«الجمعية الجغرافية».. صرح تاريخي وعلمي نسيه المصريون

نشطاء يطلقون حملة لإنقاذ مقتنياتها من مخاطر الزمن وتحدياته

تاريخ الجمعية الجغرافية يعود إلى عام 1875 في عهد الخديو إسماعيل («الشرق الأوسط»)
TT

على الرغم من أن الجمعية الجغرافية في مصر تشكل وعاء للمعلومات في مجالات علمية وتاريخية وجغرافية متفاوتة، فإنها تظل منسية في زيارات المصريين، للدرجة التي أعيتها تحديات الزمن وتعديات الإنسان.

الجمعية تقع في ميدان التحرير، الذي انطلقت منه شرارة ثورة 25 يناير، تقف بشموخها شاهدة على عراقة التاريخ المصري عبر عصوره، حيث توصف بأنها سادس جمعية جغرافية على مستوى العالم، لما تضمنه من مقتنيات وكنوز نادرة، فهي تحفل بإرث المصريين الذي يعكس عمق تاريخهم، ويسجل في الوقت نفسه دفترا لأحوال بلادهم قبل عقود.

يرجع تاريخ الجمعية إلى عام 1875، عندما شيدها الخديو إسماعيل لتكون إحدى أدواته العلمية للكشف عن منابع النيل وكنوز الصحراء المصرية، ووعاء لحفظ الجغرافيا المصرية، ومرجعا للباحثين والدارسين.

غير أنه بمرور العقود اتسعت الجمعية لتتجاوز قيمتها وأهميتها الجغرافية لتصبح متحفا للعادات والتقاليد المصرية من خلال ما تضمه من مقتنيات تاريخية، تجسد حياة أبناء النيل اليومية من خلال معروضات ووثائق جغرافية وحياتية.

في بداية نشأتها، بدأت الجمعية في قاعة بأحد قصور الأسرة العلوية الملكية، إلى أن انتقلت لبناية ملاصقة لمقر مجلسي الشعب والشورى (غرفتي البرلمان) بوسط القاهرة، غير أنه جرى هدمها لبناء ملحق لمجلس الشعب.

وقتها استبدلت الحكومة المصرية بالمقر الذي تمت إزالته آخر أكثر تميزا، وهو مقر وزارة السودان في الحكومة المصرية، فشيدت به قاعة وصفت بأنها من أجمل قاعات المحاضرات في مصر، للدرجة التي أذهلت معها المشاركين بمؤتمر الجغرافيا الدولي في العشرينات من القرن الماضي.

إلا أنه مع بناء ملحق مجلس الشعب وإضافة وزارة النقل بشارع قصر العيني، فقد ساهم ذلك في تهديد للجمعية، ما جعل الزائر إليها لا يمكنه دخولها إلا من خلال مجلس الشورى، حيث الإجراءات الأمنية المشددة، علاوة على التهديدات المتلاحقة التي تطاردها من جانب وزارة النقل التي تتعرض حاليا لحالات تصدع.

هذه الأجواء التي أصبحت عليها الجمعية الجغرافية دفعت نشطاء مصريين، بينهم متخصصون ومجموعة من شباب الجغرافيين، إلى إطلاق حملة موسعة لإنقاذ سادس أقدم جمعية جغرافية على مستوى العالم، مطالبين بفك حصار مجلس الشورى لها من ناحية، ونقل وزارة النقل من ناحية أخرى، بعدما أصبحت مهددة بالانهيار.

منسق الحملة الدكتور خالد عزب، وهو باحث ومدير إدارة المشروعات الخاصة بمكتبة الإسكندرية، يشدد على ضرورة التحرك داخليا وخارجيا لحماية هذا الصرح العريق، مبينا أن هناك خطرا يهدد الجمعية لا يقل عن الخطر الذي لاحق المجمع العلمي المصري عندما تعرض لحريق مدمر قبل عام، وهو المجمع المجاور للجمعية الجغرافية، مؤكدا أن حال الجمعية أصبح يستدعي التحرك السريع لحمايتها من مخاطر الزمن وتحدياته.

