الفلسطينيون يحتفلون بأعياد الميلاد بالصلاة من أجل سلام العالم

بيت لحم تستقبل زوارها بالفرح

مشهد ليلي لساحة المهد حيث توجد كنيسة المهد في بيت لحم تتوسطه شجرة ضخمة لعيد الميلاد (إ.ب.أ)
TT

بلغت احتفالات الفلسطينيين، بأعياد الميلاد المجيدة للطوائف التي تسير وفق التقويم الغربي، ذروتها، أمس، مع وصول البطريرك فؤاد طوال، بطريرك القدس للاتين وسائر الأراضي المقدسة، إلى بيت لحم، في مشهد احتفالي يتكرر كل عام في مثل هذا الوقت.

وعلى مدار الأيام القليلة الماضية، احتفلت بيت لحم، التي تضم كنيسة المهد، الكنيسة الأشهر للمسيحيين في العالم، حيث ولد السيد المسيح، وفق الاعتقاد الديني المسيحي، بشكل مختلف عن باقي المدن الفلسطينية، وتحولت إلى ما يشبه قاعة مهرجان كبير، أنيرت فيها كل ساحة وزاوية وشجرة، بينما جابت الكشافة شوارعها طولا وعرضا، فيما كانت التراتيل الدينية تصدح من على مسرح كبير أقيم لهذا الغرض أمام الكنيسة الأهم، خلف شجرة ضخمة أضيئت بآلاف المصابيح والفوانيس والأجراس والكرات الملونة.

وجاء الاحتفال هذا العام على وقع الاعتراف بدولة فلسطين عضوا مراقبا في الأمم المتحدة، الشهر الماضي، وبعد أن أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو) كنيسة المهد على لائحة التراث العالمي، في يونيو (حزيران) الماضي.

وقالت فيرا بابون، عمدة مدينة بيت لحم: «تملأنا البهجة والسرور هذا العام ونحن نحتفل بالأعياد المجيدة، في ظل عيد الدولة، وبعد إدراج كنيسة المهد في قائمة التراث العالمي». وأضافت: «هذا مدعاة للفخر وتأكيد للهوية الوطنية».

وتوافد آلاف المسيحيين، أمس، على بيت لحم من كل أنحاء العالم، وحضر المئات من المسلمين أيضا للمشاركة في هذه الاحتفالات.

وشوهد وسط المحتفلين مسيحيون من غزة أيضا. وحضر هؤلاء، بعدما أعطت إسرائيل نحو 600 منهم تصاريح لزيارة الضفة والمشاركة في أعيادة الميلاد، لكنها منعت فرقا كشفية من القطاع من الوصول إلى الضفة.

واستقبل «بابا نويل» في كل شارع من بيت لحم زوار المدينة من كل مكان، وقدم الهدايا للأطفال، وظلت أجراس الكنيسة تقرع من دون توقف ابتهاجا بالعيد، فيما آثر البعض الاستماع إلى وصلات فنية، أو التسوق من مهرجانات خاصة بالزيت والنبيذ والتحف الفنية.

وتتحول هذه المناسبة عادة إلى فرصة مهمة لدفع اقتصاد المدينة أيضا. وتشير الإحصاءات الرسمية، إلى وصول نحو 15 ألف سائح إلى مدينة بيت لحم لحضور احتفالات أعياد الميلاد. وقد اكتظت الفنادق بالسياح والمصلين الذين عادة ما يدفعون عجلة الاقتصاد في مدينة السلام.

وفي ذروة هذه الاحتفالات «الكرنفالية»، وصل موكب طوال مقبلا من القدس، عبر طريق تقليدي يبلغ طوله 8 كيلومترات، ودخل إلى بيت لحم عبر بوابة المدينة الحديدية الضخمة في الجدار الفاصل الذي يخنقها ويفصلها عن مدينة القدس، ولا يفتحها الإسرائيليون إلا لشخصيات رفيعة في مناسبات قليلة. وقال البطريرك طوال، قبل أن يشق طريقه وسط موكب كبير تحرسه الشرطة الفلسطينية وبعض الخيالة، باتجاه كنيسة المهد، إنه يصلي للسلام العادل والشامل وللأمن في كل فلسطين. ويتوقف طوال عدة مرات قبل أن يصل إلى «المهد» لمصافحة مستقبليه، ثم يدخل كنيسة المهد بعد استقبال شعبي، ويترأس فورا «الدورة التقليدية» إلى مغارة المهد، معلنا بدء الاحتفالات الميلادية، قبل أن يقيم ويترأس قداس منتصف الليل الذي يستمر حتى ساعات الفجر.

