعد أقل من 24 ساعة على هربها من منزل أسرة عراقية مكونة من ستة أفراد تقطن إحدى ضواحي عمان الراقية، إن «صاحبة المنزل كانت دائما تضربني»، وأضافت: «هذه المرة اتهمتني بسرقة 100 دينار (140 دولارا) ثم لكمتني على عيني وضربتني على رأسي وضربتني بعصا غليظة على ساقي اليمنى حتى كسرتها». وما إن استطاعت ماغنو مغافلة الأسرة، حتى استجمعت قواها وقفزت من النافذة رغم آلامها فهربت إلى الـ«بولو».

وبدت عين ماغنو اليمنى منتفخة حمراء فيما عانت تورما في جبهتها وكسرا في ساقها إضافة إلى كدمات بذراعيها، لكنها تبتسم قائلة: «لحسن حظي جواز سفري معي وأنتظر المال فقط لشراء تذكرة والعودة إلى بلدي».

وحال عاملات المنازل السريلانكيات، اللاتي يقدر عددهن في المملكة بنحو 40 ألفا، ليس بأفضل.

ويقول جميل حاجي، القنصل بالسفارة السريلانكية في عمان، إن «نحو 100 عاملة منزل يهربن شهريا من مكان عملهن ويلجأن للسفارة»، ويضيف: «في أحد الأيام لجأت لنا عاملة هربت من بيت مخدومها بعد أن أحرقها ابنه، 16 عاما، في أماكن مختلفة من جسدها بمكواة! فيما لجأت لنا أخرى في أغسطس (آب) بعد أن عذبها صاحب المنزل بشدة، وهي الآن في سريلانكا على كرسي متحرك».

وفي هذا الإطار، تقول ليندا كلش، مديرة مركز دعم للاستشارات والتدريب (برنامج تمكين للمساعدة القانونية) إن المركز «استقبل منذ بداية عام 2011 وحتى نهاية يونيو (حزيران) الماضي 747 عاملة منزل من جنسيات متعددة وبشكاوى مختلفة».

وأوضحت أن أبرزها «465 شكوى تتعلق بعدم دفع الأجور بشكل جزئي أو كلي، و530 شكوى حجز جوازات السفر، و577 شكوى تتعلق بالحرمان من أيام العطلات، كما اشتكت 83 عاملة من انتهاكات جنسية»، مشيرة إلى أن «هناك فوضى كبيرة في قطاع عاملات المنازل، ولا توجد آلية معينة للمراقبة أو المحاسبة».

من جهته، يقول حمادة أبو نجمة، أمين عام وزارة العمل، إنه «لا أحد ينكر وجود مخالفات سواء من قبل العاملة أو رب العمل، فلا يوجد بلد في العالم يخلو من أمور مشابهة».

لكنه اعتبر أن «عدد الشكاوى ونسبتها ضئيلة مقارنة مع انتهاكات تحدث في دول أخرى»، مؤكدا أنه «لا وجود لسياسة تتغاضى عن الانتهاكات» في المملكة التي أخضعت عاملات المنازل لقانون العمل عام 2009 وأصدرت نظاما خاصا بهن عام 2010. لكن كلش رأت أن «القوانين والتشريعات تحتاج مراجعة شاملة، خصوصا أن كمّا هائلا منها على الورق ولا يطبق».