مصر تفقد أهم مواسمها السياحية بسبب الأحداث السياسية

300 مليون دولار خسائر أسبوعية.. وإلغاء الحجوزات يقلق العاملين بالقطاع

انخفضت نسبة الإشغال في شرم الشيخ إلى 50% من معدلها في مثل هذا الوقت من العام
TT

باللونين الأحمر والأبيض وبعض دمى «بابا نويل»، تزينت فنادق القاهرة في انتظار روادها، فها هي أعياد الكريسماس ورأس السنة تدق الأبواب، التي تعد موسما سياحيا مميزا، بل أهم المواسم السياحية في مصر على مدار السنة، حيث ينتظره أصحاب الفنادق ومنظمو الرحلات والشركات العاملة في مجال السياحة.

لكن يبدو أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن هذا الموسم، فمع استعدادات العاملين بالقطاع السياحي للموسم، آملين أن تدور العجلة من جديد فتعوض بذلك الخسائر التي تكبدها على مدار عامين منذ اندلاع ثورة 25 يناير، جاءت التصريحات النارية لوزير السياحة المصري، هشام زعزوع، التي أكدت تراجع نسبة الإقبال على الفنادق التي لم تتعدَّ 20% لهذا الموسم، وهو ما يعني خروج مصر من المنافسة، والسبب يعود إلى حدة الخلافات السياسية الدائرة في مصر.

وهو ما جعل العاملين في مجال السياحة قلقين وغير مطمأنين على مستقبل هذا القطاع الحيوي، خصوصا مع ما أشارت إليه جميع مكاتب السياحة الخارجية من تباطؤ وإلغاء الحجوزات الواقعة في شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) 2013.

سامي سليمان، رئيس جمعية مستثمري السياحة، يؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن قطاع السياحة على حافة الهاوية بسبب القرارات المتخبطة التي تقتله عمدا ومع سبق الإصرار، مشبها السياحة واستقرارها بالطيور التي تستقر في مكان إذا شعرت فيه بالأمان، وعندما تستمع إلى طلقات البارود تطير من أعشاشها وتهجرها.

ويبين أن أكثر الأماكن التي تعاني من تراجع السياحة وتأثرت سلبا بسبب الأحداث في البلاد هي مدن: دهب، وشرم الشيخ، وطابا، ونويبع، والقاهرة، خصوصا المناطق التي تقع في محيط الأحداث والمواجهات كفنادق جاردن سيتي ووسط البلد، لافتا إلى أن جميع هذه المناطق تعاني تراجعا كبيرا في الإقبال والإشغال، وبعد الأحداث الأخيرة كانت السمة السائدة هي إلغاء الحجوزات الخاصة برأس السنة. وينتقد سليمان بعض الصيحات التي تتغنى بمقولة أن «السائح العربي أو الأجنبي لا يستطيع أن يمتنع عن زيارة مصر»، واصفا إياها بالمسكنات التي لا تسمن ولا تغني من جوع. ويضيف: «يجب أن يعرف الجميع أن مصر كانت تستقبل سنويا أكثر من 14 مليون سائح من جميع أنحاء العالم، وكان هذا يمثل دخلا كبيرا لمصر هي محرومة منه اليوم، فلأول مرة تكون حجوزات الفنادق لرأس السنة بهذا الشكل، فهناك مناطق كالأقصر وأسوان الإشغالات فيها لا تتجاوز 10 في المائة، كما أن القاهرة إلى الآن لم تشِر المؤشرات فيها إلى أي نتائج مبشرة».

يلتقط طرف الحديث نادر جرجس، عضو اتحاد السياحة المصرية ومدير إدارة قطاع الفنادق العائمة، الذي يقول: «قطاع الفنادق العائمة (الكروزس) الأكثر تأثرا بالأحداث، خصوصا الأقصر وأسوان، التي تحتضر اليوم، فبرنامج الكروز الكلاسيكي يتوجب أن يمر بالقاهرة لزيارة الأهرامات والمتحف المصري وبعض المزارات الأخرى، ولكن مع بداية الاضطرابات بسبب أزمة الإعلان الدستوري توقفت تماما هذه الرحلات، وأي حجوزات لم تلغَ فهي بسبب شروط جزائية لم يستطيع أصحابها أن يغيروا وجهتهم، الأجانب أدركوا أن مصر أصبحت لا تصلح أن تكون مكان الإجازة المناسب لهم في ظل الاضطرابات الحالية».

