الأفارقة يخاطرون بحياتهم بحثا عن مستقبل أفضل في أوروبا

ربع القوة العاملة من دون عمل والطبقة الوسطى يشحذون في الشوارع

يشتري الأفارقة قوارب صغيرة وينفخونها ويحشرون عددا كبيرا من الناس بداخلها (ا.ف.ب)
TT

عندما لم ينجح أولاواله أولواسيجون في مجالي النشر والسياسة في نيجيريا قرر أن يستثمر كل مدخراته ويخاطر بحياته بحثا عن مستقبل أفضل في أوروبا.

لم يكن لديه فكرة أن جنوب أوروبا تعيش في خضم أزمة اقتصادية عميقة. وقال أولواسيجون (44 عاما) وهو من العاصمة النيجيرية لاجوس: «لم نكن نستمع إلى الأخبار بانتظام».

وبعد رحلة محفوفة بالمخاطر عبر خمسة بلدان أفريقية، وصل أولواسيجون أخيرا إلى إسبانيا - ليكتشف أن ربع القوة العاملة من دون عمل وأن الناس يصطفون أمام مقاصف الجمعيات الخيرية وأن أناسا كانوا في وقت من الأوقات ينتمون للطبقة الوسطى يشحذون في الشوارع.

وقال أولواسيجون لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) في ضاحية بارلا بمدريد: «لو كنت أعلم أن الوضع في إسبانيا سيكون هكذا لكنت قد بقيت في نيجيريا».

ويشاركه في تجربته آلاف آخرين من غرب ووسط أفريقيا الذين يعتقدون - حتى لو كانت لديهم فكرة غير واضحة عن أن أوروبا لم تعد غنية كما كانت من قبل - أن الحياة هناك لا يمكن أن تكون أسوأ مما هي عليه في أوطانهم.

ويقول أنتومي تواسيجي رئيس المركز الأفريقي بمدريد: «السماع عن قصة نجاح واحدة فقط لأحد (المهاجرين الأفارقة) يحفزهم على مغادرة أوطانهم».

ويقول ميجيل جارسيا من الصليب الأحمر في مدينة قادش إن هناك حتى زيادة في أعداد الأفارقة الذين يعبرون مضيق جبل طارق إلى إسبانيا.

وفي عام 2011 كان الصليب الأحمر يعتني بـ650 شخصا من المهاجرين الوافدين إلى المنطقة. أما هذا العام فقد ارتفع العدد إلى نحو 1070 حتى الآن.

الأمر لا يتعلق فقط بنزوح مزيد من الأفارقة إلى إسبانيا لكن هؤلاء الأفارقة يبدو عليهم اليأس بشكل متزايد.

ويقول أنطونيو فرنانديز متخصص الإنقاذ في الصليب الأحمر: «إنهم يشترون قوارب صغيرة وينفخونها ويحشرون عددا كبيرا من الناس بداخلها وينطلقون بها في البحر حيث يمكن أن تضرب قواربهم الضعيفة تيارات وعواصف أو موجات تتسبب بها الناقلات».

ويعتقد أن هناك آلاف من المهاجرين ينتظرون في المغرب من أجل السفر إلى أوروبا. وقد ترك بعضهم أوطانهم حتى قبل وقوع الأزمة الاقتصادية.

يشار إلى أن أسباب الزيادة في أعداد الأفارقة النازحين ليست واضحة. فيقول خبراء إنه يمكن أن يكون الأمر ظاهرة مؤقتة، بالنظر إلى أن الأزمة قد خفضت بشكل عام من عدد المهاجرين في السنوات الأخيرة.

وقال فرنانديز إن 3657 مهاجرا فقط وصلوا إلى إسبانيا عن طريق البحر خلال عام 2011، أي أن العدد انخفض حيث كان 13600 مهاجر في عام 2004.

ويرجع أولواسيجون بالذاكرة ليتذكر رحلته إلى إسبانيا التي امتدت لخمسة أشهر، محاولا أن يبتسم لكن الذكريات الكئيبة تظل تطفو على السطح.

وعانت إحدى السيارات التي سافر بها أولواسيجون من عطل في المحرك في صحراء النيجر، حيث رأى أولواسيجون بعض أصحابه يموتون تحت الشمس الحارقة.

نجا أولواسيجون بالكاد من الحرب الأهلية التي كانت في بداياتها في ليبيا. ورأى أولواسيجون زملاءه المهاجرين يقتلون بعضهم البعض في الصراع على السلطة وكذلك اغتصاب النساء المسافرات معهم في الجزائر. وتعرض أولواسيجون للضرب والسرقة على يد الشرطة المغربية، وتم خداعه من قبل الشخص الذي كان تعهد باصطحابه هو وآخرين إلى إسبانيا، لكنه قاد قاربهم إلى إحدى الجزر المغربية.

توجه قارب آخر يحمل أشخاصا ينتمون إلى نفس المجموعة إلى إسبانيا بالفعل لكنه انقلب وغرق كل ركابه الذين كانوا على متن القارب والذين يقدر أولواسيجون عددهم بالعشرات.

حاول أولواسيجون في وقت لاحق تسلق الجدار المحيط بمقاطعة مليلية في إسبانيا، لكنه اضطر إلى تفادي أعيرة نارية أطلقتها الشرطة الإسبانية.

وأخيرا في شهر أبريل (نيسان) الماضي في ميناء طنجة المغربي، كان أولواسيجون قد وصل إلى حالة من اليأس كانت كافية لأن تجعله يخاطر لفعل أي شيء.

تم منحه سترة وطوق نجاة وجرى سحبه من الماء. كان طوق أولواسيجون متصلا بطوق مهاجر آخر وصبي مغربي - حيث كان هو فقط من بين الثلاثة الذي يمكنه السباحة والذي يمكنه أيضا سحبهم عبر مضيق جبل طارق.

كانت المجموعة في منتصف الطريق عبر المعبر الذي يبلغ طوله 14 كيلومترا عندما كشفت طيور النورس التي كانت تحلق فوقهم وجودهم لزورق دورية للشرطة الإسبانية.

واعتقل أولواسيجون واصطحب إلى إقليم سبتة الإسباني. قام الصليب الأحمر بإطعامه ووضع في مركز يشبه السجن مخصص للمهاجرين غير الشرعيين في ميناء الجزيرة الخضراء، وأخيرا تم وضعه على متن حافلة متجهة إلى مدريد.

يقول أولواسيجون: «تعد هذه الرحلة البحرية بمثابة الذهاب إلى الحرب.. البقاء للأقوى فقط».

أولواسيجون على قيد الحياة الآن بمساعدة إخوانه من الأفارقة في بلد يهجرها مواطنوها بعشرات الآلاف بحثا عن حياة أفضل في بلدان أوروبية أخرى، وأميركا اللاتينية، أو الولايات المتحدة.

ويقول تواسيجي حتى الإسبان يهاجرون إلى أفريقيا، حيث تسعي بعض الشركات للحصول على فرص في نيجيريا أو غينيا الاستوائية.

وعلى الرغم من كل الصعوبات التي يواجهها في إسبانيا، إلا أن أولواسيجون - الذي لا يتحدث الإسبانية - يعتقد أنه في نهاية المطاف سيشق لنفسه طريقا نحو المستقبل. ويختتم أولواسيجون قائلا: «ليس هناك مجال للعودة إلى الوطن».