وحضر أمس، الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس وزرائه سلام فياض، ووزير الخارجية الأردني ناصر جودة، ومسؤولون عرب، إضافة إلى قناصل دول أجنبية، القداس الديني، الذي أكد على المحبة والسلام والأمن لفلسطين والشرق الأوسط وباقي العالم.

وهنأ أبو مازن المسيحيين في كل مكان بالأعياد. وقال بيان صادر عن الرئاسة: «هنأ رئيس دولة فلسطين محمود عباس، قادة وزعماء وملوك دول العالم والقادة الروحيين الذين يسيرون حسب التقويم الغربي، لمناسبة حلول عيد الميلاد المجيد. وأعرب الرئيس في برقيات منفصلة أرسلها إلى قادة دول العالم، عن تمنياته بأن يحمل العام الجديد الاستقرار والنجاح والتقدم للدول، وأن ينعم شعبنا الفلسطيني في العام المقبل بالحرية والاستقلال، وبدولته المستقلة وعاصمتها القدس».

وأكد عباس أن «شعبنا الفلسطيني في الأرض المقدسة بمسيحييه ومسلميه، يحتفل بأعياد الميلاد المجيدة، أعيادا دينية ووطنية، لأنها تشكل جزءا من تاريخه ونضاله، وهو يبتهل إلى الله أن تعود هذه المناسبة على الأرض المقدسة وعلى شعوب العالم كافة بالأمن والسلام والاستقرار».

من ناحية أخرى، غادر نحو 500 مسيحي قطاع غزة أمس (24 ديسمبر/ كانون الأول) في طريقهم عبر إسرائيل إلى الضفة الغربية حيث ينضمون إلى أقاربهم للاحتفال بأعياد الميلاد.

وشقت نساء وأطفال يحملون متاعا ثقيلا طريقهم عبر معبر إيرز إلى داخل إسرائيل في طريقهم إلى بلدة بيت لحم بالضفة الغربية للاحتفال بأعياد الميلاد في مسقط رأس السيد المسيح.

وقال مسؤولون محليون إن إسرائيل منحت هذا العام أهالي غزة الذين تقل أعمارهم عن 16 عاما أو تزيد على 35 عاما تصاريح لمغادرة القطاع الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الإسلامية حماس.

وقالت سماح، وهي من سكان غزة في طريقها إلى بيت لحم، إنها سعيدة بالسفر لكن السلطات رفضت اصطحابها ثلاثة من أبنائها.

ويقيم نحو 2500 مسيحي في قطاع غزة مع 1.7 مليون مسلم. وأغلبهم درس في مدارس تديرها حكومة حماس وبعضهم في مدارس خاصة تديرها «الأونروا»، وهي منظمة الأمم المتحدة لتشغيل الفلسطينيين، في غزة. ولا يتردد حديث علني عن تعرضهم لأي تمييز.

ويعمل المسيحيون في غزة في كل شيء تقريبا.. فمنهم الأطباء والمدرسون وبعضهم صاغة. وتراجعت أعدادهم من نحو ثلاثة آلاف قبل عام 2007، بينما يرجع ذلك أساسا لاعتبارات اقتصادية في القطاع.

ومن ناحية أخرى أعلنت الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي أن اليوم وغدا سيكونان عطلة رسمية للمسيحيين في العراق. وشهدت مناطق كثيرة في بغداد خلال الأيام الأخيرة تحضيرات للاحتفال، على عكس العام الماضي، عبر عرض مستلزمات الزينة في المحال التجارية، خصوصا محال الهدايا التي تلونت بالألوان الحمراء وتتصدرها أحجام متنوعة من ألعاب بابا نويل الثابتة والمتحركة، إضافة إلى الهدايا والبالونات وألعاب الأطفال والمشاعل الضوئية والألعاب النارية.

والمتغير الأهم في أجواء أعياد الميلاد في بغداد تحديدا هذا العام هو الانتهاء من إعادة بناء كنيسة «سيدة النجاة» التي كانت تعرضت قبل سنتين لعمل إرهابي أدى إلى مقتل أكثر من 100 من المصلين ورجال الأمن وهجرة آلاف المسيحيين من البلاد.

أما في الموصل، مركز محافظة نينوى، فلن يكون بوسع المسيحيين إحياء مراسم أعياد الميلاد داخل الكنائس والأديرة بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة في المدينة وخشية تعرض المسيحيين لأعمال عنف من قبل الجماعات المسلحة التي تنشط في مدينة الموصل. وقال المطران لوقا الثاني من دير متى شمال مدينة الموصل لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إن مراسم الاحتفال هذا العام ستقتصر على قرع الأجراس فجر اليوم، «وهذا الشيء الوحيد الذي لا نستطيع الاستغناء عنه».