ويبين أن الأسبوع الأخير من العام الحالي والأول من العام الجديد من المتوقع أن يشهدا تحسنا بسبب السياحة الداخلية وإجازات المصريين، ولكن هذا التحسن لن يكون أكثر من 20 في المائة من المعروض، ويؤكد أن السفن العائمة المنتشرة على ضفاف نهر النيل ستشهد إقبالا ليلة رأس السنة، حيث تعتبر المكان المثالي لتوديع عام واستقبال آخر، حيث تتجمل هذه السفن ويتفنن القائمون عليها في ابتكار برامج ترفيهية لهذه السهرة، ويضيف: «بسبب الانفلات الأمني الموجود في البلاد أصبحت العائلات لا ترحب بالسفر إلى المناطق السياحية البعيدة بالسيارات، كما أن ارتفاع أسعار تذاكر الطائرات، عمل على أن تكون القاهرة محظوظة بعض الشيء باقتناص هذه الفرصة».

ويؤكد رئيس غرفة شركات السفر والسياحة، حسام الشاعر، أن خسائر قطاع السياحة تصل إلى 300 مليون دولار أسبوعيا، فقد امتنع السائحون من زيارة مصر وتراجعت نسبة إشغال الفنادق إلى أدنى مستوى شهدته مصر منذ اندلاع الثورة، وهذا يدلل على أن مصر خسرت موسم أعياد الكريسماس والشتاء، كما أن نسبة الإشغال في كل من شرم الشيخ والغردقة انخفض إلى 50 في المائة، أما في الأقصر فهي لم تتعدَّ 10 في المائة والقاهرة 20 في المائة، وأضاف أن السياحة تأثرت بشدة الأسبوع الأخير من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عندما بدأت وتيرة الأحداث السياسية في التصاعد.

وأكد الشاعر أن السياحة في مصر تواجه أزمة كبيرة، «فلم تتعرض الفنادق في كل مصر لهذه الحالة، خصوصا مع قدوم موسم الأعياد ورأس السنة، ولن تستطيع التعافي ولا النهوض من كبوتها إلا عندما يعود الهدوء إلى الشارع المصري، وهذا يجب أن يحدث قريبا وإلا سنخسر بالتالي الموسم الصيفي أيضا، الذي من المفترض أن تبدأ شركات السياحة العالمية الحجز له من الآن».

بدورها تعلق مديرة إدارة العلاقات العامة بفندق «كمبينسكي النيل»، إيمان اليسقي، على الحالة السياحية بقولها: «على الرغم من أن الفندق يقع في دائرة الأحداث، فهو قريب من ميدان التحرير، لكننا بدأنا الاستعداد لاحتفالات رأس السنة كالمعتاد. صحيح أنه ليس بنفس القوة نظرا للإقبال الضعيف، ولكن لأن أغلب الغرف والأجنحة تطل مباشرة على النيل، هذا بالإضافة إلى الديكور الداخلي للفندق الذي يمنح ضيوفه أسلوب حياة أوروبي الطابع يتسم بالرفاهية مع الحفاظ على الروح الحقيقية للثقافة المصرية، فالفندق يتمتع بنسبة إشغال متزنة على مدار العام بين جيرانه، خصوصا وقت نشوب الاشتباكات، ولهذا حرصنا على أن يكون هناك عروض تتميز بالعصرية والأناقة، حيث تتنوع الاختيارات بين حفلات العشاء التقليدية والحفلات الراقصة وأفضل المأكولات التي تقدم في مطاعم الفندق الأنيقة، بالإضافة إلى الاستمتاع بحفل شاي راقٍ وفاخر في قاعة الشوكولاته كل مساء مع أشهى الحلويات من الكعك إلى الشوكولاته وأنواع الشاي من كل أنحاء العالم، ولعشاق موسيقى الجاز يمكنهم الاحتفال مع موسيقاهم المفضلة».

أما إلهامي الزيات، رئيس الاتحاد المصري للغرف السياحية، فيقول لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يوجد شيء يحدث في مصر إلا ويؤثر على حالة السياحة، موضحا أن «إعلان الحكومة زيادة الضريبة على السياحة ثم تراجعها فيه قد ألقى بظلال الركود على القطاع، وسوف يعجل بتشريد 5 ملايين عامل، وهذا سيزيد من البطالة التي ستعجل بثورة الجياع».

ويؤكد أن أي قرارات غير مدروسة تخص القطاع السياحي يكون لها أثرها، فما رددته الحكومة المصرية قبل تراجعها عمل على تراجع نسبة الإشغالات بنسبة 80 في المائة، بالإضافة إلى إلغاء الحجوزات مع بداية الموسم الشتوي وأعياد رأس السنة والكريسماس، فقد تراجعت معدلات تدفق السياح بنحو 1.6 مليون سائح في نهاية الشهر الحالي مقارنة بالأعوام الأخرى، كما تراجعت نسبة الإشغال في فنادق الأقصر وأسوان إلى 30 في المائة مقارنة بالسنوات الماضية. مشيرا إلى أن الكثير من أصحاب الفنادق تلقوا طلبات بإلغاء الحجوزات من مختلف الأسواق المصدرة للسياحة في وقت كان يتوقع فيه انتعاش السوق السياحية وإطلاق الاحتفالات برأس السنة.