16 فنانا فلسطينيا يعرضون أعمالهم في لندن

كيف يمكن للفنان الفلسطيني التعبير عن وعيه في الوقت الذي يتم فيه تقليص مساحة وطنه

من أعمال محمد جحا ورائد رعد «مخيم البريج» و«حبل الغسيل» من أعمال شريف سرحان («الشرق الأوسط»)
TT

«كيف يمكن للمرء أن يبدع وهو معرض لخطر الموت المفاجئ وفي ظل عدم القدرة على التنبؤ بالغزو والحصار؟ وبشكل أكثر تحديدا، كيف يمكن للفنانين الفلسطينيين أن يعبروا عن مساحة وعيهم في الوقت الذي يتم فيه تقليص مساحة وطنهم بصورة يومية من خلال الحواجز والجدران الإلكترونية، وفي الوقت الذي تتعرض فيه منازلهم للاحتلال في أي لحظة أو حتى للتفجير والاختفاء من الوجود؟. لقد أثيرت هذه الأسئلة من قبل الفنان ومؤرخ الفن الفلسطيني كمال بلاطة في مقال عام 2002 بعنوان «فن تحت الحصار».

وبعد عشر سنوات كاملة من هذا التاريخ وبالتحديد في عام 2012، لا تزال نفس الأسئلة تطرح مرة أخرى في معرض «ديسبيت» الذي يقام في صالة «ريتشميكس» بشرق العاصمة البريطانية لندن. ويستضيف هذا المعرض، الذي شارك في تنظيمه آسر السقا، وهو مدير مشروع «أرتس كانتين» الثقافي بلندن، والفنانة نيقولا غراي، أعمال 16 فنانا فلسطينيا، من رام الله والخليل والقدس ومناطق الشتات الفلسطيني المختلفة. ومع ذلك، يقيم تسعة من هؤلاء الفنانين، أو ينحدرون في الأساس، من قطاع غزة، الذي يعد أكثر المناطق المتضررة والمعرضة للهجوم في الأراضي المحتلة.

وقال السقا: «يعد قطاع غزة عالما في حد ذاته، من حيث الحركة وجميع الحواس، ومن حيث اللون والصوت والصورة، وحتى الظروف المحيطة به، ولذا فهو يشهد حركة مكثفة. إن الأحداث التي تدور في المناطق المحيطة به هي من خلقت هذه الحقيقة. لقد أثر القهر البدني والشخصي والسياسي على وسائط التعبير، وعلى الرغم من ذلك ما زال هناك إنتاج عظيم وإبداع رائع».

وعندما تنظر حولك لكل الأعمال الموجودة في هذا المعرض، تجد أن الشيء الوحيد الحقيقي الذي يجمع بينها هو أنها جميعا من إبداع فنانين فلسطينيين، ولكنها تختلف اختلافا كبيرا عن بعضها البعض، وهو ما يمكن أن يتم النظر إليه على أنه تنوع كبير في الناحية الفنية أو أنه بمثابة تحدٍ لما كان يتم النظر إليه في كثير من الأحيان على أنها أفكار تقليدية للفن الفلسطيني. ويقول السقا: «يعد التنوع عنصرا هاما للغاية في هذا المعرض، وهو السبب الرئيسي وراء اختيار اسم المعرض. لقد أردت الحديث عن القضايا التي لها علاقة بالألوان والأعماق والسماء والطبيعة والماء والأسماك والجدران والمناظر الطبيعية من على أسطح المنازل».

ومن بين أبرز المواضيع في هذا المعرض هناك موضوع التمدن والتحضر، حيث تخلى المصور المقيم في غزة شريف سرحان عن عمله التقليدي في وسائل الإعلام وقام بعرض أربعة أعمال بمقاس 23x23 سنتيمتر باستخدام الاكريليك على قماش. وتظهر هذه الأعمال، التي تحمل اسم «حبل غسيل»، مشاهد مجزأة لأحد الشوارع المزدحمة. وهناك أشكال مماثلة بالألوان الأحمر والبرتقالي والأزرق للفنان العصامي والحائز على جائزة مؤسسة القطان للفنانين الشباب لعام 2002 رائد عيسى، التي تصور البيئة المكتظة بالسكان لأحد المخيمات في قطاع غزة. وقال السقا: «لقد استخدم ألوانا رائعة للتعبير عن الازدحام الشديد في المخيم، كما أن زرقة السماء تعطي معنى كبيرا في أعماله».