تضم الجمعية بانوراما تاريخية لحفل افتتاح قناة السويس بوصفها أبرز المشروعات التي غيرت كثيرا من جغرافية مصر، وذلك من خلال القاعة التي أضيفت إلى الجمعية في عام 1930، غير أن أكثر ما يسترعي الانتباه في الجمعية أنها تضم مكتبة عامرة بالمقتنيات التاريخية، التي تعد الأكثر ثراء في مصر بمجال الدراسات الجغرافية في شتى فروعها، فتضم الجمعية في وعائها قرابة 12 ألف خريطة و60 ألف كتاب و500 دورية بكل أعدادها، وهي الدوريات التي ساهمت في تعزيز التبادل العلمي المصري مع دول العالم، فالجمعية لديها دوريات علمية محكمة صدرت باللغة الفرنسية لأول مرة في عام 1876.

وعلاوة على هذه المقتنيات فإن الجمعية تضم متحفا فريدا من نوعه هو المتحف الإثنوغرافي الذي يشغل الطابق الأرضي من الجمعية في الوقت الحالي، وهو المتحف الذي لا يعلم كثير من المصريين بوجوده بداخل هذه الجمعية.

وما يستحق أن يتوقف أمامه بهذه الجمعية ذلك الوقف الخيري للراحل محمد راتب قوبان بن طبة الجركس، الذي وجهه إلى زوجته، لكونه لم ينجب، إلى أن قامت هي بدورها بوقفه إلى الجمعية بموجب حجة الوقف الصادر من محكمة مصر الابتدائية في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1931. وبموجب هذا الوقف كانت الجمعية هي المنتفع الوحيد من هذا الوقف، الذي تصل مساحته إلى 538 فدانا في قرية كتامة الغابة بمركز بسيون في محافظة الغربية، وهو الوقف الذي يوجب القانون عدم التلاعب به أو التصرف فيه، لكن بعض المترصدين لهذا الوقف قاموا باللجوء إلى القضاء في عام 2004 بدعوى امتلاكهم لهذه الأرض، ليتم الاستيلاء على هذا الوقف الذي كان يتم بموجبه الإنفاق على الجمعية، التي أصبحت تعتمد على تمويلها من اشتراكات أعضائها، وهو الاشتراك الذي يوصف بالمتدني.

ولذلك يدعو د. عزب ضمن حملته إلى إنقاذ الجمعية واستعادة هذا الوقف، يقول: «على الرغم من ضآلة الوقف، فإن ريعه كان يوجه للإنفاق على الجمعية ونشاطها، ما يتطلب من مجلسي الشعب والشورى ووزارة الأوقاف سرعة العمل على إعادة هذا الوقف للجمعية».

خلاف ذلك، فإن هذا الصرح العريق أصبح يعاني من تكدس في حركة السير نتيجة للمرافق الحيوية التي تجاورها، ما دفعت منسقي حملة إنقاذها إلى المطالبة بضرورة نقل ما يمكن نقله من هذه المرافق إلى أماكن أخرى بديلة، وعلى رأسها هيئة الطرق والكباري، التي تتمتع بمساحات شاسعة في ضاحية مدينة نصر بالقاهرة، فيمكن نقل مقر الهيئة إليها، ليصبح موقعها امتدادا لمقر الجمعية، ومن ثم يحدث هذا النقل سيولة، دون تكدس في الشوارع المحيطة بها.

ويشير أعضاء الحملة إلى أنه على الرغم من كل هذه الأهمية التاريخية للجمعية وما تضمه من مقتنيات ومتاحف، فإنها ظلت منسية في زيارات المصريين، الأمر الذي جعلها مقصورة في نطاق علمي ووعاء متحفي وفقط، دون أن تتجاوزه إلى ما هو أبعد من ذلك من تعميق الانتماء، والتوعية بالتاريخ والتراث، وهو الدور الذي يفرض على المختصين القيام به، غير أنهم يطالبون بضرورة تكاتف مؤسسات المجتمع المصري المختلفة لنشر التوعية بأهمية هذه الجمعية، وهم يعولون على ثورة 25 يناير بأن تكون داعمة ومؤيدة لهذا الدور بالتوعية بأهمية الجمعية ونشر دورها وإبراز أهدافها.