وتطرقت الأعمال الفنية إلى موضوع آخر وهو البراءة والبداية من جديد. وقال السقا عن الفنان محمد أبو سل: «إنه يقدم دراسات طبيعية عن الصبار الذي ينبض بالألوان وبالحياة، لأن الصبار يعد علامة على الصبر وتحمل المصاعب. ويعيش أبو سل في مخيم البريج في غزة؛ ويقوم بزراعة الصبار حتى يتمكن من مشاهدته وهو ينمو ومعرفة الصفات التي يتميز بها». وعلى الرغم من أن هذا يبدو بعيدا كل البعد عن السياسة، فإنه ينقل الأفكار التي تعكس الظروف المعيشية لسكان غزة بكل وضوح.

أما لوحات الفنان هاني زعرب فتجسد صبيا صغيرا مرارا وتكرارا، مرة على متن طائرة، ومرة أخرى وهو يركب دراجة نارية أو أي وسيلة أخرى من وسائل النقل. ويقيم زعرب في فرنسا الآن، وهو مولود في غزة، أما الصبي الموجود في لوحاته حاليا فهو نجله. ويقول زعرب إنه يتأمل فيما سيفكر فيه نجله، وهو صغير ولا يفهم السياسة، عندما يسأله عن السبب وراء عدم قدرته على السفر إلى القدس معه. وعلى الرغم من أن زعرب يحمل بطاقة هوية تدل على أنه من غزة، فإنه لا يستطيع السفر إلى القدس عندما تذهب زوجته ونجله إلى هناك لزيارة عائلتها.

ويتم التطرق إلى قضية بطاقات الهوية مرة أخرى، ولكن هذه المرة من قبل الفنان محمد جحا في لوحته «من أنا؟». وفي هذه اللوحة، نرى رجلا يختبئ خلف جاكيت من الجلد ويغطي وجهه ببطاقته الشخصية التي تعرفه والتي تحدد الأماكن التي يمكنه الذهاب إليها والأماكن الأخرى التي لا يستطيع زيارتها.

وقد اختلفت ردود أفعال الجمهور على هذه الأعمال، حيث سأل البعض السقا عن السبب وراء عدم وجود مزيد من الرموز الفلسطينية الواضحة والصريحة. وقد سأل أحد الأشخاص مثلا عن السبب وراء عدم وجود العلم الفلسطيني، في حين علق البعض على التنوع الذي عمد السقا وغراي إلى وجوده في هذا المعرض. وعن ذلك يقول السقا: «رأينا بعض الأشخاص الذين يعربون عن دهشتهم من تنوع الأساليب والمواضيع المطروحة وحيوية الألوان».

وفي ظل عدم وجود مكان لعرض محتويات هذا المعرض، وجد القائمون على مشروع «أرتس كانتين» أنه من الضروري عرض هذه اللوحات في أماكن مختلفة من العاصمة البريطانية لندن بهدف جذب أكبر عدد ممكن من الجمهور. وكشف السقا عن نيته في الوصول لمناطق أخرى في إنجلترا، قائلا: «سوف نقيم معرضا جديدا في شهر مايو (أيار) المقبل بجامعة كنت». وأكمل بلاطة مقالته التي أشرنا إليها سابقا قائلا إن «القيام بعمل فني يعد تحديا لواقع الحياة اليومية الكئيبة في تلك الأماكن التي تشهد عنفا عشوائيا بلا رحمة ضد الشعب». ومع عرض هذه الأعمال في لندن وفي المملكة المتحدة، بات التحدي الذي يواجه السقا وغراي الآن هو الوصول لأكبر عدد ممكن من الجمهور العالمي.

* يستمر معرض «ديسبيت» في قاعة «ريتشميكس» بشرق لندن حتى 28 ديسمبر (كانون الأول) الحالي.